قضيةٌ في المحكمة تقترب. وانتخابات جديدة في سبتمبر/أيلول تقترب. نتنياهو مُتّهَم بجريمة فساد خطيرة. وهو لا يكافح في سبيل معتقداته السياسية فقط، بل في سبيل مصلحته الشخصية أيضاً. وإذا فاز في الانتخابات، فسوف يتمكن من طلب الحصانة من الملاحقة القضائية.
على مدى العقد المنصرم، تحرّكت السياسة الإسرائيلية بثبات نحو اليمين. وتباعدت التسوية مع الفلسطينيين بشكل مطّرد. وتمّ التخلي عن فكرة «حل الدولتين» من قِبل الإسرائيليين. ودَبَّ الوهن في اليسار السياسي.
ويُقال لجمهور الناخبين، من قِبل قُدامى السياسة الإسرائيلية الحكماء، إن قيادة نتنياهو ستؤدي إلى دولة فصل عنصري غير مستقرة، حيث ستهيْمن أقلية على أغلبية بقدر ما يستطيع المرء أن يستشفه من المستقبل.
يُحذّر «أفراهام بورج» رئيس الكنيست السابق قائلاً، «إن نهاية الديمقراطية الإسرائيلية خطرٌ واضحٌ وقائم». ويقول رؤساء سابقون للحكومة وخدمات الاستخبارات الشيء ذاته.
والرئيس دونالد ترامب، واللوبي اليهودي القوي، لجنة العلاقات العامة الأمريكية – الإسرائيلية (إيباك)، على الرغم من عدم رضاهما عن تُهم الفساد والكسب غير المشروع، راضيان للغاية عن توَجُّه نتنياهو السياسي.
والمانحون اليهود الأمريكيون، يُبقون خزائن اليمين الإسرائيلي المتطرف مملوءة. ويُقدَّر أن 99% من تمويل نتنياهو للانتخابات التمهيدية يأتي من جهات مانحة أجنبية خاصة. وفي الوقت ذاته، يتعرض تمويل اليسار والليبراليين لهجوم مستمر، ولا سيّما أنهم يحصلون على ما يحصلون عليه من تمويل، من حكومات أجنبية.
وقد تحَرَّك الرأي العام الإسرائيلي نحو الشعبوية بشكل متزايد، مثلما حدث في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لبعض الأسباب ذاتها. فالطبقة العاملة الشرقية (اليهود المنحدرون من دول شرق أوسطية وشمال إفريقيا) يشكلون قوة رئيسية للقومية وعدم مراعاة حقوق الإنسان. وقوّة تصويتهم ضخمة. وكثير منهم مؤيدون أشدّاءُ لنتنياهو، ويَبدون غيرَ عابئين بمشكلاته القانونية.
ووفقاً لكاتب العمود في صحيفة «هآرِتْسْ»، «أشير شيشْتَر»، يبدو أن الديمقراطية الليبرالية الآن غير ملائمة لحساسيات جمهور الناخبين في إسرائيل. ويقتبس عن أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب، «نسيم»، قوله، «إن ما يراه الليبراليون الحلَّ، يراه خصومهم في الطبقة العاملة المشكلة. وإضعاف الحدود الدينية والقومية الذي يعتبره الليبراليون مُحرِّراً، غالباً ما يشكل تهديداً شديداً للهوية الأساسية لخصومهم».
في عام 2015، حذّر رئيس اسرائيل «رئوفين ريفلين» من أن إسرائيل تتحوَّل باطّراد إلى مجتمع متشرذم، يمثّل اتحاداً يتكون من مجموعات عرقية وثقافية ودينية مختلفة، ولا يكاد يجمعها شيء مشترك.
ونتنياهو، الذي يعتقد بأن إسرائيل «ستظلّ تعيش بالسيف إلى الأبد»، يسيطر على السياسة الإسرائيلية منذ عام 1996، عندما أصبح رئيساً للوزراء للمرة الأولى. وقد انحرفت وجهات نظره العامة حول حلّ الدولتين، على مرِّ السنين. ولم يسبق له أبداً، في واقع الأمر، تقديم خطة واضحة خاصة به، حول كيفية تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ويبدو أن غالبية الرأي العام، لا تُخَطِّئُه في ذلك.
ولا تخطِّئُه أيضاً في هجماته العلنية الشرسة على عرب 1948 الذين يشكلون 21% من سكان البلاد. في عام 2015، عندما بدا أن نتنياهو سوف يخسر الانتخابات، أطلق تسجيل فيديو يوم الانتخابات يقول: «الناخبون العرب، يتقاطرون على صناديق الاقتراع زرافات ووحداناً (أو كالقطعان)».
وساعد ذلك في خروج الناخبين اليهود، وانتصر نتنياهو. وهذا التكتيك المتمثل في الهجوم، هو سلاحه المُشرَع باستمرار. وعلاوةً على ذلك، فإن بعض العناصر في اليسار، المتلهّفين إلى التخلص من الالتفاف عليهم باستمرار، وإلى استعادة ثقة الناخبين بهم، استخدموا بعض لغته الازدرائيّة المعادية للعرب.
في عام 2017، أقرَّ الكنيست مشروع قانون يمكّن إسرائيل من مصادرة أراضٍ تملكها عائلات فلسطينية منذ أجيال. وحتى بعض الأشخاص في اليمين، أعربوا عن اعتقادهم بأن في ذلك إفراطاً ومبالغة. وقال الرئيس «ريفلين» (الذي اعتاد أن يكون عضواً في البرلمان عن حزب الليكود بزعامة نتنياهو) إن هذا القانون يتحدّى القانون الدولي. وكان نتنياهو قد عارض القانون عندما جرَت مناقشته للمرة الأولى، ولكنه غيَّر موقفه بعد ذلك، مع احتلال متاعبه القانونية مركز الصدارة، وقرَّرَ تأييده.
ولا يبذل منظِّرو اليمين أي محاولات لوضع تصوُّر لمستقبل متماسك، يُمكّن اليهود والعرب من العيش بانسجام جنباً إلى جنب. ودونما تفكير، يريدون العيش مع الوضع الراهن. ولكن القرون الأخيرة تخلو من أي مثال على استقرار مثل هذا الوضع في أي مكان.