
حاورته بديعة زيدان:كشف الروائي المغربي محسن الوكيلي، أن فكرة روايته “أسير البرتغاليين”، التي نافست على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها الأخيرة، جاءت خلال زيارته رفقة زوجته لمدينة الصويرة المغربية التاريخية القديمة كانت تقبع تحت الاحتلال البرتغالي، أو ما كان يعرف بـ”المغرب البرتغالي”، حيث لاحظ الطابع المعماري البرتغالي الطاغي فيها الممتزج بالطقوس المغربية الشعبية، ما أسس وأثث لفضاء أوحى له بشخصية “الناجي”، الشخصية المحورية في الرواية.
وأضاف في حديث لـ”أيام الثقافة”: كانت الشرارة الأولى مع حكّاء كان في ساحة المدينة، قبل أن أعود إلى مدينة أغادير، التي أعمل بها، وكانت هي الأخرى في القرن السادس عشر معقلاً آخر من معاقل البرتغاليين في السواحل المغربية. اجتمعت هذه التفاصيل والحيثيّات لتولد الرواية، وظلّت صورة الحكّاء البدوي تراودني، وتلحّ عليّ، إلى أن جاءت السطور الأولى.
وأكد الوكيلي استفادته من فترة “الحجْر الصحي” إثر انتشار فيروس “كورونا” بقوله: صحيح أن الفكرة سبقت فترة الحجر الصحي، لكنها تغذّت كثيراً من طقوس الوباء، ومن هنا كانت التقاطعات بين فكرة الرواية وزمنها الأساس في القرن السادس عشر، حيث كان المغرب يعيش تحت سطوة “الجوائح”، و”جائحة الكورونا” في العام العشرين من القرن الحادي والعشرين.
“استفدت كثيراً من العزلة كذلك، ومن طقوس الحجر الصحي التي دخلنا إليها مجبَرين، بحيث ساهم هذا المزيج من العوامل في منح شخصيات الرواية طابعاً خاصّاً واستثنائياً، فللمرة الأولى تنشأ علاقات بيني وبين “البطل” في الرواية، ألا وهو “الناجي”.. في فترات بعينها، كانت الفوارق أو الحدود تذوب بيني وبين “الناجي”.. أحياناً كنت أرى فيه نفسي”.
وتابع الوكيلي شخصية “الناجي” إلى أن وصلت إلى ما وصف بـ”بر النجاة”، وحينها شعر بأنه هو من وصل إلى “بر النجاة” هذا، إلا أن “الناجي” بقي يرافقه حتى ما بعد انتهائه من كتابة الرواية.. و”كانت رفقة جميلة مع الناجي، وصوفي، وبيدرو، والعياط، وغيرها من شخصيات الرواية التي كانت بمثابة عائلتي في زمن الحجر الصحي وما تلاه، في فترة امتدت إلى قرابة العام”.
واعترف الوكيلي أن لرواية “أسير البرتغاليين” خصوصية بالنسبة له، وأنه عشق شخصيّاتها، وتعاطف مع بعض هذه الشخوص، وخاصة “صوفي” و”ريتا”، وأحبّ شخوصاً آخرين ورأى فيها بشراً من لحم ودم.
وبعد الانتهاء من الرواية، تحوّل صاحبها، كما قال، إلى “قارئ”، ومع إعادته قراءة الرواية اكتشف “مرّة أخرى معانيَ جديدة في النص”، قبل أن يرسلها إلى النشر.
ولفت الوكيلي الى أن لديه “نوعاً من الحساسية” تجاه اعتبار روايته هذه رواية تاريخية.. “إلى حد ما أرفع صفة التاريخي عن عملي الروائي هذا، لكونه عملاً سردياً يستثمر التاريخ، ويعتبره أحد الأدوات المهمة التي يوظفها لخدمة الرواية، وليس العكس، بمعنى أن رواية أسير البرتغاليين لا تخدم التاريخ، بل يخدمها التاريخ، الذي هو بالنسبة لي أداة يجب استثمارها لصالح النص الروائي”.
