أسئلة كثيرة تطرحها «صفقة القرن»، لكن يبقى السؤال الرئيسي، الذي يشكل دافعاً قوياً لأية مبادرة، هل هدفها إرساء السلام؟ والسؤال تتبعه أسئلة كثيرة عن ماهية هذا السلام وركائزه وأسسه وآلياته.
وإذا كان الهدف هو السلام، فبلا شك سيكتب له النجاح، والقبول من أطراف الصراع. هذه هي الإشكالية الكبرى التي غابت عن كل المبادرات والجهود التي قامت بها الإدارات الأمريكية التي احتكرت العملية التفاوضية والتسوية بين الطرفين الرئيسيين العربي الفلسطيني والإسرائيلي، وهي التي أخفت وراءها كل أسباب الفشل.
أولاً، لأن هذا الاحتكار، أدى إلى إلغاء كل المرجعيات القانونية وقرارات الشرعية الدولية التي تحكم أية عملية سلام، وتؤدي إلى مفاوضات ناجحة. وثانياً تبني وجهة نظر واحدة وهي وجهة نظر إسرائيل في فرض السلام، الذي يحقق أمن وبقاء إسرائيل، ويشرعن سياساتها الاحتلالية، ويتجاهل الطرف الثاني وهو الفلسطيني، الذي لا تكتمل أية عملية سلام من دونه، وهو الطرف الذي يعاني غياب السلام في عدم ممارسة حقه في تقرير مصيره وممارسة حقوقه السياسية التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية، ويتطلع لقيام دولته الديمقراطية المدنية، كما أن شعبه تحت ذل الاحتلال وتمتهن كرامته الوطنية بسبب سياسات الاحتلال والحصار والحواجز.
السلام عملية كلية شاملة هدفها إنهاء الحروب، وهو الهدف الذي لم يتحقق منذ بداية الصراع العربي «الإسرائيلي»، الذي شهد أربعة حروب رئيسية، وحروباً ثنائية مع لبنان وقطاع غزة، وهي حروب غير متكافئة راح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء، وتدمير البنية التحتية. و
معيار نجاح السلام، أن يضع حداً للحروب، وأن يخاطب الحقوق الناقصة أو الحاجات الأساسية لأطرافه، وأن يحقق التوازن في معادلة الحقوق وصولاً لصيغ من التعايش والمصالح المشتركة وبناء نماذج للتنمية والاعتماد المتبادل في إطار من بنية أساسية من القيم تقوم على نبذ العنف والكراهية والحقد، والقبول والتفاعل الاجتماعي.
إسرائيل حققت ما تريد من دولة تجاوزت الحدود المرسومة لها وفقاً لقرار 181، وأبدى الفلسطينيون كل المرونة السياسية، ووافقوا على دولة بمساحة تقارب العشرين في المئة من مساحة فلسطين التاريخية.
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، وفي رسالته عن السلام، مستبعداً سلام القبور، يحدد شروطاً عامة لتحقيق السلام للجميع، يقول حول تحقيق سلام دائم بين الدول: «حرب أو صراع، فالبديل عن فشل السلام أن تعيش الدول في حالة حرب دائمة وهو خيار لا يمكن لأي دولة أو شعب أن يتحمله».
ويضيف: «الحكم بالحق بين الأطراف المتنازعة المتحاربة، وإعطاء كل ذي حق حقه»، هذه إرشادات لتحقيق السلام.
والسؤال هنا: هل يمكن أن يكون جاريد كوشنر كما كانط ويفكر كما يفكر. وينظر للسلام كما ينظر؟ لا يبدو ذلك أبداً، فالسلام الذي تتبناه «الخطة الأمريكية» هو نموذج السلام الأحادي الذي يلبي حاجات «إسرائيل» فقط، في حين يتجاهل تماماً كل الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
صفقة القرن سبقت وتجاوزت كل المبادرات الأمريكية السابقة بأن طبقت بنودها على الأرض قبل أن تعلن، فنزعت القدس من جسدها الطبيعي، وأوقفت كل المساعدات عن وكالة الغوث تمهيداً لشطب ملف اللاجئين، والتمهيد لضم أراض من الضفة الغربية لإسرائيل لشرعنة الاستيطان والاحتلال.
هذه هي إشكالية «الخطة» التي تتعامل مع السلام ليس كسلام ورؤية بل كعملية أحادية تهدف إلى فرض الأمر الواقع بالقوة، والاعتراف بحقائق الاحتلال،وبدلاً من إرساء بذور السلام وتنميتها، وخلق بيئة السلام تعمل الصفقة على ترسيخ بيئة الحرب وإطالة أمد الصراع. لهذه الأسباب سيكون مصيرها الرفض والفشل لسبب بسيط، أنها لا تتعامل مع السلام بقدر ما تتعامل مع الحرب.
سلام كانط وسلام كوشنر بقلم: الدكتور ناجي صادق شرّاب
