لندن : نشرت صحيفة “دير شبيغل” الالمانية في عددها الاخير رسالة وداع متخيلة تتمنى الصحيفة لو ان وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة هيلاري كلينتون وجهتها في شكل توصيات الى الرئيس الاميركي باراك اوباما بناءً على خبراتها الواسعة في مجال السياسة الخارجية عسى ان يفيد العمل بها اوباما في فترته الرئاسية الثانية. وتتطرق الرسالة المتخيلة الى قضايا مختلفة في العالم، لكننا نركز هنا على ما يمكن ان تكون كلينتون قد اوصت به الرئيس اوباما في ما يخص ايران.
“الشرق الاوسط حقل الغام”
تشير كلينتون في رسالتها المتخيلة الى الازمات القائمة في منطقة الشرق الاوسط قائلة: “انني اعرف ان الشرق الاوسط حقل من الالغام. ولا تسير الامور بين القاهرة وغزة، وتل ابيب وطهران وفقا لرغبتنا. لقد واجهت يا باراك عقبات في هذه الساحة بمبادرات طيبة النيات ولكنها غير مدروسة دراسةً ناضجة. لكن الآن تغيرت بعض الامور تغيراً كبيراً”.
وتؤكد الرسالة: “سيكون 2013 عاماً مصيرياً، اذ لم يكن بالامكان خلال العقود الماضية تنفيذ المبادرات الاميركية كما هو ممكن الان. وما تدعو اليه الحاجة هو الشجاعة لمواجهة كل من الاصدقاء (اسرائيل) والاعداء (إيران)، وهذا لن يتم من دون ضغوط دبلوماسية خلاقة وبعض التوافقات البشعة ولكن البراغماتية.
“في كانون الثاني (يناير)، كأحد الاعمال الاولى في فترتك الرئاسية الثانية، عليك ان تعين مبعوثاً خاصاً الى الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني والقضية النووية الايرانية، والمزج بين هاتين القضيتين سيلفت قدراً كبيراً من الاهتمام، ويجب ان تضمن ان الدبلوماسي الذي تختاره يعطي افضل انطباع ممكن”.
وتذكر هيلاري كلينتون اسم زوجها بيل كلينتون كخيار مناسب لهذا العمل، وتوصي اوباما بان يذكّر خليفتها جون كيريبان عليه ان يعتبر نفسه في المرتبة الثانية لزوجها في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ازاء المنطقة. وهي توصي اوباما بان يمنح بيل كلينتون صلاحيات كاملة وزملاء ذوي قدرات عالية.
كما تطالب وزيرة الخارجية الاميركية السابقة الرئيس اوباما بان يرفق هذا التعيين ببرنامج خطابات الى شعوب المنطقة شبيهة بخطابه في القاهرة قبل ثلاث سنوات ونصف السنة على ان يوضح هذه المرة ان الكلمات ستعقبها افعال.
“عليكم التفاوض مع ايران”
وتقول كلينتون في رسالتها التي تخيلتها “دير شبيغل”: “هذه الاجراءات لاتكفي لوحدها. عليك ان تعرقل بنيامين نتنياهو وان تعرض على (المرشد الاعلى الايراني) آية الله علي خامنئي مفاوضات مباشرة مع تنازلات واسعة ولكن ضمن حدود معرفة بوضوح. اعلم ان الامر يبدو ساذجاً لكنه يمكن ان ينجح، لان المنطقة تشهد، بالرغم منكل الكلام الطنان الصادر من طهران وتل ابيب، تغيرات اساسية يمكن ان تحول اسرائيل وايران الى خاسرتين”.
ايران، العراق، سورية، حزب الله و”حماس”
وتضيف كلينتون في الرسالة المتخيلة: “لقد خشينا من الصعود الشيعي الراديكالي لعقود من الزمن، ومن خطر “قوس ازمة” تسيطر عليه ايران ومعاد للغرب بتشدد. كانت ايران اضافة الى العراق واضافة الى سورية واضافةً الى حزب الله القوي في لبنان واضافة الى الجماعة الارهابية “حماس” في قطاع غزة – كلها كابوسنا”.
“لقد صار الخطر الآن جزءاً من التاريخ، على الاقل للمستقبل المنظور. حزب الله ما يزال الى جانب ايران (حتى الآن)، وهناك نفوذ ايراني (محدود) في العراق. ولكن الجماعة السنية “حماس” اقصت نفسها عن طهران. ومن الامور الحاسمة الاهمية ان آيات الله كادوا يفقدون كلياً اهم حلفائهم في المنطقة. اذ ان زوال نظام الاسد في سوريا يبدو مسألة اسابيع، او اشهر في اقصى تقدير. ومهما سيكون شكل القيادة الجديدة في دمشق، فان من المرجح ان تقود البلاد الغالبية السنية وستكون منتقدة لطهران”.
وتعرب كلينتون في الرسالة المتصورة عن اعتقادها ان الحلقة الجديدة التي تشكلت في الشرق الاوسط هي حلقة سنية، تجمع تركيا ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية، وتقول: “لو انني كنت مكان الرئيس الايراني لكنت قلقة جداً من تحول القوى هذا”.
وتطرقت وزيرة الخارجية الاميركية المستقيلة الى تاثير العقوبات الاقتصادية على ايران مدعية ان هناك فصيلا في داخل ايران يطمح الى اهداف عسكرية في البرنامج النووي، كما ان هناك فصيلا اخر يشدد فقط على البعد التكنولوجي النووي. بل وحتى بين المجموعات المعارضة ايضا لا يوجد شخص يريد انهاء النشاط النووي.
وتؤكد الرسالة المتصورة انه لا يوجد بين المجموعات المعارضة في داخل ايران شخص يطالب بانهاء الانشطة النووية، ولذا على الولايات المتحدة ان تطرح اقتراح “الصفقة الكبرى” لتحول دون وقوع اسوأ الحالات في هذا المجال. كما ان على الولايات المتحدة ان تعترف ايضا بحق ايران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5 في المئة، يمكن ان ترتفع الى 20 في المئة للاغراض الطبية. وفي المقابل على ايران ان تنقل اليورانيوم المخصب من اجل الرقابة الدولية الى تركيا او روسيا وان تسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية الدخول الى منشآتها النووية. على واشنطن ان تذعن بان ايران قوة اقليمية وان تكف من سعيها لتغيير النظام في البلاد.
واعتبرت هيلاري كلينتون في رسالتها المتخيلة هذه الاجراءات شرطاً مسبقاً للالغاء التدريجي للعقوبات الاقتصادية ضد ايران، وان النقطة النهائية هي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة، واكدت ان على واشنطن ان تعترف في النهاية بان ايران هي قوة اقليمية وان تكف عن مساعيها لتغيير النظام في البلاد.
وادعت ان ايران تستخدم برنامجها النووي كاداة لصيانة قوتها وتسعى للظهور بمظهر القوة النووية. وافادت الرئيسة السابقة للدبلوماسية الاميركية ان قلق الولايات المتحدة ازاء السياسات المتشددة لمحمود احمدي نجاد سيزول في شهر حزيران (يونيو) المقبل لانه لن يستطيع الترشح لتلك الانتخابات.
ووصفت كلينتون، علي لاريجاني (الرئيس الحالي للبرلمان) بانه الخليفة المحتمل لإحمدي نجاد مؤكدةً انه سياسي معقول وواقعي وقاريء لكتب فلسفية وهو خيار انسب للتفاوض مع ايران.
القدس.