حياة وسوق /امتدت أزمة الإسمنت التي تشهدها أسواق رام الله مؤخرا، إلى مناطق عدة في الضفة، اثر انقطاع الإمدادات الإسرائيلية من هذه السلعة الاستراتيجية خصوصا الواردة للأغراض الصناعية، وتراجع المعروض لدى الموزعين.
وأغلقت أغلب مصانع الباطون الجاهزة في رام الله أو قلصت نشاطها بشكل ملموس مع توقف إمدادات الاسمنت الوارد في الحاويات نهاية الأسبوع الماضي، متكبدة خسائر مالية مباشرة تراوحت بين 2000 و 3000 دولار يوميا للمصنع الواحد، وسط قلق من تداعيات وخيمة على قطاع الصناعة الانشائية المحلية.
وقال مستوردون وأرباب الصناعات الإنشائية ان جهات مسؤولة في مصانع الاسمنت الإسرائيلية «شركة نيشر»، وهي منتجة الاسمنت الوحيدة في إسرائيل، أبلغتهم بوقوع عطل في طاحونة مصنعها الرئيس بالرملة، ما يتعذر معه الالتزام بتوفير الطلبات في موعدها وبالكميات المطلوبة.
وأثار الحديث عن عدم توافر كميات تلبي الطلب مخاوف من ارتفاع أسعار الاسمنت خلال الفترة المقبلة وسط توقعات بعدم عودة الإمدادات الى طبيعتها خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما دفع مقاولين وأصحاب مشاريع خاصة إلى شراء وتخزين كميات زادت من النقص، وهيأت الى احتكار ورفع أسعار غير مبرر.
وتوفر شركة «نيشر» نحو 80 % من استهلاك الأراضي الفلسطينية من الاسمنت ضمن اتفاق مع السلطة الوطنية، فيما يغطي المستورد من الأردن ومصر وأوروبا 20 % ، وهو أقل من من حاجة السوق المحلية ما يزيد من حجم القلق والمخاوف من تداعيات الأزمة في حال استمرارها.
ويقول مستهلكون ان موزعين استغلوا الحديث عن نقص الاسمنت لبيع كميات كبيرة من المخزون لديهم، حيث أسهموا بذلك في خلق نوع من التخوف لدى المستهلكين.
وظهرت بوادر أزمة الاسمنت مبكرا في مصانع الباطون الجاهز والطوب والبلاط خصوصا منذ الأربعاء الماضي مع شكاوى المستوردين من انقطاع الإمدادات من الاسمنت السائب وتأخر وصوله، ما ادى الى تعطل العمل في أغلبها وكبدها خسائر كبيرة.
وقلل ذياب الرنتيسي المسؤول في شركة سمير أبو عبيد لمواد البناء برام الله من مخاطر أزمة اسمنت بسبب توفر احتياطي في مخازن كبار التجار والمستوردين قادر على تلبية الطلب في المدى المنظور.
وعزا الرنتيسي وكبار تجار الاسمنت توفر كميات جيدة الى شح الطلب على هذه السلعة في الاراضي الفلسطينية، مقدرا ان الطلب عليها في هذا الوقت من العام أقل من 60 و 70 % عما كان عليه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، فيما قدرتها شركة حسونة بنحو 80 %.
ويباع طن الاسمنت في أسواق رام الله اليوم بنحو 480 شيقلا، وبواقع 24 شيقلا للكيس الواحد زنة 50 كغم، مسجلا ارتفاعا طفيفا قدرة 15 شيقلا عما كان عليه نهاية عام 2012.
ويقول الرنتيسي إن قلة الإقبال دفعتنا لتخفيض السعر، ونبيع الطن الآن بـ 470 شيقلا بدلا من وضعه في المخازن التي تغص بآلاف الأطنان، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي انعكس سلبا على الحركة العمرانية والمشاريع الإسكانية، اضافة الى تقلص وتباطؤ العمل في المشاريع الكبيرة التي يتم تنفيذها حاليا.
