أضَعْتُ زَماني
لأَظْفَرَ بِالوَقْتِ في وَطَنِ الحُزْنِ
مُذْ وَلَدَتْني الغُصونُ السَّعيدةُ
عُشًّا عَلى جُرْحِها
.. كُلَّما خِلْتُ نَهْرًا مِياهًا
أَفاضَ عَلَيَّ الرِّمالَ
لِيُرْوِيَني عَطَشًا صَافِيًا
مِنْ لَظى مِلْحِها
.. كُلَّما خِلْتُ شَمْسًا صَباحًا
أَهالَتْ عَليَّ الجِبالَ
ظَلامًا بِلا صُبْحِها
مَن أَنا يا بِلادي السَّليبَةَ
رغْمَ امْتِدادِكِ تَحْتَ حِذائي المُقِيمْ؟
يا بِلادي الحَبيبَةَ
لكنَّ قَلْبَكِ يَعْشَقُ نِدِّي الغَريمْ
أُعَزِّي جِراحي بأَنْ لَيْسَ يَجْمَعُ بَيْنَكُما الحُبُّ
بَلْ هُوَ مَحْضُ اغْتِصابٍ
وَلكِنْ أَيُعْقَلُ هذا؟
فَكَيْفَ إِذًا يَسْتَمِرُّ؟ وَكَيْفَ إِذًا تَنْتَشينَ
وَيَمْلأُ صَدْرَكِ سَعْدٌ عَظيمْ؟
تَخونينَني يا بِلادي
قبالَةَ عَيْنَيَّ
لكِنَّني عاشِقٌ ساذَجٌ وَغَشيمْ
وَمِنْ شِدَّةِ العِشْقِ أَغْفِرُ طَيْشَكِ
كُلَّ صَباحٍ
كَطَيْرٍ يُحاصِرُهُ دونَ وَصْلِكِ
أَلْفُ قَضيبِ حَديدٍ لَئيمْ
وَأَلْعَنُ في كُلِّ ثانِيَةٍ أَلْفَ يَوْمٍ
وَأُغْمِضُ عَيْنَيَّ عَنْكِ كَبُومْ
وَأُقْنِعُ نَفْسي بِأَنْ خِبْرَةُ الأَوَّلينَ تُعَلِّمُنا
أَنَّ لا شَيْءَ تَحْتَ السَّماءِ يَدومْ
وَلكِنَّ أَكْثَرَ ما صِرْتُ أَخْشاهُ
أَنْ يَنْفَدَ العُمْرُ قَبْلَ سَدُومْ
بِلادي هُنا في فُؤادي، بِلادي الّتي هاجَرَتْ وَبَقيتُ أَنا في بِلادي، بِلادي هُنا في بِلادي، أُنادي عَلى طَيْفِها مِثْلَ حادي الظُّنونِ وَحادي الجُنونِ، أُعادي الَّذي يَشْتَهي جِسْمَها المُتَهادي، أَغارُ وَأبْكي وَحيدًا كَمَجنونِ لَيْلى وَأَعْجَزُ عَنْ نَهْضَةٍ مِنْ رُقادي كَأَنَّ كَوابيسَ تَنْتِفُ أَجْنِحَتي وَيَدًا مِنْ صُخورٍ تَصُبُّ تُرابًا عَلى جَسَدي الحَيِّ، أَغْرَقُ في البُعْدِ بَيْنَ غُصوني وَأَشْجارِها كَالأَصابِعِ دونَ الأَيادي، فيا غُصْنَ زَيْتونَتي لا يُناسِبُنا شَجَرٌ آخَرٌ، لا تُحاوِلْ وَعُدْ، كَيْف؟ لا أَعْرِفُ الآنَ، لكنَّ شَيْئًا سَيَفْقِسُ يَوْمًا لأَخْرُجَ مِنْ جُبِّهِ مَلِكًا في بِلادي
عَلى جَبْهَتي
جذعُ زيْتونَةٍ عَلَمي
وَفي لُغَتي
عَثَراتُ خُطى قَدَمي
وفي شَرايينِ أَرْضي
يَسيلُ دَمي
وَلكِنَّ لا شَيْءَ في قَبْضَتي
مِنْ وُجودي سِوى عَدَمي
يُسَمِّي غَريمي مَسامَ بِلادي جَميعًا بِأَسْمائِهِ
وَيُفَتِّشُ في قَلْبِها عَن جِراحٍ لَهُ
هِيَ لي
وَعَنْها يَقُصُّ بِسِكِّينِهِ أَلَمي!
