وسط توقف العملية السياسية العراقية عند عقدة انتخاب رؤساء ثلاثة للبلاد، كان لافتاً أمس الحراك الذي بدا أنّ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اختار أن يبدأه انطلاقاً من القاهرة في اتصال أجراه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأكيداً على «دور مصر الكبير»، في وقت طغت الأزمة العراقية على زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى عدد من الدول الخليجية، ليؤكد خلالها أنّ «التأخر في مكافحة الإرهاب بذريعة تشكيل الحكومة يعتبر أمرا خاطئا»، في انتقاد واضح إلى مواقف دولية وإقليمية تصر على تشكيل الحكومة قبل البدء المفترض بمحاربة تمدد الجماعات المتطرفة بقيادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش».
في هذا الوقت، وفي مبادرة مفاجئة، أطلق رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني «رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي وقواه الوطنية»، محاولاً تبرير موقفه من الدعوة إلى «تقرير المصير» من خلال التركيز على إطلاق هجوم عنيف على ولايتي رئيس الوزراء نوري المالكي «المشؤومتين»، واصفاً حكمه لولايتين بمرحلة «اغتصاب السلطة والعبث بها»، متحدثاً في رسالته المطولة عن «حملة كراهية قومية شوفينية» باتت تستهدف حالياً الإقليم.
في غضون ذلك، بدا أمس أنّ القوات العراقية باتت قاب قوسين أو أدنى من استعادة السيطرة على مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين، حيث أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء قاسم عطا أنّ الجيش العراقي يستعد لشن هجوم لطرد المسلحين من مدينة تكريت وأنه «في انتظار إشارة البدء للهجوم».
وترافقت هذه التطورات مع قرار البرلمان العراقي، أمس، تقديم موعد جلسته الثانية إلى يوم الأحد المقبل، بعدما جرى تأجيلها، أمس الأول، إلى نحو شهر. وأوضح بيان، موقع من رئيس السن مهدي الحافظ الذي ترأس الجلسة الأولى قبل أسبوع، «لقد قررنا تغيير موعد دعوتنا السابقة للبرلمان للانعقاد في يوم الأحد الموافق 13 تموز 2014». وذكر البيان أنّ قرار تقديم موعد الجلسة جاء «من أجل المصلحة العامة والتزاما بالسياقات الدستورية وحفاظا على الاستمرار في بناء الديموقراطية وبعد التشاور مجددا مع رؤساء الكتل في البرلمان».
وفي اتصال هاتفي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد نوري المالكي على «دور مصر الكبير»، داعيا إلى «استمراره خصوصا بزعامة الرئيس السيسي»، مثمناً موقفه في «الدفاع عن وحدة العراق والتحذير من أي محاولة ترمي الى التقسيم». وقال إنّ «تعاوننا يجب ان يستمر ويتواصل من أجل وحدة الموقف والتنسيق بين بلدينا».
وطمأن المالكي، وفقا لبيان صادر عن مكتبه، الرئيس المصري بشأن «متانة الموقف الذي تخوضه القوات العراقية ضد الإرهابيين»، معرباً عن «شكره وتقديره لموقف مصر الداعم للعراق في مواجهته للإرهاب»، في إشارة ضمنية إلى المواقف التي أطلقها الرئيس المصري يوم الأحد الماضي في لقاءات صحافية، والتي كان من بينها تأكيده أن إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان ما هو إلا بداية «كارثة».
وفيما اعتبر الرئيس المصري، وفقا للبيان العراقي، أنّ «العراق بلدي الأول وليس الثاني»، مؤكداً أنه «سيوفد وزير الخارجية المصري (سامح شكري) إلى بغداد تأكيدا على متانة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين»، قال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية المصرية إنّ السيسي أعرب عن «قلق مصر العميق إزاء تلك التطورات وما تنبئ به من مخاطر جسيمة تهدد وحدته واستقراره».
وشدد السيسي على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية وسلامتها الإقليمية وعدم تقسيمها على أسس طائفية «وهو ما يتطلب تكاتف كل المكونات الوطنية العراقية والاصطفاف لحل الخلافات في ما بينها لبناء دولة قوية جامعة لكل أبنائها بعيدة عن النعرات الطائفية والمذهبية». وأكد السيسي خلال الاتصال «استعداد مصر الكامل، بما لها من مكانة عربية وإسلامية لبذل الجهود وتقديم كل الدعم والمساعدة الممكنة للخروج من الوضع الراهن».
وفي الكويت، أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنّ إيران والكويت «تؤمنان بوحدة الاراضي العراقية وضرورة المكافحة الجادة للارهاب». وقال ردا على سؤال حول العلاقات الايرانية – السعودية، التي لن يزورها، «كنا ولا نزال نرحب بالعلاقات الطبيعية بيننا وبين المملكة، نعتقد انها دولة مهمة في المنطقة» مشيرا الى «إمكانية التعاون بين البلدين لمعالجة القضايا وتسوية المشاكل في المنطقة».
