هدأ التوتر بين روسيا وإسرائيل الذي ساد خلال الأيام القليلة الماضية، بعد إجراء فلاديمير بوتين الرئيس الروسي اتصالات، استغلت مناسبة ذكرى “عيد النصر على النازية”، واستهدفت إسحق هرتسوغ رئيس إسرائيل ونفتالي بينيت رئيس الوزراء، لجسر الخلاف بين البلدين، حيث اعتبر بينيت تلك الاتصالات اعتذاراً عن تصريحات أدلى بها سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، مهاجماً إسرائيل في ظل توترات الحرب الروسية الأوكرانية.
ويبدو أن بوتين غير معني بخسارة إسرائيل وعلاقة بلاده معها الآن، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم تدهور علاقاته مع الولايات المتحدة والغرب، والتي قد تكون إسرائيل أحد مفاتيح تلك العلاقات. وتبنت حكومة نفتالي بينيت خلال هذه الحرب سياسة حياد حذرة تجاه روسيا، رفضت من خلالها المشاركة بسياسة العقوبات الغربية عليها، وامتنعت عن إرسال الأسلحة لأوكرانيا واكتفت بتقديم مساعدات طبية، الأمر الذي سمح بعملها كوسيط ناقل للرسائل بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية وأوكرانيا من جهة أخرى.
وتعد تلك التطورات مناسبة لمراجعة طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية في الوقت الحالي وكيفية إدارتها، والتي تقوم على اعتبارات المصلحة والسلوك البرغماتي، فهي علاقات غير إستراتيجية ولا تقوم على أساس الأيديولوجيا، من أجل استكشاف مستقبلها، في ظل بيئة إقليمية معقدة ودولية مضطربة. ولا ترجح معطيات الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة أنها ستنتهي قريباً، بل قد تكون مؤهلة للتأجج والتوسع بعد إعلان روسيا اعتبارها نقل السلاح إلى أوكرانيا تدخلاً مباشراً في الحرب من قبل الناتو والدول الغربية، وهدفاً مشروع لنيرانها، وتلويحها الضمني باستعدادها لاستخدام القوة النووية إن استدعى الأمر، خلال العروض العسكرية الاحتفالية الأسبوع الماضي.
اتهمت تصريحات لافروف، والتي تسببت بالأزمة الأخيرة بين روسيا وإسرائيل، الرئيس الأوكراني بالنازية، على الرغم من أنه يهودي. ولا يعتبر هذا التوتر مفاجئاً أو منفرداً، إذ استدعت روسيا مطلع النصف الثاني من الشهر الماضي ألكسندر بن تسفي سفير إسرائيل لدى موسكو، بعد دعم إسرائيل قراراً في الجمعية العامة لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. لم تكتفِ روسيا باستدعاء السفير الإسرائيلي على خلفية ذلك الحدث، بل ذكّرت المجتمع الدولي بجرائم إسرائيل الاستيطانية في الأراضي المحتلة بما فيها الجولان السوري، كما تصدت الدفاعات الجوية السورية لصاروخ إسرائيلي موجه ضد بلادها بالقرب من دمشق، في تطور نوعي. كما استنكر وزير الخارجية الإسرائيلي في وقت سابق من ذات الشهر ممارسات روسيا في أوكرانيا، ووصفها بأنها جرائم حرب. كما أرسلت إسرائيل خوذات وسترات واقية من الرصاص للجيش الأوكراني، في تراجع واضح عن مواقف إسرائيل السابقة، التي أكدت على عدم نيتها تقديمها مساعدات عسكرية لأوكرانيا. وشاركت إسرائيل مؤخراً في الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة في قاعدة عسكرية لها في ألمانيا مع عدد من الدول الحليفة من داخل الناتو وخارجها، بهدف تنسيق الجهود لدعم وتسليح ونقل السلاح لأوكرانيا. واتهمت وزارة الخارجية الروسية إسرائيل أيضاً بإرسالها مرتزقة يقاتلون مع كتيبة آزوف الأوكرانية المتطرفة ضد القوات الروسية.
تقوم سياسة حكومة بينيت تجاه روسيا حالياً على أساس تلك التي تبنتها حكومة بنيامين نتنياهو قبل أكثر من عقد، وأسس لها ووجّهها بوتين بعد وصوله إلى الحكم، مطلع الألفية الجديدة. وتقوم سياسة بوتين تجاه إسرائيل على أساس بناء علاقات تقوم على المصالح المتبادلة بين البلدين، وهو ذات التوجه الذي تتبناه إسرائيل خصوصاً في ظل تصاعد النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط وانحسار النفوذ الأميركي. وبدأت معالم هذه السياسة بالبروز أثناء الحرب الروسية الجورجية عام ٢٠٠٨، عندما هددت روسيا إسرائيل بأن دعمها العسكري لجورجيا يعني دعم روسيا الصريح عسكرياً لجارتها السورية وعدوتها الإيرانية. إن ذلك يفسر تراجع إسرائيل بعد ذلك عن دعم جورجيا، وزيارات أيهود أولمرت رئيس الوزراء في حينه لتحسين علاقة البلدين. وتطورت بالفعل العلاقات التجارية والعسكرية بين البلدين بعد ذلك، وباتت معادلة العلاقات الروسية الإسرائيلية أكثر وضوحاً بعد ذلك عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، حيث تجنبت حكومة لبنيامين نتنياهو انتقاد روسيا. وباتت التفاهمات المحسوبة هي القاعدة والمحدد للعلاقات بين البلدين، وتكشف ذلك في إطار علاقة مستمرة جاءت بعد دخول روسيا إلى سورية عام ٢٠١٥، وتواجد قوات إيرانية وأخرى لـ”حزب الله”.
تقوم العلاقة بين روسيا وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط على أساس من التوازن والتفاهم المحكومَين بالمصالح. وعلى الرغم من المعطيات المعروفة لكلا الجانبين بأن إسرائيل حليفة للولايات المتحدة والغرب، وأن أعداء إسرائيل في المنطقة والممثلين بسورية خصوصاً وإيران عموماً هما حليفان لروسيا، تقوم التفاعلات ضمن نسق متفق عليه يضبط الوضع في سورية، رغم التعقيدات الموجودة، ويجعل تلك السياسات الضابطة مصدر مساومة في مناطق أخرى، كأوكرانيا الآن.
وينطبق ذلك أيضاً في إطار الملف النووي الإيراني. في إطار تلك الرؤية يمكن تفسير العديد من التفاعلات الحالية في المنطقة وسياسات روسيا وإسرائيل، إذ ترغب إسرائيل بضمان ضبط الأمن في سورية بفعل النفوذ الروسي فيها، وترغب روسيا بالاحتفاظ بعلاقتها بإسرائيل في ظل أهميتها كحليف غربي تتقاطع مصالح البلدين في أكثر من منطقة.