بات اختيار شريك العمر من خارج قطاع غزّة قراراً لا تأخذه البنت بنفسها بل يتطلّب موافقة دولٍ عليه، وتحديداً الدول التي تفرض الحصار على القطاع. فمعبر رفح البري الذي لا يفتح إلا مرّة كلّ شهر أو شهرين لتمرير الحالات الإنسانية أفشل مئات محاولات الزواج كما محاولات لمّ شمل المتزوجين الذين فصل الحصار بينهم منذ سنوات. وإذا كان اتخاذ قرار الزواج من خارجيّ صار مؤجلاً، فمشكلة «لمّ الشمل» باتت تضع ثنائيات كثيرة في مرحلة الخطر.
فعلياً، يهدّد معبر رفح حياة نحو 1500 فتاة وشاب فلسطينيين في غزة بالانفصال عن الزوج/ ة أو الخطيب/ ة المقيمين خارج غزّة، كما بعدم إتمام طقوس الزفاف.
يذكر أن المعبر يفتح للحالات الإنسانية، فيعبره في كلّ مرة نحو 1500 شخص على أبعد تقدير، في ظلّ وجود أكثر من 30 ألف اسمٍ مسجلٍ للسفر في كشوفات وزارة داخلية غزّة.
7 معابر إلى الحصار
في غزة سبعة معابر. ستة منها مشتركة مع إسرائيل التي تغلق أربعةً منها بالكامل منذ سيطرة «حماس» على القطاع في عام 2007. تدير إسرائيل حركة التجّار ورجال الأعمال لجهة الدخول والخروج إليها عبر معبر «بيت حانون»، وتخصّص معبر «كرم أبو سالم» للتمرير التجاريّ. بذلك، يصبح معبر رفح الذي تشرف عليه السلطات المصرية المنفذ الوحيد لقطاع غزّة إلى العالم الخارجي، وهي تغلقه إغلاقا شبه كاملٍ منذ تموز/ يوليو 2013 لأسباب تصفها بـ «الأمنية». تفتحه أحياناً، بشكل استثنائي وغير منتظم، لسفر الحالات الإنسانية.
نهى أبو عمرو مخطوبة لشابٍ مصري منذ عامين. خلالهما، لم تستطع عبور الحدود نحو الأراضي المصرية لإتمام طقوس زواجها، علماً أنها حاولت السفر لمراتٍ عديدة إلا أن حالتها لم تفز بأولوية السفر. فالنظام المعمول به يقوم على مبدأ العمل بالتنسيق والسماح بسفر الحالات الإنسانية والطلاب فقط.
تقول أبو عمرو إنها تعتبر نفسها إحدى الحالات الإنسانية الواجب إنهاء معاناتها، خاصةً أن الأفق مربوطٌ بالحصار، والحصار مستمر منذ 10 سنوات. وتتابع: «أنا مواطنة، وكلّ حالاتنا إنسانية. من حقنا أن نسافر مثل بقية الشعوب ومثل البشر، ومن حقنا أن نسافر من دون التسجيل وانتظار السنوات على كشوفات المعبر».
حال أبو عمرو لا تختلف كثيراً عن حال مديرة إذاعة «صوت نساء غزة» إسلام البربار. ففرحة زواجها لم تكتمل سوى لشهر واحد، عادت بعده من مصر إلى غزة لإنهاء أمورٍ تتعلق بطبيعة عملها، فإذ بها تلتحق بقائمة «الزوجات العازبات». تقول: «تزوجت في منتصف تموز/ يوليو من العام الماضي، وعدت إلى غزة في آب/ أغسطس من العام ذاته لظرفٍ هامّ. إلا أنني ما زلت محجوزة في القطاع حتى الآن. لقد أصبحت حياتي أنا وزوجي متوترة ومليئة بالضغوط ونعيش في قلقٍ ولا نعرف ماذا سيحدث. حديثنا صار ينحصر في المأساة التي نعيشها».
وتبين أن مأساتها الحقيقية زادت عندما فقدت جنينها على معبر رفح في أثناء رحلة العودة. كانت حاملاً واضطرت للانتظار لمدة 26 ساعة على المعبر، قبل دخول القطاع. حاولت بعد ذلك السفر إلى زوجها عبر معبر «إيرز» الخاضع للسيطرة الإسرائيلية في شمال القطاع، إلا أن محاولتها لم تفلح.
الانفصال يرافق العلاقة
ثلاث سنوات حاول خلالها الشاب عمر الفرا أن يعبر معبر رفح ليلتحق بخطيبته المقيمة في المملكة العربية السعودية أو يؤمّن انتقالها هي عبره إلى غزة. ثلاث سنوات فشلت خلالها كلّ المحاولات حتى بدا الانفصال خياراً أشد منطقية من الزواج بعد ثلاث سنوات من الخطوبة.
حتى معبر بيت حانون «إيرز» رفض دخولها إلى غزة أيضاً، لأنها لا تملك هوية فلسطينية ولا جواز سفر فلسطينيا، بل إقامة سعودية، ما صار الاحتلال الإسرائيلي يرفضه بصفته المشرف على معبر ايرز وسانن قوانينه.
يلفت عمر: «في كل مرة يتم بها فتح معبر رفح، يكون عدد المسجلين للسفر قد فاق 30 ألف مسافر. العدد الذي يسمح بالسفر لا يتعدى ألف مسافر عادةً، ما جعل معبر رفح يشكّل أزمة حقيقية وصعبة جداً».
وتشير إحصائيات وزارة الداخلية في قطاع غزة إلى أن نحو 30 ألفاً من سكان القطاع قد سجلوا فعلاً أسماءهم في قوائم الراغبين بالسفر لحاجات مختلفة، بينهم ثلاثة آلاف طالب، بعضهم مهدد بفقدان مقاعدهم في الجامعات والمعاهد التي يتابعون دراستهم فيها، أو المنح الدراسية التي حصلوا عليها من جامعات خارج غزة. وقد سجّل أكثر من 8 آلاف شخص من أصحاب الإقامات في الدول العربية والأجنبية أسماءهم للسفر، أملاً الوصول إلى الدول التي حصلوا منها على تأشيرات دخول. غالبيتهم باتوا مهددين بفقدان أعمالهم وإقاماتهم في هذه الدول.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن الطلبة وأصحاب الإقامات في الخارج يبدون أوفر حظاً مما يزيد على 5 آلاف شخص مريض بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة، بعضهم مصاب بأمراض خطرة كالسرطان، وقد دخلوا في مراحل حرجة من مرضهم.
في المقابل، يحاول نحو 6 آلاف مصري ومن حملة الجنسية المصرية من سكان غزة، المغادرة عبر التسجيل للسفر عن طريق معبر رفح البري. لكن إجراءات المنع التي تطال الفلسطينيين تنطبق على هؤلاء أيضاً.
السفير