في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، أعلن ياسر عرفات في الجزائر بيان استقلال دولة فلسطين. وقد جاءت هذه المبادرة لتخدم غرضين اثنين: فقد سمحت بتأكيد الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإرادة الاستقلال الذي يستحقه هذا الشعب، كما فتحت الباب أمام السلام القائم على حل الدولتين على حدود العام 1967.
وقد قرر فرانسوا ميتران، الذي كان آنذاك رئيسا للجمهورية، أن يستقبل في العام 1989 زعيم منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، ليسجل دعمه لهذه المبادرة، ولآفاق السلام التي فتحتها. وأخذت فرنسا على عاتقها آنذاك، كما هو الحال في كثير من الأحيان عبر التاريخ، زمامَ المبادرة من أجل تعزيز السلام في الشرق الأوسط.
وبعد أيام قليلة، سوف يُطلب من فرنسا المشاركة في التصويت التاريخي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل منح فلسطين وضْع الدولة العضو المراقب. فبعد مرور خمسة وستين عاما على القرار 181 الذي نص على إقامة دولتين، وبعد مرور خمسة وأربعين عاما على صدور القرار 242 الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة العام 1967، سوف يقرر ممثلو 193 دولة ما إذا كانوا يرغبون في الحفاظ على هذا الحل من خلال موافقتهم على ميلاد دولة فلسطين على حدود العام 1967، أم أنهم يرغبون في جعل السلام يسير نحو الإخفاق. لأنّ الدولة الفلسطينية هذه، التي لم تولد بعدُ، تعيش في خطر، وهي مهددة باستيطانٍ متفاقم يستولي على أراضيها ويُفتّتها كل يوم، أكثر فأكثر!
هذا التصويت سوف يجرى في الوقت الذي تتلقّى فيه غزة ضربات القنابل الإسرائيلية، وفي الوقت الذي يتواصل فيه القمع والاستيطان في الضفة الغربية، يُكرسه إفلاتُ إسرائيل المتواصل من العقاب، وهو الإفلات الذي لا يطاق والذي تأكد مرارا، لا سيما أثناء عُدوانها على غزة في أواخر العام 2008، وهو العدوان الذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 1400 شخص، بينهم 400 طفل. ويتعين على كل من يرغبون في تفعيل الحلول السياسية أن يرسموا أفقا لإنهاء الاحتلال، واحترام حقوق الفلسطينيين، في صالح جميع شعوب المنطقة. إن الاحتلال، والحصار والعدوان لن يجلب الأمن لإسرائيل على الإطلاق، ولكنه سيفرض حالة انعدام الأمن على الجميع.
لقد حان الوقت لأن يُمسك المجتمع الدولي بهذه المسألة، من أجل العمل على تطبيق القانون الدولي والقيم العالمية، تلك القيم التي ندفنها مع موتانا، ومعظمهم من المدنيين، وهم في غالب الأحيان من الأطفال والنساء وكبار السن، الذين لا يحلمون إلا بالحرية والكرامة.
منذ العام 1980، اعترفت أوروبا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ونددت بالاستيطان. وقد ساهمت منذ ذلك الوقت، سياسيا وماليا، في وضع أسس هذه الدولة الفلسطينية التي التزمت بالاعتراف بها في الوقت المناسب. وقد حان اليوم أوانُ هذا الاعتراف. إننا ننتظر من الدول الأوروبية أن لا تفوّت هذا الموعد التاريخي، وأن تصوّت بما يتماشى مع مواقفها المتعاقبة منذ إعلان البندقية العام 1980 لصالح نهضة فلسطين وميلاد الدولة الفلسطينية، تماشيا مع خط الشعوب الأوروبية الداعمة لاستقلال فلسطين.
في قلب أوروبا كانت فرنسا دوما تلعب دورا قياديا حول هذه المسألة. ففي العام 1967، تحدث الجنرال ديغول بقوة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وتحدث فرانسوا ميتران، منذ العام 1982 عن أفق قيام دولة فلسطينية. والتزم جاك شيراك على مدى عُهدتيه الرئاسيتين بالعمل من أجل السلام. وفي العام 1999، وعند نهاية الفترة الانتقالية المنصوص عليها بموجب اتفاقيات أوسلو، وتحت رئاسته، وفي زمن التعايش مع حكومة اشتراكية، عملت فرنسا بقوة على التزام الدول الأوروبية بالاعتراف بدولة فلسطينية عندما يحين الوقت المناسب، من أجل تعزيز السلام وتجنب الدخول في طريق مسدود.
