فشلت كل الاطر والقوى الفردية والجماعية اليسارية منها والمستقلة في استغلال الفرصة الذهبية لحالة الخصام بين حركتي فتح وحماس لتشكيل قوة تتمتع بالتأثير على وجهة الشارع الفلسطيني، وقرع جرس الخطر على شعبية الحركتين الرئيسيتين في الاراضي الفلسطينية، بل ترسخ اكثر من ذي قبل نظام الحزبين الكبيرين، واضحت التعددية الحزبية لا تعدوا عن كونها ديكوراً يزين الشكل الديمقراطي الفلسطيني فقط.
واستأثرت الحركتين اليمينيتين فتح العلمانية وحماس الاسلامية بمقدرات السلطة سياسياً ومالياً وميدانياً في شطري الوطن الفلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل عجز القوى الاخرى لاسيما اليسارية عن تشكيل اي قوة ردع تمنعهما من التفرد بالقرار والسماح لها بالمشاركة في القرارات المصيرية.
وباءت كل المحاولات لتشكيل التيار الثالث بفلسطين، والتي كانت في معظمها مبادرات من قيادات وكوادر عملت سابقاً في الاحزاب اليسارية بالفشل، لعدم قدرتها على حشد الدعم الجماهيري اللازم لتصبح قوة فاعلة على الارض.
وأوضح جورج جقمان المحاضر في جامعة بيرزيت ان عدم وجود قيادة قادرة على حشد الجماهير خلفها العامل الرئيس في عدم ظهور “القوة الثالثة” في فلسطين، برغم المحاولات الفاشلة من قيادات معروفة في اوساط الشعب الفلسطيني.
وقال “هناك حالة اغتراب تسود الاحزاب السياسية الفلسطينية، هناك عدم قناعة لدى العناصر بفاعلية الاحزاب وقدرتها على التأثير، وانحسار انجازاتهم على الصعيد الوطني، دفعت الكثيرين إلى ترك انتماءاتها الحزبية والتنظيمات السياسية”.
وتظهر استطلاعات الرأي لمراكز الابحاث المختلفة برغم عدم القدرة من التحقق من مصداقيتها دون انتخابات، تذبذباً في مدى شعبية كل من فتح وحماس، ولكن لا تعطيهما مجتمعين اكثر من 50% – 60%، وفي ذات الوقت تبقى مهرجانات انطلاقتيهما الاكبر على مستوى الحضور والمشاركة والتأثير.
ومنذ الانقسام الفلسطيني انحسر دور اليسار الفلسطيني في محاولات الوساطة والتوحيد بين الحركتين المتنافستين الداخلي، والعمل المكتبي والادانة عبر البيانات دون الالتفات لبلورة مبادرة وطنية كبديل عما تطرحه كل من فتح وحماس.
وقال الكاتب الفلسطيني جميل هلال “لم ينجح اليسار في تقديم نفسه باعتباره الاكثر حرصاً على قضية شعبه الوطنية والأكثر التصاقاً بهموم ومصالح الفئات الأوسع من هذا الشعب والأكثر استعداداً للدفاع عنها”.
واوضح في دراسة نشرها في كتاب بعنوان “اليسار الفلسطيني إلى أين؟” حرص قوى اليسار والمبالغ فيه للظهور بمظهر المحايد في الصراع بين الحركتين، وتوزيع مواقف بين الطرفين المتصارعين، لم يلق استحساناً لدى الجمهور الفلسطيني.
وبعد ان كان اليسار الفلسطيني القوة الابرز على الساحة الفلسطينية في فترة السبعينات إلا انه بدأ بالتراجع مع سقوط الاتحاد السوفيتي الداعم له سياسياً وايدلوجياً ومالياً، حتى استطاعت حركة فتح ان تقود التيار اليساري برمته خلال النصف الاخير من القرن الماضي مما انعكس سلباً عليه، والذي لم يتمكن حتى اللحظة من الخروج من مظلة فتح الكبيرة والتي تهمين على منظمة التحرير الفلسطينية المنتمي إليها.
وأشار هلال في كتابه إلى أن اتفاق اوسلو وقيام السلطة الفلسطينية سارعا في تراجع نفوذ اليسار حيث كانت مؤسسات منظمة التحرير الضحية الأولى لهما، مما اربك اليسار وساهم في زرع اسباب خلاف جديدة بينها، ووجد اليسار نفسه دون اسناد مادي وسياسي وإعلامي اقليمي ودولي بخلاف حركتي فتح وحماس.
وقال “نجحت حماس إلى حد كبير في مشروعها الهادف إلى “أسلمة” المجتمع، دون مقاومة تذكر من اليسار… كما نجحت حماس في بناء قوتها الجماهيرية والعسكرية دون انتباه من حركة فتح بعد أن انصرف كوادرها وقادتها للتوظف في مؤسسات وأجهزة السلطة”.
وتشكلت خلال الانتخابات البرلمانية عام 2006 قوائم مستقلة بالاضافة إلى قوائم يسارية نجح عدد قليل منهم في الوصول إلى قبة البرلمان في حين استحوذت حركتي حماس وفتح على الغالبية العظمى من النتائج.
ومع ظهور الثورات في دول الربيع العربي ظهرت بعض المحاولات الشبابية لتشكيل تحالفات خارج اطار الاحزاب السياسية التقليدية في فلسطين وبدأت بالعمل ميدانياً على الارض، ولكن سرعان ما اندثرت برغم نجاحها المؤقت في خروج الفلسطينيين إلى الشارع.
وحارب طرفي الانقسام النجاح الشبابي الذي برز في قضايا محددة أهمها الفعاليات ضد الانقسام السياسي من خلال الاستقطاب تارة والتهديد والاعتقال تارة أخرى، خوفاً من تصاعد تأثيرهم على الشارع لاسيما بعد خروج الالاف في مسيرات في الخامس عشر من آذار (مارس) 2011 في الضفة الغربية وقطاع غزة، كاول مسيرات حاشدة تخرج دون دعوات من الاحزاب السياسية في تاريخ القضية الفلسطينية الحديث.
وقلل جقمان من قدرة الحركات الشبابية على التأثير او صعودها كقوة ثالثة في فلسطين، لعدم وجود قيادة ناظمة لعملها أو اطار نقابي لها ومحدودية قدراتها المالية وعدم سماح الاحزاب والقوى السياسية لاسيما فتح وحماس لها بالعمل بحرية.
ومع ضعف قوى اليسار وفشل محاولات انشاء قوة سياسية مؤثرة على الساحة الفلسطينية، ستبقى حركة فتح المدعومة دولياً وتملك المقدرات المالية للسلطة الفلسطينية وحركة حماس المدعومة اسلامياً وتملك الترسانة العسكرية الاكبر بين الفصائل الفلسطينية، هما المسيطران على تعاطف واصوات الناخبين الفلسطينيين في اي انتخابات قادمة.