هي الصورة في حربها الضروس على مساعي التضليل، تكشف ولو بعد حين كل من يعتقد ان فعلته مستورة. هي الصورة تقول الحقيقة حتى وإن تعمد البعض العبث بها لتحوير الواقع. هي الصورة تقاوم كل عابث بحق الناس بالمعرفة مهما كانت نتيجتها قاسية، ظالمة، مجرمة أو كاذبة.
في جديد الصورة التي وصلتنا متلفزة أو عبر اليوتيوب جزء أخر من مسلسل القتل الذي تشهده سوريا. الصورة تأخذنا دون ورع أو خشية إلى ثقافة الذبح مباشرة على الهواء. نحن لسنا مع مشهد لذبح دجاجة أو شاة كأضحية، بل مع مشهد ذبح البشر. هو بشر من لحم ودم معصوب العينين، مكتف اليدين خلف ظهره، مبطوح على بطنه، وأحدهم يحمل ورقة يقرأ فيها الحكم وبيده سكين طويل. صدر الحكم على من ‘يعيثون في الأرض فساداً‘. يقترب قارئ الحكم من المحكوم ويجز عنقه، ويرميه في الحفرة، والمتابعون من حوله لهذا المشهد يبتهجون بالصوت المرتفع.
اختلفت الروايات حول هذا المشهد إن كان من درعا أم من غيرها. وما تمّ الاتفاق عليه أنه وفي هذه الواقعة التي أرختها وخلدتها الصورة للتاريخ تم إعدام ثلاثة أخوة سوريين وقريب لهم، والتهمة هي تأييد النظام. صورة مرة، قاسية، لا يحتملها قلب ضعيف، لم تكن الأولى، ونتمنى أن تكون الأخيرة من سوريا. هي الثورة في طرفها المتلبس اللباس الديني، تحارب النظام الظالم والاستبدادي بما يضاهيه.
الصورة الثانية التي نحن بصددها هي للمواطن المصري حمادة صابر في الأسبوع الماضي. رجال شرطة بكامل لباسهم الرسمي الكحلي يحيطون بالرجل قرب قصر الاتحادية، بعضهم يمسك زنده، أخر يضربه، وأخر يركله، والعدد الأكبر يتفرج وهو يدور ويلتف على نفسه مجرداً من ملابسه. هي الصورة الساطعة، الواضحة والبينة بنسبة مئة بالمئة ولا يمكن تكذيبها. لكن ومن على سريره في المستشفى التابع للشرطة أرغم المجني عليه حمادة صابرعلى القول: هم الثوار سحلوني وجردوني من ملابسي، وضربوني.
صورة حمادة صابر وصلتنا عبر كاميرا فيديو وليس عبر الهاتف. ولأن حمادة كان في ضيافة الشرطة، وفي مستشفاها الخاص يتداوى من ‘جروحها’، صار لزاماً عليه قلب الحقيقة 180 درجة. بينه وبين الشرطة حلّ خبز وملح، هو طغى على المشهد السابق، وبات عليه واجب صيانة واحترام الخبز والملح. وهكذا ألبس حمادة المتظاهرين لباس الشرطة، وحمّلهم هراوات، وتركهم يضربوه ويجردوه من ملابسه، والشرطة الحنونة حملته إلى مستشفاها.
إنها الحرب على الحقيقة، والحرب على الصورة. ودون شك النصر للصورة المجردة من أي تلاعب.
مع الصورة أيضاً وأيضاً لكن هذه المرة من فلسطين ومن قرية بلعين. هو وثائقي مرشح لجائزة الأوسكار من ضمن خمسة أفلام، يحمل عنوان ‘خمس كاميرات مكسورة‘ للمخرج عمار برناطة. على مدى سبع سنوات صوّر برناطة فيلمه، خسر خلالها خمس كاميرات، من بينها واحدة استقرت الرصاصة الإسرائيلية في عينها. منذ بني جدار الفصل العنصري وقرية بلعين تتظاهر ضده. يتضامن معها مواطنون من فلسطين، وآخرون من شتى أرجاء العالم، وكذلك يهود مناهضون للجدار، وبرناطة أخذ على عاتقه توثيق القمع الصهيوني لهذا التحرك السلمي الذي سقط فيه شهداء وجرحى. النجاح بعد صبر كان حليف برناطة، أقله أن الرصاصة أصابت عين الكاميرا وليس عينه. خسر كاميراته الخمس، لكنه ربح حربه ضد العتمة التي يريد الصهاينة فرضها على قضمهم لأرض فلسطين، وعلى قتلهم لشعبها.
في عصر الصورة التي تلاحق البشر إلى حيث لا يدرون ولا يريدون، تكشف الصورة ما لا يريده كثيرون. توثق المراحل بحلوها ومرها. وللأسف هي في وطننا العربي صورة ننشد منها الربيع، فتزهر مزيداً من الدم الذي يتراكم فوق ممارسات الأنظمة ماضياً وحاضراً، لتخبرنا عن مزيد من الذل والقهر والموت المجاني الذي يلحق بالبشر والناس العاديين.