مَنْ أَنا يا بِلادي السَّليبَةَ
رُغْمَ امْتِدادِكِ فِيَّ
كَلَحْمي وَعَظْمي وَروحي
وَجُرْحِ فَمي ؟
مَن أَنا يا بِلادي الحَبيبَةَ ؟
كَيْفَ يَكادُ الغَريمُ يُسَمِّي أَبي بِاسْمِهِ
ثُمَّ يَحْفِرُ لي اسْمًا لَهُ؟
إِنَّ لي اسْمي
لِيَ اسْمي
لِيَ اسْمي
أَنا سَامِرٌ وَأَبي صالِحٌ كادِحٌ
وَاسْمُ جَدِّيَ خَيْرٌ وَجَدُّهُ حامِدْ
أَتى مِنْ هُنا وَمَضى في الزَّمانِ هُنا
باقِيًا كَالمَكانِ هُنا
مُنْذُ كانَ العَذابُ، وَصامِدْ
كَصَخْرِ المَغارِ
وَكَرْمِلِ حَيْفا
وأسْوارِ عَكّا وَيافا
لَهُ في جَليلِ الأماكِنِ بَحْرُ الجَليلِ
وَأَجْدادُهُ أَكَلوا سَمَكاتِ المَسيحِ
عَلى شَطِّهِ
في العُهودِ الأَوابِدْ
وَما زالَ مِنْ عَظْمِها سَمَكٌ في دَمي
سابِحًا
كُلَّما وَرَدَ الوَرْدُ فِيَّ بُحَيْرَتهُ
حَنَّ مِثْلَ المُصَلِّي لِدِفْءِ المَعابِدْ
قَديمٌ أَنا وَحَديثٌ أَنا
وَلَمْ يَخْلُ مِنِّي زَمانٌ هُنا
وَلَمْ يَبْلَ مِنِّي سِوى شَكْلِ عَيْشي القَديمِ
بِكنْعانَ، هذا أَنا
وَيَشْهَدُ وَعْرُ بِلادي بِأَنِّي أَنا
وَأَنِّي الصَّديقُ القَديمُ الوَفِيُّ
وَوَحْدي الّذي أَرْتَضيهِ كَما هُوَ
وَعْرًا وَلَوْ جُعْتُ
لَوْ تُهْتُ لَوْ عِشْتُ لَوْ مِتُّ
لَيْسَ لي مِنْهُ سُوءُ مَقاصِدْ
وَإِنْ ضَنَّ بِالماءِ واللّوزِ وَالتِّينِ
وَالزَّيْتِ وَالقَمْحِ
لَسْتُ أُعانِدْ
وَمِنْ شِدَّةِ العِشْقِ أَنْزَعُ قَلْبي
وَأَزْرَعُهُ بِذْرَةً في الجَلامِدْ
أُحِبُّكَ يا وَعْرُ لَوْ هَجَرَتْني بِلادي
اضْطِرارًا ، وَلكِنْ عَجيبٌ هُوَ الأَمْرُ
لَمْ يَسْمَعِ النَّاسُ يَوْمًا بِأَرْضٍ تُهاجِرُ
عَن أَرْضِها
وَلِذا فَفُؤادي الَّذي نَبْضُهُ
البَعْضُ مِنْ نَبْضِها
هادِئٌ مُطْمَئِنٌّ وَجامِدْ
.. أُراقِبُها عَنْ كَثَبْ
يُقَلِّمُ أَظْفارَها وَيُجَدِّلُ شَعْرَ جَدائلِها
وَهْيَ تَضْحَكُ مَسْحورَةً
مِنْ تَأَنُّقِهِ وَتَمايُلِها
وَأَنا صامِتٌ كَالحَطَبْ
يُقَبِّلُها وَهْوَ يَدْفَعُني
عَنْ ظِلالِ أَصابِعِها
خشْيَةً أَنْ أُلامِسَها
وَيُراقِبُني عَنْ كَثَبْ
كَأَنَّ غَريمي عَلى قَدَمَيَّ يَقِفْ
كَأَنَّ يَدَيْهِ يَدايَ
وَقَدْ سَرَقَ الجَذْرَ وَالغُصْنَ مِنْ شَجَري
رافِضًا بِالجَريمَةِ أَنْ يَعْتَرِفْ
طَعامي أَسيرُ مَوائِدِهِ
وَلِباسي يُعَلِّقُهُ في خِزانَتِهِ زِيَّهُ الوَطَنِيَّ
بِخُبْزي يُفاخِرُ حُجَّاجَ مَهْدي المُقَدَّسِ
يَلْعَنُهُمْ في سَريرَتِهِ
وَإِذا قُمْتُ أُخْبِرُهُم مَنْ أَنا يَرْتَجِفْ
.. يا غُبارَ العَواصِفِ
مِنْ أَيْنَ جِئْتَ
عَلَى هَدْأَةِ البالِ في ضَيْعَتي ؟
مَنْ رَماكَ عَلى شاطِئي ؟
كَيْفَ ضَيَّعْتَني
وَأَنا مَنْ يَضيعُ الضَّياعُ بِهِ
وَالوُجودُ بِكِلْمَةِ رَبِّي انْوَجَدْ
يا غُبارَ الزَّبَدْ
لا عَلَيَّ .. أَنا مُطْمَئِنٌّ
وَإِنْ كانَ لا واقِعِيًّا كَلامي
كَكُلِّ التَّواريخِ تَخْذلُ عَرَّافَها
حينَ تَفَتَحُ ما سَدَّ سَدٌّ
وَتُغْلِقُ ما سَدَّ سَدّْ
لا عَلَيَّ إِذًا
لا عَلَيَّ .. أَنا مُطْمَئِنٌ
وَعَجْزي كَنَوْمِ الأَسَدْ
.. في صَباحِ المَجازِرِ
لا رَيْبَ
لا رَيْبَ
مُعْجِزَةٌ
سَوْفَ تَبْعَثُني مِنْ صَليبي
لِيُصْبِحَ بَعْضَ حَياتي الأَبَدْ