بدوره، أکد وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الأحمد الصباح «ضرورة حفظ وحدة التراب العراقي»، معتبرا أنّ «تقسيم هذا البلد أمر خطير». وقال «إننا نؤمن بمكافحة الإرهاب وان سياسة الكويت تتمثل في التركيز علي الدستور العراقي». وشدد علي ضرورة الاسراع في اختيار رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في العراق، مصرحا بأن التأجيل في عقد جلسة مجلس النواب العراقي لا يساعد علي تسوية الأوضاع. (تفاصيل ص 15)
وفي الإمارات، أكد عبد اللهيان «ضرورة التصدي للإرهاب والتطرف»، معتبراً أنّ «أسلوب الهجمات الارهابية الاخيرة في العراق يدل على وجود عناصر أجنبية وراءها». ورأى أنّ «التأخر في مكافحة الإرهاب بذريعة تشكيل الحكومة يعتبر أمرا خاطئا ويوفر الفرصة لدعاة الحرب وينبغي الاهتمام بمكافحة الارهاب بموازاة تشكيل الحكومة على أساس نتائج الانتخابات البرلمانية».
من جهته، اعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أنّ «تفشي التطرف والعنف والطائفية يضر جميع دول المنطقة»، مؤكدا ان اللقاءات والمشاورات بين مسؤولي دول المنطقة وإيران تعد السبيل الأهم لمواجهة التهديدات الإرهابية.
في مقلب آخر، قال رئيس إقليم كردستان، في رسالة وجهها إلى الشعب العراقي، «تتسع في ما يُشبِه الاستهداف المشبوه، الحملة الجائرة ضد الشعب الكردستاني وقيادته، ومحاولة تحميله مسؤولية الانهيارات المؤسفة التي تعرضت لها القوات المسلحة والاجهزة الامنية العراقية»، مضيفاً «لا يتوقف الاستهداف والتعريض عند هذه القضية، بل بات كما لو انه منصة إضافية لتشويه جميع مواقف شعبنا، وإنكار ما بذله في مختلف المراحل التاريخية، وما يزال، من جهود وتضحيات لترسيخ الاخوة العربية الكردية وتحقيق الديموقراطية للعراق بأسره، والحفاظ على لحمة نسيج المجتمع العراقي». واعتبر أنه «يجري اليوم، في سابقة هي الاخطر، تغذية حملة كراهية قومية شوفينية تستند الى تشويه الوقائع، وإظهارها عكس ما هي عليه، وبناء جدارٍ من الانفصال بين القوميتين المتآخيتين، والمكونات العراقية، لتخدم اغراضاً سياسية ومصالح فئوية ضيقة، لمن كان المسبب لقيادة العراق من فشلٍ الى فشل، ومن أزمة الى أزمة اشد وقعاً»، في إشارة إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
وأضاف «بدا المشهد، يفضح النهج المنحرف الذي يسعى للتعبئة ضد الاقليم، ويظهره كما لو انه عدو العملية السياسية والدستور، وكيل الاتهامات الباطلة له، حد تحميلنا مسؤولية الانهيارات التي قاد الجيش والعراق اليها، وهو ما يجري تغذيته في مختلف الاوساط، وفي وسائل الاعلام الموالية، على مدار الساعات والايام، بمحاولة إظهار الشعب الكردي، كمعادٍ للشيعة ودورهم ومواقعهم في السلطة السياسية للعراق. لقد أكدنا دائما، وعززت الحياة صدق أفعالنا ونياتنا، اننا لم نكن يوماً طرفاً سلبياً في الصراع الذي دار منذ سقوط النظام الديكتاتوري».
وأوضح بشأن «ما نريده لشعبنا الكردي في اطار حق تقرير المصير» بالقول «لم نتردد يوما، في مختلف مراحل الكفاح المشترك مع سائر القوى الوطنية العراقية ضد الانظمة الديكتاتورية المتعاقبة، في التأكيد على حق تقرير المصير، ولم يكن مفهوم تقرير المصير غائباً عن البرامج المبرمة مع المعارضة، وفي مقدمتها الاحزاب والحركات الشيعية، كما ان مفهوم هذا الحق، جرى التعبير عنه بوضوح، بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق، وفي ديباجة الدستور». وقال كذلك «لكن ما واجهناه من عنتٍ ومجافاةٍ وانكارٍ وتعالٍ منذ تولي السيد نوري المالكي السلطة، وبعد تمكينه من بسط سلطته الفردية في الولاية الثانية، وتجاوزه الدستور والشراكة والتوافق الوطني، ونزوعه الى احتكار الدولة والهيمنة على مقدراتها، والانحدار بالبلاد الى متاهات الازمات المستدامة، والخرق الفاضح للدستور، وضعنا في مسارٍ آخر يتطلب اعادة الاعتبار للاستحقاقات الدستورية والتوافقات التي تعاهدنا عليها».
(«السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ب)