سما المصري: ما بخفش والحمد لله أنا مسلمة
ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها قناة بي بي سي الفنانة سما المصري في حوار من منزلها في القاهرة. هي حالة فنية نقدية للواقع القائم تسترعي الاهتمام. من يتابع أغنيات سما المصري التي بدأت تنتشر عقب تنحي حسني مبارك عن السلطة المصرية، وما تعتمده من نقد للوجوه التي شغلت الحياة السياسية وبالتالي الإعلام في مصر، لا بد له من التوقف عندها وبخاصة لجهة الكلمة التي تقولها. سما المصري فنانة تقوم بدور العين التي تسلط الضوء على الشخصيات الجديدة التي تحاول أن تحكم مصر بما هو مختلف عن إرادة الأكثرية من شعبها وناسها. في كلمتها ما هو واقعي وحقيقي. والدور الذي تقوم به يشبه إلى حد ما الدور الذي قام به كل من الثنائي أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام في مرحلة حكم أنور السادات وما تلاها. طبعاً مع فرق أساسي كامن في العمق الذي يتضمنه شعر نجم، وفي الثقل الذي كونه الشيخ إمام في الوجدان العام. وفي هذه المرحلة بالتحديد كان لسما المصري نعمة الانتشار بكافة الوسائل المتاحة وبخاصة الوسائط الإلكترونية الجديدة التي أوصلتها للملايين.
في حوارها مع بي بي سي قالت سما أنها تنتقد الأشخاص لكنها ليست ضدهم، بل ضد سياستهم. وردت على سؤال بأنها تتلقى تهديدات عبر هاتفها وهي لا تعد. وقالت: ربنا خلقني ما بخافش. يمكن تسميني ست قلبها ميت. يمكن أروح شهيدة ويسموا الشارع الذي يسكنه مرسي باسمي. قال لها المذيع: مش خايفة أبداً؟ بلى أنا خايفة عالبلد. تحدثت عن البلاغ الذي قدمه فيها المحامي نبيل الوحش بتهم مختلفة منها ازدراء الأديان، إهانة الشخصيات، تكدير الأمن العام. وحلفت بأنها لم تكن تعرف معنى ازدراء الأديان. وقالت: الحمد لله أنا مسلمة.
سما المصري تقدم نقدها للواقع عبر الأغنية الساخرة، وترقص كما هو حال الفتاة المصرية الشعبية. إنها حالة تستحق التوقف عندها. كما أنها حالة يجب أن تكون أكثر عمقاً على صعيد الكلمة، بحيث تتناول الواقع أكثر من الأشخاص.
أوباما يحكي نقيض صورته
ما زلنا نذكر ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما إثر مجزرتين جماعيتين ارتكبتا بحق الأبرياء في الولايات المتحدة وأحدها في مدرسة ‘لا بد من ضبط انتشار السلاح بين أيدي المواطنين’. مؤخراً بثت شاشات التلفزة صورة لأوباما وهو يصوب سلاح صيد على طبق طائر. الرئيس الأميركي يصيبها وهي ‘طايرة’. لكن أين هو المثل الصالح الذي أراد تقديمه للأجيال الأميركية التي تهوى السلاح، وبعضها يهوى القتل الجماعي؟ فقبل نهاية العام الماضي بلغ ضحايا هذا السلاح المنتشر عشوائياً أكثر من 50 مواطناً أميركياً بريئاً وبينهم أطفال. إنها الصورة التي جعلت الرئيس يقول كلمتها ويفعل نقيضها. لكنه الرئيس يريد أن يثبت للقاصي والداني بأنه يصيبها وهي ‘طايرة‘.
نشرة المنار تتجدد
من ضمن التجديد الذي طرأ على نشرة أخبار قناة المنار تأسيس قسم خاص بالتحقيقات الميدانية بحيث تتضمن النشرة في كل يوم تحقيقين. طريقة تقديم هذه التحقيقات فيها محاولة تقربها بنسبة أكبر من الناس والمشاهدين، خاصة وأن التحقيق يعنيهم. إنه المذيع الذي يطل واقفاً شارحاً ما في قسمه في هذه النشرة، ومقدماً للتحقيقين بأسلوب بسيط ولطيف. في تحقيق عن الدراما السورية، وتحت عنوان ‘هجرة الدراما السورية إلى لبنان’. تضمن التحقيق حوارين مع مخرجين سوريين يصوران في لبنان، لكن التحقيق افتقد إلى ذكر عدد المسلسلات التي تصور في لبنان. وهكذا جاء العنوان كبيراً على المضمون. ففي الأيام العادية في سوريا كان المخرجون يصورون بعض مشاهدهم في لبنان. كذلك لم يذكر التحقيق ما هي التسهيلات المقدمة لهذا الدراما؟ وما هي الصعوبات التي تواجهها في لبنان لاسيما لجهة فرق الأسعار؟ نقاط كثيرة أغفلها هذا التحقيق فجاء مبتوراً أو متسرعاً، ولم يف بغرضه كاملاً.
صحافية من لبنان- القدس العربي – زهرة مرعي.