وبعد مرور ثلاثة عشر عاما، ما يزال الجمود قائما، وقد أدى بنا ذلك إلى حافة الهاوية. وأصبح من الواضح أن المفاوضات التي لا يشرف عليها المجتمع الدولي لا تملك أي فرصة للنجاح. وفي الأمم المتحدة، ستكون للمجتمع الدولي الفرصة لأن يقول إذا ما كان يختار التأكيد من جديد على التزامه بحل الدولتين، أم أنه سيختار التنازل عن هذا الالتزام؟ إن الاكتفاء بإنكار هذا الفشل، وبمجرد المطالبة بالعودة إلى المفاوضات الثنائية من دون أُطر ومن دون مرجعيات واضحة، هو أمرٌ لا يساعد على السلام، بل يساعد على استمرار الاحتلال. وقد أوفت منظمة التحرير الفلسطينية بالتزاماتها بموجب القانون الدولي وخريطة الطريق، لكن إسرائيل ترفض الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك إيقاف الاستيطان وإنهاء الحصار. ويتعين اليوم على المجتمع الدولي أن يقول ما إذا كان يرغب حقا في بالاضطلاع بمسؤولياته إزاء الشعب الفلسطيني وتطبيق القانون الدولي وإحلال السلام في هذه المنطقة من العالم.
في العام 2011 عبّرت فرنسا عن موقفها لصالح منْح فلسطين وضع العضو المراقب. وكان الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي قد صرح آنذاك من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلا: “لماذا لا نفكر في منح الدولة الفلسطينية صفة العضو المراقب في الأمم المتحدة ؟ سيكون ذلك خطوة هامة، سوف تُخرجنا بعد ستين عاما من حالة الجمود الذي بات أرضا خصبة للمتطرفين. وبذلك سوف نمنح للفلسطينيين الأملَ من جديد، ونرسم تقدّما ملموسا نحو الوضع النهائي”.
إن فرنسا، بتصويتها لصالح انضمام فلسطين إلى اليونسكو، تكون قد اعترفت بحق الفلسطينيين المشروع في الدفاع عن تراثها، وثقافتها، وتعليمها، ومكانتها العلمية في العالم، ومن واجبها أن تدعم الآن الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يحاول فيه فرْض احترام حقوقه المدنية والسياسية.
وقد التزم الرئيس فرانسوا هولاند، خلال حملة الانتخابات الرئاسية، باتخاذ “مبادرات لتعزيز السلام والأمن، من خلال إجراء مزيد من المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، ودعْم “الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية”. فهذا الالتزام التاسع والخمسون يبرهن أنه ليس ثمة تناقض بين مفاوضات السلام والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
بدلا من ذلك، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سوف يوفر للمفاوضات إطارا، ومنظورا، مع إعطاء البرهان على أنّ المجتمع الدولي لا يريد أن يترك السلطة المحتلة والشعب المحتل في مواجهة ظالمة وعقيمة، نظرًا لعدم توازن القوى بينهما. وتتأكد صحة ذلك أكثر فأكثر في الوقت الذي يؤكد فيه الاتحاد الأوروبي مدى الخطر الذي بات يهدد السلام، وفي الوقت الذي أضحى فيه الوضع على الأرض يشهد تدهورا تتعاظم وتيرتُه بسرعة جنونية.
إننا نريد أن نصدّق أن الرئيس هولاند سوف يَفي بوعود المرشح هولاند، وأنه سوف يصوّت بقوة لصالح الدولة الفلسطينية، ضمن احترام تقاليد فرنسية تقاوم فكرة الازدواجية السياسية.
إن منْح دولة فلسطين العضوية في الأمم المتحدة، حتى ولو كعضو مراقب، سوف يساهم في تسريع إنهاء الاحتلال، واحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعزيز وحدة أراضي الشعب الفلسطيني، وفي الحفاظ على حل الدولتين، وفي الإبقاء على إمكانية التوصل إلى حل سلمي للصراع، وفي تعزيز تطبيق القانون الدولي، وتفعيل القيم العالمية.
هل تؤيد فرنسا قيام دولة فلسطينية؟ هل تؤيد احترام القانون الدولي؟ هل ترغب في المساهمة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟ إننا على ثقة من أننا نستطيع الإجابة بنعم عن هذه الأسئلة. إذن على وفرنسا التصويت لصالح حصول فلسطين على صفة الدولة المراقب في الأمم المتحدة!
نبيل شعث* – (لوموند( ترجمة: مدني قصري- الغد الاردنية.
*عضو اللجنة من أجل الاعتراف بدولة فلسطين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Reconnaître la Palestine à l’ONU