سؤلان بلا إجابة: لماذا لا يريد العرب والفلسطينيون المصالحة؟!
هل هو هذا الواقع السياسي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية؟ حالة من التراجع الواضح عربيا ودوليا، وإيلاء أولويات أخرى غير القضية الفلسطينية، وهل السبب عربيا أن القضية الفلسطينية لم تعد تلعب الدور الذى لعبته في مراحلها الاولى في تحريك الشعوب العربية، وفرض قرارتها على النظم السياسية العربية؟ هل السبب إنشغال العرب في قضايا ملحة تواجه مصير كل دولة؟ ام عدم القدرة على إتخاذ القرارات السياسية المؤثرة والفاعلة والضاغطة؟ هذه التساؤلات تجيب على ان العرب وفلسطين لم تعد القضية المحركة والفاعلة للسياسة العربية، وذلك لأسباب أخرى تتعلق بالقضايا الجديدة التي بدأت تفرض نفسها على أجندات السياسات العربية، فالتحولات في الموازين الإقليمية والدولية لا تعمل لصالح القضية الفلسطينية، بروز تهديدات إقليمية من الدول المجاورة كإيران وتركيا، ونجاح هذه الدول في توظيف الحركات الفلسطينية، وتحريكها بما يخدم مصالحها أثر سلبا على مواقف الدول العربية. وإنشغال العرب أيضا بقضاياهم الداخلية بعد ما يعرف بالحراكات العربية التي كان هدفها ليس التخلص من أنظمة حكم قائمة، بقدر الهدف منها بوصول الحركات الإسلامية وخصوصا حركة ألأخوان للحكم، وما تبع ذلك من موجات عنف وإرهاب مدعومة إقليميا ودوليا، وأصابع إتهام للفلسطينيين، هذه التهديدات الجديدة التي وصلت لحد تعرض الدول العربية لخطر التفكيك والإنقسام أيضا، الذي لم يعد قاصرا على الفلسطينيين وصلت إلى درجة تهديد بقاء الدول العربية من عدمه، في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، بل ان الدول العربية التي لم تصلها هذه التهديدات بشكل مباشر كان عليها أن تتحرك عربيا لإحتواء هذه التهديدات والتحديات والمخاطر التي لو نجحت لكانت النتيجة الحتمية سقوط المنظومة العربية بالكامل وإستبدالها بمنظومات إقليمية ودولية طامحة وساعية للتغلغل في قلب المنطقة العربية وزرع كيانات غير عربية.
في هذا السياق أيضا جاءت التحولات الدولية غير مواتية للمصالح العربية.. فروسيا تسعى للعوده لمطامح الإمبراطورية السوفياتية واحد آلياتها التواجد في قلب المنطقة والذي كان هدفا قديما الوصول للمياه الدافئة للمنطقة ومنابعها النفطية، والولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب التي لا تري إلا نفسها، لها أهدافها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة، واهمها الحفاظ على بقاء إسرائيل وأمنها كاقوى دولة، وهذا يفسر لنا قرارات هذه الإدارة بنقل سفارتها إلى القدس والإعتراف بها عاصمة لإسرائيل مستفيدة من حالة الضعف والتراجع العربي، ومحاولة هذه الإدارة فرض ما يعرف بالسلام الإقليمي، ومحاولة جعل إسرائيل دولة عادية، من خلال بناء منظومة إقليمية جديدة لمواجهة التحدى الإيراني الجديد، وكمقاربة لتحقيق السلام بين الفلسطينين والإسرائيليين ـ بإغراء إسرائيل تقديم تنازلات مقابل هذا السلام الإقليمي لعلها تقنع الفلسطينيين بالقبول بصفقة القرن الجديدة التي تمهد لها الولايات المتحدة، كل هذه المؤشرات لها دلالة سياسية كبيرة ان القضية الفلسطينية ورغم إحتفاظها ببعدها ومكونها العربي لكنها لم تعد القضية ألأولى، وهذا ما يفسر لنا المواقف العربية المتواضعة من قرار نقل السفارة ألأمريكية، والأهم من الإنقسام السياسي الفلسطيني، فبلا شك العرب قادرون ان يفرضوا صيغة للمصالحة تفرض على طرفي الإنقسام، ولا احد ينكر ويتجاهل الدور الذي قامت وتقوم به مصر حتى اليوم، وإحتضان السعودية لإتفاق مكة، وكلها محاولات قد فشلت. وقد يقول قائل ان الفلسطينيين لا يريدون المصالحة أيضا. هذا القول تبريري الطرح، صحيح انه إذا كان صاحب القضية لا يريد المصالحة كيف أفرضها عليه؟ هذا التبرير يعني تراجعا في القضية الفلسطينية، على إعتبار انها في مراحل تاريخيه كانت تعتبر المكون الرئيس للأمن القومي العربي على أساس ان الحركة الصهيونيي وإسرائيل كانت تشكلان تهديدا مباشرا لهذا الأمن وأن المسألة ليست فلسطينية كما يريد الفلسطينيون، هذا ألإدراك بدأ يتغير منذ غزو العراق للكويت عام 1991 وإلإنغماس الفلسطيني فيه، منذ ذلك الوقت التراجع واضح، ومدركات العدو المشترك بدأت تتغير، وبدأت تظهر مدركات وتصورات جديدة كتهديد الحركات الإسلامية المتشددة والمتطرفة، وتهديد الدول الإقليمية الآني كالخطر الإيراني في التمدد الإقليمي داخل الدول العربية.
