في كل عام تتكرر الحالة، ينتظر الأهل على أحر من الجمر نتائج البنات والأبناء لامتحان بات كالكابوس أو السيف المسلط على الرقاب، لا بل كانت حياة العديد من الأبناء والبنات تتوقف على النتيجة التي قد يحققها الطالب، وكانت أيضا السبب في تقرير مصير العديد من العائلات التي تنتظر من هذه الابنة أو هذا الابن أن يتخرج من المدرسة من اجل الالتحاق في الجامعة حتى يساعد في تحسين شؤون العائلة.
لدى كل منا قصة تتعلق بطالب أو طالبة لها علاقة بهذا الامتحان، أو تتعلق بأي منا، فعلى سبيل المثال، كان معي خلال المرحلة المدرسية صديق عزيز، كان يحقق درجة ممتازة في كل عام، وكانت نتيجته إما الأول أو الثاني وفي بعض الأحيان الثالث على الصف، وعندما تقدمنا لامتحان التوجيهي، كانت نتيجته ان رسب لظروف لا زالت بالنسبة لي غير معروفة، وهذه القصة يمكن ان تحدث كل عام ولأي من الطلاب.
امتحان التوجيهي الذي أصبح مدارا للجدل منذ فترة ليست قصيرة، لا زال هو هو، ونتيجته هي من يحدد مستقبل الطلاب وعائلاتهم في كثير من الأحيان، وربما حياتهم في العديد من الحالات، خاصة واننا نسمع عن حالات انتحار او محاولات انتحار تتبع اعلان نتائج التوجيهي.
في الوطن المحتل، نشأت عدة جامعات ساهمت منذ سبعينات القرن الماضي بشكل كبير في الحد من هجرة الطلاب إلى الخارج، وخرجت عشرات آلاف الطلبة، مما عزز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وأصبحت هذه الجامعات رائدة في تخريج قادة وطنيين، وفيها تشكلت بؤر النضال الوطني، مما أسهم في تعزيز العمل الوطني وتأجيج الثورة الشعبية ضد قوات الاحتلال، كما ساهم هؤلاء في تطوير البلد، برغم كل العقبات التي كانت قد وضعتها دولة الكيان.
كما ينتظر الأهل نتيجة الامتحان الكابوس، فان الجامعات الفلسطينية التي ازداد عددها بشكل ملحوظ منذ السبعينات، تنتظر أيضا النتيجة، لكن الامتحان بالنسبة لها لا يشكل كابوسا، بقدر من يشكل مصدرا للسرور والفرح الغامر، وخاصة تلك التي تعاني من أزمات مالية، حيث يشكل لها هذا الامتحان مصدرا للدخل، وأحد الروافع التي من خلالها يتم حل العديد من مشاكلها المالية، التي تعتبر لدى البعض منها حالة مستعصية.
ما ان يتم الإعلان عن انتهاء الامتحانات، حتى تسارع الجامعات بلا استثناء إلى الإعلان عن توفر طلبات القبول لدى البنوك الفلسطينية المختلفة، ليسارع الطلاب لشرائها.
ان نظرة واحد بسيطة وسريعة إلى هذه العملية إنما سوف تدلل على ان الجامعات تخرج في هذه العملية تماما من إطارها الأكاديمي، وتتحول الى شركات تجارية بحتة همها ‘لَم’ وجمع اكبر مبلغ من المال، في حالة من الجشع لا يمكن وصفها سوى انها عملية ‘نهب’ و ‘سرقة’ في عز الظهيرة لجيوب الناس ‘الغلابا’ الذين يعانون أصلا من وضع اقتصادي بائس.
في هذا العام، مثل كل الأعوام السابقة واللاحقة، يتقدم عشرات الآلاف من الطلبة للامتحان، – هذا العام تقدم للامتحان 85910 طلاب-، على كل من هؤلاء ان يقوم بشراء طلبات الالتحاق المتوفرة في البنوك بسعر يتراوح بين 250 شيكلا مثل ،وبحد أدنى لا يقل عن 30 دينارا أردنيا.
عملية الشراء تتم حتى قبل ان يعرف الطالب انه سينجح أم لا، او هل سيؤهله معدله للقبول في الجامعات أم لا، وفي اغلب الأحوال يقوم الطالب او الطالبة بشراء أكثر من طلب، وهنالك من يقوم بشراء ثلاثة الى أربعة طلبات، ليس لكثرة ما لديه من ‘فلوس’، لكن من اجل الحصول على أكثر من فرصة للقبول. وهنا لا نريد الحديث عن طالبين اثنين من ذات العائلة في سنة التوجيهي.
وإذا ما افترضنا ان هنالك على الأقل 75% من الطلبة يقومون بشراء طلبات القبول، هذا ان لم تكن النسبة أعلى من ذلك بكثير، حيث لا تتوفر إحصائيات دقيقة في هذا المجال، ولكن وحيث اننا في مجتمع ‘ مفيش حد أحسن من حد’، والكل يريد ان يفعل مثل جاره وابن صفه، عدا عن انه مجتمع مقبل على التعليم ويعتبره حيويا جدا، فلنا ان نعلم كم هو عدد الطلاب الذين يشترون الطلبات.
الحديث هنا يدور عن عشرات الملايين من الشواقل التي يتم اقتناصها و’لهطها’ من جيوب المواطنين لتذهب الى خزائن الجامعات المختلفة، بغض النظر عن ان الطالب قد نجح او رسب، او ما إذا كان المعدل الذي حصل عليه يؤهله للقبول أم لا، العملية هنا لا تتعدى جمع اكبر قدر من الأموال، وليذهب الطالب وعائلته الى الجحيم، هكذا هي الأمور بدون لف او دوران. كل هذا يجري دون ان يهتز للقائمين على الجامعات حاجبا. مبالغ باهظة يتم سحبها بطريقة لا نعلم تحت أي مسوغ قانوني او سواه.
يمكن لنا ان نفهم، ان تتم إعادة المبالغ للطلاب الذين لم يحققوا معدلات لقبولهم في الجامعات وللراسبين في الامتحانات، بمعنى ان تتم إعادة المبالغ لأولئك الذين كانت معدلاتهم اقل من 65، هذا مجرد اقتراح، لكن ان تتم مصادرة كل هذه المبالغ بهذه الطريقة، فهذا ما لا يمكن فهمه او قبوله.
قضية طلبات القبول في الجامعات الفلسطينية، يجب ان تخضع للرقابة كغيرها من القضايا، لأنها تهم ليست شريحة واحدة او صغيرة في المجتمع الفلسطيني، والجامعات ليست شأنا مقدسا لا يجب المساس به، لا بل يجب ان تخضع كغيرها للرقابة والمسائلة والمراجعة، ترى من هي الجهة المخولة بذلك، ومن هي الجهة التي يمكن لها ان تحد من هذا الجشع، الذي يزداد بشكل سنوي، حيث ترتفع أسعار الطلبات تماما كما ترتفع أسعار جميع السلع في هذا الوطن، والكل ينهب المواطن بدون رادع او وازع، قضية يجب التوقف أمامها من جهة ما مسؤولة لتضع حدا لها مرة واحدة والى الأبد.