بعد خمسة أيام من العدوان الغاشم على قطاع غزة، أصبح من المؤكد ان هذا العدوان لن ينتهي بنصر “مؤزر” لدولة الاحتلال كما تعودت في الكثير من تجاربها، حيث تثبت المقاومة الفلسطينية انها لم تعد فريسة سهلة يمكن الانقضاض عليها بسهولة والعودة دونما عقاب أو حساب.
كما ان حسابات قادة دولة العدوان، صار يشوبها الكثير من الوهم وعدم الدقة، حيث لم تعد كما كان الحال في نزالات واعتداءات سابقة، حينما كانت تتخذ قرارات الحرب والسلم، فهي تبدأ الحرب متى شاءت، وتنهيها متى تشاء، وذلك بعد ان تكون قد حققت أهدافها وغاياتها، واحتلت ما احتلت من الأراضي، دون أي مساس بجبهتها الداخلية، ولا حتى قواتها المعتدية.
كانت دولة الاحتلال تقوم بحروبها واعتداءاتها على الدول العربية، وتهزم جيوشها، وكذلك على الأراضي الفلسطينية، وتنكل بأهلها، دون ان يدري أو يحس “مواطنوها” بأن حربا وقعت، أو انتهاكات جرت ضد دول الجوار أو الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
قبل سنوات قليلة فقط، كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية ليس سوى إحدى أدوات التشويش أو “التهويش والتنغيص” على المستعمرات الصهيونية الموجودة في غلاف قطاع غزة، وكان أثرها لا يذكر.
من الواضح ان هذا الحال لم يعد كذلك، حيث تبين ان ثمة فارق شاسع بين ما جرى خلال السنوات الماضية، وما نراه اليوم من قدرة كبيرة وكفاءة عالية لهذه الصواريخ، ولم يعد بالإمكان ان يُطلق عليها صواريخا عبثية، وكان هذا واضح تماما في حديث أبو مازن لإحدى الفضائيات،حين قال بما معناه “ان تل أبيب ستتلقى المزيد من الصواريخ وما هو أكثر من الصواريخ، إذا ما استمرت دولة الاحتلال بسياساتها العدوانية”.
الحرب الحالية على قطاع غزة، لم تبق في حدود القطاع وغلافه من المستعمرات، ولم تعد ساحتها مقتصرة على تلك المناطق، ولم يعد الصهيوني الذي يسكن في تل أبيب وغيرها من المدن بعيدا عن ساحاتها، أو يقرأ عنها ويشاهدها على شاشات الفضائيات، فقد صارت جزءا من حياته اليومية، وصار جزءا من معاناتها.
العدوان على القطاع لم يعد نزهة لجيش الاحتلال، وهذا ما غاب عن قادته، والحديث الدائر عن اجتياح بري، ليس سوى جزء من الحرب النفسية التي تمارسها دولة الاحتلال، وإذا كان لا بد من اجتياح بري فهو لن يصل إلى عمق القطاع وسيقتصر على الأطراف، لان من الواضح ان ثمنه سيكون باهظا، وهذا ما لا يمكن لقادة العدو ولا للمستعمرين الصهاينة احتماله.
لن يكون غريبا ولا مستغربا، إذا ما جال في خواطر قادة العدو شيء من الندم على قيامهم بالاعتداء على غزة، حيث لم تتواءم حسابات الحقل مع حسابات البيدر، ولن يكون غريبا إذا ما كان هذا العدوان بداية لإعادة نظر في السياسات الصهيونية في القادم من الأيام، خاصة وان هذه التجربة أثبتت ان المقاومة لم تكن “نائمة” خلال السنوات الماضية، وأنها ستبقى على استعداد خلال الفترة المقبلة.
قوى المقاومة التي استطاعت ان تحول الصواريخ العبثية إلى صواريخ لها “أنياب” يمكنها ان تصل إلى تل أبيب وتعطل مطار بن غوريون ولو لدقيقة واحدة، يمكنها ان تطور من قدراتها الصاروخية بحيث تعطل ليس فقط المطارات،لا بل والموانئ، ويمكنها ان تضرب مفاعل ديمونة بشكل ربما أكثر دقة في أية مواجهة قادمة.
المقاومة لن تخرج مهزومة في هذه المنازلة، وهي ربما لن تخرج منتصرة بشكل “صارخ”، إلا ان هذا العدوان سيطوي مرحلة، لتبدأ بعده مرحلة جديدة، ستتمكن خلالها المقاومة من تطوير قدراتها وتتعلم من العبر والدروس، بحيث تحقق ما عجزت عن تحقيقه جيوش دول عربية مجتمعة، التي عليها ” أي الجيوش” أن تخجل وهي تقف عاجزة عن إسناد أهل فلسطين، الذين “في حقيقة الأمر” كانت تلك الجيوش، سببا في كل مآسيهم، عندما سلموا فلسطين وولوا مدبرين.