واعتاد التجار على طلب وحجز كمياتهم من الاسمنت من مصنع «نيشر» وتلقيها في ذات اليوم أو في اليوم التالي ما قلل الحاجة لتخزين كميات كبيرة وتوفير احتياطي معقول لمواجهة الطلب والأزمات، لكن ادارة المصنع أبلغتهم أواخر الأسبوع الماضي ان عليهم الانتظار أسبوعا قبل تلبية طلباتهم.
ورغم أهمية هذه السلعة، الا أن الأراضي الفلسطينية تفتقر لصناعة الاسمنت وتعتمد على الاستيراد في تلبية الطلبات خصوصا من إسرائيل التي تمنح أولوية قصوى لاحتياجاتها على حساب الرغبات الفلسطينية.
وقدرت الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية، التي تشرف رسميا على استيراد هذه السلعة حجم الطلب المحلي بـ 3 ملايين طن عام 2003 مع زيادة سنوية بـ 11 %، وتحصل السوق الفلسطينية على 80 % من احتياجاتها من إسرائيل.
ويرى رجل الأعمال أحمد حسونة صاحب شركة حسونة لمواد البناء بمدينة البيرة، ان أزمة الاسمنت حاليا هي أزمة مفتعلة أكثر من كونها ناجمة عن عطل في المصنع الإسرائيلي، مقدرا ان جهات تسعى لتعديل قواعد الاتجار بالاسمنت والباطون الجاهز بالغاء الدفع الآجل والتحول الى الدفع الفوري.
ويضيف: الاسمنت المستورد في الأكياس متوفر، والمشكلة فقط في الاسمنت الوارد «حاويات السيلو» وهو الأنبوب الخاص بضخ اسمنت مخصص لصناعة الباطون الجاهز والطوب والبلاط والخرسانة المسلحة، أما أصحاب المشاريع الفردية وورش البناء فحاجتهم من الاسمنت متوفرة ولدينا مخزون جيد لأسابيع، خاصة في ظل تراجع الطلب.
وتذهب غالبية كميات الاسمنت المستوردة من الأردن الى الخليل جنوبا ومدن الشمال فيما تصل محافظة رام الله كميات قليلة من المستورد من خارج اسرائيل ما يجعل رام الله مرشحة أكثر للشعور بالأزمة.
ويقول حسونة: أحاول استيراد الاسمنت من الأردن، لكن الروتين وتأخر الحصول على تصاريح وارتفاع أسعار النقل والتخزين على المعابر وقلة الكميات المتاح استيرادها بفعل «الكوتا» وتقلص القدرة على التخزين على المعبر تقف حجر عثرة.
وتابع: أحاول الحصول على التراخيص اللازمة من وزارة الاقتصاد الوطني لاستيراد آلاف الأطنان من الاسمنت الأردني، لكن المعيقات ترفع سعر الطن الواحد الى 140 دولارا وهو سعر يوازي الإسرائيلي ان لم يزد عنه.
ويخشى كثيرون من حدوث شح كبير في السوق يقود الى ارتفاع الأسعار، وهو تخوف دفع أصحاب مشاريع سكنية لشراء كميات من محال توزيع الإسمنت تخوفا من أزمة.
ولم يلحظ «حياة وسوق» حتى الآن مظاهر عزوف تجار عن البيع أو احتكار، بانتظار ارتفاع الأسعار وجني أرباح إضافية، وسط اتهامات متبادلة يخشى المستهلك ان يكون هو المتضرر الوحيد منها. وتوقفت 8 مصانع للباطون الجاهز و20 للطوب برام الله عن العمل منذ نهاية الأسبوع الماضي، وأخفقت في تلبية طلبات الزبائن ما كبدها خسائر مالية كبيرة.
وقال مدير الحركة في مصنع النبالي في بيرزيت معين البرغوثي: توقفنا عن العمل منذ الأربعاء الماضي بسبب نفاذ الاسمنت، نحن نحتفظ بمخزون يلبي حاجة العمل ليوم واحد، كان ينبغي تلقي طلبية اسمنت الأربعاء ولم تصل ولم نتلق إشعارا بقرب تلبيتها.
واضاف: المصنع مغلق ومصالحنا معطلة ولا بارقة أمل تلوح في الأفق، الحل ليس بيدنا ويتعلق بعودة الامدادات وانتظامها. وبدأت مصانع المواد الانشائية في التحذير من كارثة تحيق بها وبقطاعات الانشاءات جراء
الانقطاع المفاجئ للاسمنت وتداعياتها على سائر العاملين في القطاع، خاصة شركات المقاولات الموقعة على شروط جزائية في حال تأخر التنفيذ.
