رام الله: ينتظر أكثر من 40 ألف خريج جديد، فرصهم للفوز بشاغر وظيفي ضمن قرابة أربعة آلاف فرصة عمل جديدة، هي مجمل ما يتم الإعلان عنها عبر الصحف والمواقع الالكترونية كل عام، في الاراضي الفلسطينية.
وكشفت بيانات صادرة عن معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية “ماس” مؤخراً، أن عدد الوظائف المعلن عنها في وسائل الإعلام، خلال التسعة شهور الأولى من العام الماضي 2012 لم تتجاوز 3000 وظيفة. إلا أن موقع جوبس للتوظيف، المتخصص في موضوع الوظائف، يجد أن الأرقام التي قدمها معهد “ماس” متفائلة جداً، لأن الارقام التي لديه عن العام الماضي لم تتجاوز 2600 وظيفة.
وتعتبر جميع هذه الارقام، مقارنة بعدد طالبي العمل سنوياً، متواضعة جدا وتظهر خللا اقتصاديا خطراً ببنية السوق الفلسطينية، والمؤسسات العامة والخاصة، فيما يتصل بالنمو الاقتصادي.
وتثير هذه المعطيات (الأرقام) شكوكاً مشروعة، فيما يتصل بخطط وحلم، بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، لا سيما وان الاقتصاد يعد احد اهم مفاتيح بناء مؤسسات قادرة على مواجهة الأزمات ومعيقات وسياسات الاحتلال.
ومن غرائبية المشهد الاقتصادي في الاراضي الفلسطينية، وكاريكاتيرية الحال الاقتصادي، انه وبينما لم يتجاوز عدد الشواغر الوظيفية المعلن عنها، اربعة الاف وظيفة، فان عدد الشركات الجديدة التي تم تسجيلها في الأراضي الفلسطينية خلال العام الماضي بلغ نحو 1040 شركة، اما عدد الشركات التي سجلت في وزارة الاقتصاد خلال السنوات الخمس الاخيرة فقد بلغ 6450 شركة.
ولا يمكن رؤية هذه الارقام الى في سياق من شقين: فإما ان هناك وظائف لا يتم الاعلان عنها (لتشغيل هذه الشركات)، واما أن هناك تساهلا مفرطا وغير مبرر في تسجيل الشركات و”اقامتها على الورق” ان جاز التعبير.
وتكتمل الصورة الكاريكاتورية للاقتصاد الفلسطيني، حين ينظر للمفارقة بين عدد الوظائف الشاغرة، وعدد الشركات المسجلة، والارتفاع المستمر في اعداد العاطلين عن العمل، الذي يقابله ارتفاع في الاصوات التي تنادي ببناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، ووقف التعيينات الحكومية بسبب أزمة السلطة المالية.
ولا يخفى على العديد من الاقتصاديين، أن مشكلة البطالة في صفوف الشباب، تؤرق القطاعين العام والخاص، اللذين يقفان في حالة عجز أمام توفير فرص عمل، ولو بدخل ضئيل، بل إن وزارة المالية أعلنت مؤخراً أنها تخطط لوقف التعيينات بشكل كامل خلال الفترة المقبلة، إلى أن تتخلص من أزمتها.
وفي حال استقرت معدلات استحداث الوظائف الجديدة، بذات الوتيرة خلال السنوات الخمس المقبلة، فان جيش العاطلين عن العمل في الاراضي الفلسطينية سيزداد، سيضاف له 200 ألف من الخريجين الجدد، علما ان أعداد العاطلين عن العمل من الطلبة الخريجين حاليا يتجاوز 260 ألفاً حسب إحصاءات وزارة العمل.
ويقول مدير مشروع “جوبس للتوظيف”، أمجد حمارشة: بأن عدد الوظائف الشاغرة، بلغ مع نهاية العام الماضي حوالي 2520 وظيفة معلنة في الموقع، الذي يعرض أكثر من 80% من الوظائف التي تنشر.
وحسب حمارشة، فإن الوظيفة تعني ارتباط الشخص بعقد لا يقل عن 3 سنوات، ويحظى بالحد الأدنى للأجور، ويعمل في مؤسسة تلتزم بقانون العمل الفلسطيني، “أي أننا لا نعتبر عملاً جزئياً بعقد لـ 6 شهور وظيفة، بل يمكن تسميته بـ (عقد بطالة)”.
وأضاف “في آخر عامين، بلغ عدد الوظائف المعلنة على الموقع، نحو 4827 وظيفة، كان نصيب قطاع غزة، على سبيل المثال للعام الماضي، نحو 425 وظيفة فقط”.
وحسب حمارشة، فإن توزيع الوظائف المعلن عنها، استنادا لتوزيعها (الوظائف) على مدن الضفة كان على النحو التالي: رام الله احتلت نصيب الأسد بعدد وظائف بلغ 1184، ما يشكل أكثر من 40 % من مجمل الوظائف المعلنة، وجنين نحو 72 وظيفة، والخليل 157، وبيت لحم 137، وأريحا 13 وظيفة، والقدس 385 وظيفة، ونابلس، 103، وقلقيلية 7 وظائف، وطولكرم 21 وظيفة، وسلفيت 8 وظائف، إضافة إلى 8 وظائف أخرى لخارج فلسطين”.
