مخيم صغير يضم أطيافاً متعددة من اللاجئين الفلسطينيين من مدن وبلدات وقرى هجر أهلها عام النكبة، فشّدت الرحال الى منافيها البعيدة والقريبة، ومنهم من حطت به الرحال ليكون لاجئاً في وطنه، فسكنوا الخيام وبيوت الصفيح، ومنهم من جاء الى طولكرم ليكون الى جوارها مخيم باسمها، والذي بات رمزاً للثورة والصمود، وما زال أبناء حيفا ويافا وصبارين وودادي الحوارث ومسكة وسيدنا علي وقاقون وقيسارية والشيخ مونّس، يحملون مفاتيح بيوتهم التي طردوا منها، وما وزالوا على العهد بالعودة كيقين لا يموت.
محطة انتظار على طريق العودة، التي طالت خمسة وسبعون عاماً، وما زال الحلم قائماً، وما زال الحق ثابتاً وعلى رأس الثوابت الوطنية، في ترسيخ أسطوري لحق العودة ولن يسقط بالتقادم، باعتباره حقاً مقدساً لا يملك أي كان حق التنازل عنه باعتباره حقاً شخصياً وجماعياً لجموع اللاجئين.
كم أنت عظيم أيها المخيم، لم تعرف طعم الراحة منذ النكبة التي ما زالت فصولها ماثلة ومستمرة، تدفع ضريبة الوفاء الوطني والتضحية العظيمة من أجل الحرية والكرامة الوطنية والانسانية، فالمخيم قلعة الثورة ونبض وملح الأرض، والشاهد الحي على النكبة التي خلفتها آلة الحرب الهمجية التي تفرض عدوانها من جديد لتهجير واقتلاع المزيد من الفلسطينيين من أراضيهم، تأكيداً على الطابع العدواني الفاشي العنصري للاحتلال الاستعماري الكولونيالي الإرهابي المدعوم من قبل قوى الشر والطغيان في العالم.
ما يقوم به الاحتلال من جرائم وحشية ومن تخريب متعمد ومن تصفية جسدية واغتيال للأجيال الفلسطينية الشابة التي تحمل في قلبها وفي عقلها ميراث الآباء والأجداد، فقد أرضعتهم أمهاتهم الكرامة والوفاء والنضال وحب التضحية في سبيل الحرية، فأية أجيال هذه التي لا يعرف العدو أنها لا تفنى ولا تموت، فان قتلتم جهاداً أو عزاً أو قاسماً أو مؤمناً، فالطريق طويل، ورايات الثأر لا يمكن أن يسقطها المخيم، فالمخيم أيقونة العهد والوفاء.
جاءوا مدججين بالجريمة وبالمصفحات والجرافات لحاصروا المخيم ويعثوا فساداً وظلماً وحماقات، لم يسلم منهم شارع أو زقاق، وأعادوا اغتيال أبو عمار من جديد في ذكرى رحيله، وأعادوا تصفية الأخوين خضر ويوسف طالب من جديد، هدموا مل الرموز التي بنياناها كذاكرة قبل أن تكون شواهد، فالحقيقة أن هذا الاحتلال أحمق!
بعد كل جريمة، وبعد كل مجزرة، وبعد كل اجتياح ينهض المخيم ، يفتح أقواس النصر، ويشرع نوافذ الحق المقدس، ويصبو من جديد نحو القرى والبلدات البعيدة والقريبة التي ما زالت شاهدة وشهيدة، رغم كل محاولات الطمس والتشويه وتحريف التاريخ والجغرافيا، وما زالت إرادة اللاجئين قوية نبضاً وهوية، فالمخيم فكرة قبل أن يكون أرضاً بمساحة لا تتسع لهذه الكثافة من الناس، فالإرادة أقوى من الفناء، إرادة شعب ممسك براية الحق، وإرادة الشعوب لا تنكسر.
تعبت الدروب ولم يتعب المخيم رغم ما فيه من عذاب وقهر وفقر وبطالة وأوجاع حفرت ذاكرتها عميقة على وجوه الناس البسطاء الطيبين، ويبقى المخيم حارس الفنار وأيقونة عهد ووفاء لشعب سيحقق انتصاره وحريته رغم دروب الالام ويقدم الشهداء والتضحيات البطولية في هذا الجزء المتاح لنا من الوطن الى أن يتحرر كل الوطن الذي لا وطن لنا سواه.
(شرفات) محمـد علوش المخيم الذي لا يموت