ويقول محمود بدر المدير المالي للشركة الشرقية للباطون الجاهز: أغلقنا أبواب المصنع منذ الخميس الماضي، وخسائرنا المباشرة جراء نفاذ الاسمنت تزيد على 2000 دولار يوميا، لكن خسارة سمعتنا تظل هي الأكبر، نحن مصنع له التزامات مع شركات مرتبطة بمواعيد تنفيذ وتسليم وعليها شروط جزائية.
ويرى بدر ان بوسع مصنع «نيشر» تلبية احتياجات السوق الفلسطينية من الاسمنت للمصانع، لكنها تغلب مصالح الزبائن الاسرائيليين وتوفر ما لديها من مخزون لاحتياجتهم بخلاف الاتفاقيات والتقاليد التجارية.
ويضيف: لدى «مصنع نيشر» بالرملة مخزون احتياطي يقدر بـ 5000 طن، وهذا يعني وجود أكثر من 160 حاوية يمكنهم تزويدنا منها. ويتابع: وعدتنا شركة الخدمات الفلسطينية بتوفير 55 سيلو يوميا دون ان نرى شيئا منها.
وقال بدر: ابلغونا قبل اسبوع بوجود عطل في طاحونة مصنع الرملة، وطلبوا منا ارسال طلباتنا لتلبيتها، دون تحديد موعد لاصلاح العطل، لكنهم عادوا وقالوا إن الأزمة ستبدأ بالحلحلة وليس الحل في غضون 10 أيام وهذا خلق حالة من الارباك وعدم اليقين في السوق وقطاع الانشاءات برمته.
وأشار إلى أن مصانع الباطون في الضفة البالغ عددها 65 مصنعا تحتاج الى 200 حاوية اسمنت يوميا.
وبشأن امكانية الانتقال لاستخدام الاسمنت في الأكياس كبديل مؤقت يقول بدر: هذه عملية شبه مستحيلة ومكلفةماليا. وأضاف: يحتاج الانتقال من «السيلو» الى الأكياس لتوظيف 20 إلى 30 عاملا جديدا وظيفتهم فقط تحميل وإفراغ أكياس الاسمنت، ومن جانب فني تقني فان الباطون المنجز بهذه الطريقة لا يمكن ان يكون متجانسا أو يلبي المواصفات المطلوبة.
وأثرت ازمة امدادت الاسمنت على مصانع الطوب بشكل خاص التي يزيد عددها على 20 مصنعا في رام الله.
ويقول مدير مصنع الأمين للطوب في البيرة: ابلغتنا شركة الخواجا للاسمنت بحدوث عطل في مصنع الرملة وبضرورة الاستعداد لانقطاع الامدادات بتبكير ارسال الطلبات لكننا لم نستلم حاجتنا التي طلبناها.
ويضيف: نحن اجبرنا على وقف العمل في المصنع بعد ان استنفدنا ما كان لدينا من مخزون زاد على 12 طنا في تجهيز وصناعة بلوك لأرصفة الشوارع. كما ان الانقطاع باغتنا وعطل اعمالنا، وهذا الأمر ينبغي على الجانب الفلسطيني ان يرفضه وان نبقى فريسة تحت رحمة الإسرائيلي في سلعة استراتيجية مرتبة خصوصا بمرحلة بناء الدولة واعمار الوطن.
ولم يتسن لـ «حياة وسوق» الحصول على تعقيب من شركة الخواجا للاسمنت التي تتولى نقل الاسمنت الإسرائيلي الى منطقة نعلين بذريعة عدم وجود مسؤولين فيها على رأس عملهم يومي الجمعة والسبت وهما يوما عطلة رسمية. ورغم التطمينات يحذر مسؤولون من امكانية حدوث ارتفاع في أسعار الاسمنت يقود الى ارتفاع مماثل في منتجات الباطون الجاهز والخرسانة المسلحة والاسبست والطوب والبلاط والبلوك غيرها.
الحياة الجديدة- نائل موسى