لم تتوقف الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني، فقد أعلنت هدنة إنسانية مؤقتة في قطاع غزة بين حركة حماس من جهة وحكومة الاحتلال الصهيوني من جهة ثانية بوساطة قطرية مصرية أمريكية، ومن اللحظات الأولى لهذه التهدئة التي رحبنا بها وثمنا التوصل لها لالتقاط الانفاس وضمان تحرير الأسيرات الفلسطينيات والأسرى الأطفال من سجون ومعتقلات الاحتلال مقابل عدد من المحتجزين المدنيين لدى المقاومة في غزة من عملية (طوفان الأقصى) .
لم تتوقف حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وإرهاب الدولة المنظم الذي تقوده حكومة اليمين الفاشي والعنصري في إسرائيل والتي عززت من جنونها ومن بشاعة عدوانها خلال الأيام الماضية في العديد من المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وفي القدس، وهو ما يدعونا للتأكيد على ضرورة ان تراعي أي صفقة أو أي مشاريع لها علاقة الهدنة أو بالتهدئة أن تكون متوازنة وشاملة لكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة لردع الاحتلال عن ارتكاب مجازره الدموية والارهابية بحق أبناء شعبنا، حيث أمعن جيش الاحتلال وفرق الموت التابعة له بتنظيم عمليات الاغتيال وتصفية المناضلين والشبان بدم بارد في مناطق مختلفة.
لقد عشنا أياماً صعبة مع يوميات الحرب العسكرية الشاملة التي نفذها الاحتلال الصهيوني مدعوماً من قبل التحالف الأمريكي الامبريالي الغربي والأطلسي، ودفعنا ثمناً باهظاً من الأرواح البريئة من ضحايا هذه الهمجية الإسرائيلية المسعورة، فقدم قطاع غزة أكثر 60000 شهيد وجريح خلال قرابة 55 يوماً من العدوان الجحيمي الكارثي الذي استخدمت فيه إسرائيل ترسانتها العسكرية الفتاكة وأسلحتها الثقيلة والمحرمة دولياً والتي زودتها بها قوى الشر والطغيان والعدوان والاستكبار العالمية في حربها المفتوحة ضد شعب أعزل لا ذنب له سوى تشبثه بأرضه وحقوقه وثوابته الوطنية ونضاله العادل والمشروع من أجل حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقاً لقرارات الشرعية الدولية.
كل هذه التضحيات قدمها شعبنا العظيم وهو مستعد دائماً من أجل العطاء والتضحية في سبيل تحقيق الحلم الفلسطيني الذي طال أكثر من 75 عاماً من أجل الخلاص من الاحتلال وتجسيد الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية والقرار الفلسطيني المستقل، الذي دفعنا في سبيل هذا المشروع الوطني التحرري تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية قوافل الشهداء الذين سبقونا الى المجد والخلود.
كل هذا العذاب ولم تنكسر غزة التي باتت أيقونة للصمود ورمزاً للثبات في مجابهة الجحيم، وانتصرت غزة بعزتها وبكرامتها الوطنية والإنسانية، ولقنت العدو دروساً لن ينساها ليس على صعيد المواجهة المسلحة فحسب والمقاومة الباسلة التي خاضها الأبطال الميامين، بل أيضاً تلك الدروس والعبر الإنسانية العميقة التي تجلت في أكثر من صورة، وأبرزها التعامل الإنساني الحضاري مع الرهائن والمحتجزين، في مفارقة مطلقة مع نهج الاحتلال العدواني والإذلالي والقهري الذي تعامل به مع أسيراتنا الماجدات ومع أطفالنا الأسرى المحررين الذين لم يفلتوا حتى آخر لحظة من رهاب العقاب الجماعي الذي ينتهجه هذا الاحتلال البلطجي الذي يمثل العقلية الصهيونية الاجرامية والتي تمثل أيضاً السياسة الرسميّة للحكومة الإسرائيلية بكافة مكوناتها.
ما بعد طوفان الأقصى ليس كالأيام التي سبقت هذا اليوم الملحمي، ومكانة القضية الفلسطينية اليوم في تطور مشهود على كافة الأصعدة في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي كل عاصمة من عواصم العالم خرج الملايين من أبناء البشرية رفضاً للعدوان وحرب الإبادة الجماعية والجرائم بحق الإنسانية، وعبرت كل الأصوات الحرة التي هتفت لحرية وانتصار فلسطين لتعود القضية الى الصدارة بفعل هذه المقاومة التي أحيت قضيتنا بعد سنوات طويلة من النكران وإدارة الظهر نتيجة المواقف المختلة وازدواجية المعايير والنظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة.
فلسطين اليوم، تكتب صفحات جديدة في التاريخ، وكل هذه التضحيات المجيدة لن تذهب هدراً، وشعبنا مصمم اليوم على مواصلة هذا النضال ويرفض أي محاولة لوصف المقاومة بالإرهاب، ويرفض أي تدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني وهو مصر على احترام القرار والخيار الوطني المستقل ويرفض كافة المشاريع والاوهام التي تسعى لاحتواء الموقف للنيل من وحدة الموقف ووحدة القرار التي عمدته دماء الشهداء.