أمم تجتمع اليوم في كأس العالم لتترجم أحلامها بالنجومية وتحظى بالحضور المتميز وتسمع صوتها وتوصل رسائلها وتخط لذاتها موطئ قدمٍ وسط بلايين البشر. وأمم أخرى تحط رحالها للمرة الأولى في هذا العالم الرحب فترفع علمها وتحمل على قمصانها ألوان بلادها في منافسة آدمية حضارية تعكس حب الحياة وأهمية الرياضة والرياضيين.
الفقراء والأغنياء وأبناء العرقيات المختلفة والشعوب على امتدادها تجتمع لتلتحم في حبها للتنافس البنّاء الممهور بحب الحياة.
وفي خضم هذا الجهد يبدو فارق الثقافات بين الدول واضحاً حتى في الملعب. فرق تصدمها الأهداف لكنها لا تستسلم فتقاتل في كل ثانية وحتى آخر ثانية. وفرقٌ أخرى تحرز أهدافاً يتيمة فتتقاعس أو تعود إلى الوراء لتحمي شباكها فتقدم أداءً محزناً.
فرقٌ تعاند الزمن والقدرة الجسدية لتحرز أهدافها وفرقٌ أخرى تبدو وكأن الوصول إلى البرازيل شّكل سقف أحلامها الوحيد. وبين هذا وذاك تقف ثقافة العنف لدى بعض الفرق سداً منيعاً أمام تقدمها فيصبح الدفع والعض أهم من النصر والتأهل.
كأس العالم هو العالم بتفصيلاته وملعب المنافسة الحميم والعلامة الفارقة ما بين الصالح والطالح، الهادئ والمنفعل، الموزون والمرتجل. كأس العالم تماماً كما قصة الحياة وشروطها وتحدياتها وأفراحها وانتصاراتها وإخفاقاتها.
المهم وعلى جانب آخر من العالم يقف الفلسطيني ورغم أسره ومعاناته وتحديات حياته اليومية ملتصقاً بهذا العالم لا ينقطع عنه فيتابعه من وراء القضبان وفي الشوارع والمقاهي والمنازل والمكاتب ليعيش الحدث كله متطلعاً ليوم يرى فيه شباب هذا الوطن يحملون ألوان العلم الأربعة فيمثلون بلدهم خير تمثيل.
فلسطين ليست غائبة عن كأس العالم بل ان أهلها يرون في الجزائر والبرازيل ونيجيريا وإيطاليا وغيرهم الكثير نموذجا مهماً ينوب عنهم بتمثيل أحلامهم وطموحاتهم.
فلسطين ليست أيضاً غائبة رغم ليلها الدامس واستمرار الاحتلال بعملياته العسكرية في مفارقة غريبة: عالم يحتفي بالحياة في كأس العالم، يقابله عالم يسعى لوأد الحياة في مكانٍ آخر من العالم. وبين هذا وذاك يستمر صياح الجماهير بالتشجيع والتهليل في إصرارٍ بديعٍ على الحياة لا يؤمن بالظلم ولا يركع للقهر، أفليس من المحزن أن يكون على هذه الأرض عالم يحتفي بالحياة وآخر يصر على وأدها!
الحياة الجديدة