وشدد صاحب “أسير البرتغاليين” على أنه “شغوف بماضينا، ماضي المغرب، وأعتبر أن القراءة الصحيحة للماضي تساهم في قراءة صحيحة للحاضر، وأن التدقيق في الحاضر يعني استشرافاً لمستقبل آمن.. اهتمامي بالماضي له ما يبرّره، واختيار الزمان كاختيار المكان، كلاهما ليس من عبث، فهما خياران أساسيّان واستراتيجيّان، بمعنى أن الفترة الزمنية المحددة، والتي تلت العام 1492 للميلاد، كانت مرحلة فاصلة في تاريخ الإنسانية جمعاء، وليس في تاريخ العرب فحسب، ففي تلك الفترة تم اكتشاف القارة الأميركية، وتغيير الطرق التجارية العالمية، والقفز فوق الوساطة التي كان يلعبها العرب، بسقوط غرناطة والحضارة العربية الإسلامية للأسف”.
“هذا المخاض الذي عاشه الإنسان العربي تجسده تلك الحقبة بشكل دقيق.. إنه تنازع داخلي لأجل السلطة، وصراع ضد الأجنبي، البرتغالي والإسباني، وكل من يطمع في الأرض ويمسّ العِرض، وأيضاً هناك صراع مع العثماني الذي نتقاسم معه الدين، حيث كان يطمح هو الآخر إلى مد نفوذه باتجاه الأراضي العربية المغربية”.
وتابع الوكيلي: حاولت في رواية “أسير البرتغاليين” أن أعرّف القارئ العربي على هذه الفترة من تاريخ المغرب، لاسيما أن معظمنا لا يعرف أن المغرب ظلّ خارج الهيمنة العثمانية، وهو البلد العربيّ الوحيد الذي نجح في أن يكون خارج الوصاية العثمانية، وذلك عبر صراع مرير له تفاصيله الكثيرة والمتشعبة.. الحقبة مهمة للغاية، وما يجعلها قريبة للواقع المُعاش حالياً أننا تقاسمنا الخوف من الوباء، أي اختبار مواجهة الموت، الذي واجهته البشرية مع “كوفيد”، وواجهته الشخصيات في الرواية على أكثر من صعيد، وواجهتُه شخصياً كباقي البشرية في الحجْر الصحي، فقاسمت الشخصيات مواجهة الموت، رغم فارق الزمان والظروف.
وأكد الروائي المغربي: أنا كاتب المهمّشين، وأناصر المهزومين دائماً، وقد أفكر في أن تكون رواية قادمة لي استثناء، فتتحدث عن حقبة يمكن وصفها بحقبة الانتصار، تلي تلك الحقبة التي تناولَتها روايتي “أسير البرتغاليين” فتكون بمثابة جزء ثان للرواية.. لا أدري إن كان ذلك سيتم أم لا، لاسيما أن مشروعي الروائي الذي بدأت الاشتغال عليه بالفعل بعيد كل البعد عن توظيف التاريخ كأداة لنصرة النص السردي.
ولم ينفِ الوكيلي أن الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) كانت “نصب عينيه”.. ومع أنه ليس “صائد جوائز”، إلا أنه “معني بمثل هذه الجوائز، لا سيما الرصينة منها والمعروفة بمصداقيّتها، كما هو الحال بالنسبة لجائزة البوكر”، مؤكداً أنه سعيد بتجربته رفقة “أسير البرتغاليين” الرواية وشخصياتها، وبوصولها إلى ما وصلت إليه.
و”المغرب البرتغالي” هو اسمٌ كان يُطلق على جزء من أراضي المغرب المحتلة عسكرياً من قبل البرتغال منذ 15 آب 1415 للميلاد، عندما تم احتلال مدينة “سبتة” من قبل الملك البرتغالي جواو الأول، وحتى 11 آذار من العام 1769، عندما قرر آخر الحكام البرتغاليين، دينيز دي ميلو إكاسترو، أن تكون “مازاغان”، وكان قائداً عاماً لها أيضاً، آخر معقل للبرتغاليين في الأراضي المغربية، بناء على أمر من رئيس الوزراء ماركيز دي بومبال، ففي ذاك الوقت كانت “مازاغان” محاصرة من قبل سلطان المغرب، من أجل استرجاع ما كان واقعاً تحت النفود البرتغالي، ولكن المدينة مع ذلك ظلت برتغالية حتى العام 1769. وعندها قرر ماركيز دي بومبال نقل المدينة إلى منطقة الأمازون في البرازيل، حيث تم إجلاء البرتغاليين عنها، ومن ثم رحلوا إلى لشبونة ومنها إلى البرازيل التي أقاموا بها مدينة تحمل الاسم نفسه (مازاغانو)، وبكامل تجلياتها المعمارية التي كانت لها في بلاد المغرب، وتتبع اليوم ولاية “أمابا” البرازيلية.