وفيما يتصل بالجهات المُشغلة، او التي طلبت موظفين جدد، اشار حمارشة الى أن 60 % من الوظائف المعلنة تتصل بمؤسسات أهلية وغير حكومية، يليها القطاع الخاص بنسبة 24 % والقطاع العام بنسبة 16 %.
ويبلغ عدد خريجي الجامعات والمعاهد الفلسطينية، والشباب الذين وصلوا سن العمل، سنوياً 40 ألف شاب وشابة، كما قال وزير العمل الدكتور أحمد مجدلاني في تصريح لـ دوت كوم.
وأضاف “غالبية طالبي العمل هم من فئة الشباب، ومنهم 30 ألف خريج جامعي، وهؤلاء بحاجة إلى مصدر رزق يدفعهم إلى الانتاج، لكن الحالة الفلسطينية تعاني من عدد الوظائف المعروضة في السوق، لعدة أسباب، سياسية واقتصادية واجتماعية”.
وحول مدى تمثيل الوظائف المعلنة، من مجمل الحجم الحقيقي للوظائف في السوق الفلسطينية، اوضح مجدلاني أن “هناك فجوة بين ما هو معلن، وما هو مطلوب فعلياً، لأسباب منها، أن المؤسسات التي تحجم عن الإعلان قد تكون بحاجة إلى موظف نوعي لملء الشاغر، إضافة إلى عدد المنشآت العائلية التي تشغل أبناء العائلة فقط، كما أن بعض المؤسسات الكبيرة تبحث عن الوظيفة من خلال الانتقاء”.
ويتفق مدير موقع جوبس أمجد حمارشة، مع الوزير مجدلاني، مضيفاً أنه “بجانب احتياجات الشركة وبحثها عن الأفضل، فإن سمعة الشركة أو البريستيج، له دور في إحجام العديد من شركات القطاع الخاص، (الكبرى خاصة) عن نشر اعلانات”
واشار إلى أن هناك شركات (نسبة ضئيلة) تقوم بطرح إعلانات طلب وظائف وهمية، من اجل لفت، انتباه المجتمع بوجود نشاط لها.
وأضاف، هناك شركات تعلن عن شاغر لوظيفة واحدة، لكن يصلها أكثر من ألف طلب توظيف، وهذا أمر مرهق للشركة، ما يدفعها للبحث ذاتياً عن الشخص المناسب لملء الشاغر.
ولا يتضمن قانون العمل الفلسطيني، إجبار شركات القطاع الخاص أو المنظمات الأهلية، على الإعلان عن الوظائف الشاغرة لديها، بل يقتصر الأمر على مراقبة بيئة العمل، وشروط وقوانين العمل، وحقوق العامل، حسب مجدلاني.
ويرفض مجدلاني اعتبار محدودية عدد الوظائف المعلنة، مؤشرا سلبيا على النجاح ببناء مؤسسات الدولة، مشيراً الى أنهما موضوعان مختلفان لأن “المقصود ببناء مؤسسات الدولة هي السياسات التي تتبعها، وهذه المؤسسات مبنية ومكونة بشكل متكامل من حيث البنية المؤسساتية، والقانونية، والمالية، والشفافية، وهذا هو المقصود بمؤسسات الدولة”.
وأضاف، في بلدان مثل إسبانيا واليونان، فإنها تعاني من أزمة اقتصادية، لكن نظامهما المؤسساتي ناجح، “لذا يجب التفريق بين تكوين النظام وبنيته، وبين الأزمة الاقتصادية”.
ويقول الباحث في معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية “ماس” الدكتور نعمان كنفاني، بأن مؤشر حجم الإعلانات هذا يستخدم للدلالة على وضع معين، والمقصود هنا أن عدد الوظائف القليل (المعلنة)، يؤشر على وضع مقلق للاقتصاد الفلسطيني.
وأشار الى أن الفرق بين ما هو معروض، وما هو مطلوب من وظائف، مرتبط بالمقارنة بين الوضع الاقتصادي، والحالة العامة للبيئة الفلسطينية.
وقال كنفاني: لا يوجد شك بوجود أزمة في سوق العمل الفلسطيني، ونحن يجب أن لا ننسى التوظيف الحكومي، لدينا إشكالية في التوظيف العام، على الرغم من عدم التطرق له بشكل صريح، “لأنه يجب أن يتم تقليص عدد العمالة في القطاع الحكومي، لتحقيق بعض التوازن لموازنة البلد، الذاهبة إلى الرواتب في معظمها”.
وأضاف:”منذ الانقطاع عن إسرائيل فيما يتعلق بالعمل داخل الخط الأخضر، فإن عدد الوظائف المطروحة، اصبح أقل بكثير من حاجة المواطنين للعمل، وهذا جوهر أزمة الاقتصاد. غياب الانتاج أدى إلى تراكم العاطلين عن العمل”.
القدس دوت كوم- محمد عبد الله.