هذه التحولات قد تجيب على التساؤل لماذا العرب لا يريدون او غير قادرين على فرض المصالحة الفلسطينية، وأن السبب الرئيس ان القضية الفلسطينية أصبحت شأنا فلسطينيا، او هكذا يريد الفلسطينيون الذين يطالبون دائما بإستقلالية القرار الفلسطيني، وعدم التدخل في الشأن الفلسطيني، إختزال القضية الفلسطينيه وكأنها صراعا وخلافا ثنائيا فلسطينيا إسرائيليا ساهم في اخرج إسرائيل من دائرة المدركات والتصورات العربية، وطرح للتساؤل هل إسرائيل باتت تشكل تهديدا للوجود العربي؟ وهناك مقاربه أخرى ان احد أهم المقاربات هو العمل على دمج إسرائيل عربيا، وهذا من شأنه ان ينعكس إيجابا على القضية الفلسطينية والقبول بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
الأخطر من الموقف العربي الموقف الفلسطيني. وهو السؤال المطروح دائما هل يريد الفلسطينيون المصالحي؟ الواقع السياسي القائم، والعلاقات الفلسطينية الداخليي التي بات قطبيها حماس وفتح تشيران ان المصالحة لم تعد خيارا حتميا، وان التفكير قد بدأ في البحث عن البدائل، ومنها الربط ألإقليمي بين الضفة والأردن، والربط الإقليمي بين غزة ومصر مع ألأخذ في الإعتبار المعطيات السياسية الجديدة، الربط بإدارة فلسطينية ومما يساهم في إستبعاد المصالحة المؤثرات الإقليمية، وتوظيف القرارا الفلسطيني لحسابات غير فلسطينية، ولمشاريع ابعد من المشروع الوطني الفلسطيني، والمشروع القومي العروبي.
وكل هذه الإرهاصات تنبئ اننا مقبولون على وضع سياسي فلسطيني جديد، وهنا يبدو لي من القراءة السياسية، ومساعي القوى ألإقليمية والدولية ان هناك معادلة سياسية جديدة تقوم على ان الخارطة السياسية الجديدة والحفاظ على ما تبقى من دول عربية، يقوم على تأصيل حالة ألإنقسام السياسي الفلسطيني وتحولها لحالة سياسية جديدة تقوم على التوافق على صيغة سياسية جديدة للإنفصال السياسي قد تأخذ أشكالا جديدة، منها ان تكون غزة نواة للدولة الفلسطينية الجديدة مع شكل من الكونفدرالية او الفيدرالية الفلسطينية الإقليمية الواسعة بما فيها إسرائيل، والتوسع في مقاربة الحقوق الفلسطينية، ووصولا لهذه المرحلة تحتاج لعملية ترويض سياسي لحركة حماس، وقبولها بالخط السياسي العام الذي قامت عليه منظمة التحرير، بالإعتراف بالشرعية الدولية، وبدولة فلسطينية سلمية لا تشكل تهديدا لأمن إسرائيل، ولا أمن الدول العربية المجاورة، والفصل بين الحركة وحركة الأخوان بشكل عام. وتظهر في ألأفق السياسي بعض المؤشرات والتحولات في الخطاب السياسي للحركة يتجاوز مرونة وواقعية مرحلة ميثاقها السياسي الجديد. وأخيرا يبدو ان هذه التحولات مرتبطة بمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس. ولهذا لا احد يريد المصالحة.