غزة / انتشرت بين اوساط عديدة في المجتمع الفلسطيني، أراء ومواقف مختلفة وتأويلات لا حصر لها في المسئولية الاخلاقية لمصير الموظفين الذين وظفتهم حركة حماس أبان سيطرتها على قطاع غزة، خارج النصوص التشريعية للسلطة الوطنية ، وبعيداً عن موازنتها الرسمية ، وتحملت هي كامل المسئولية عن صرف رواتبهم طيلة فترة تشغيلهم معها حتى عشية الاعلان عن حكومة التوافق الوطني .
والمراقبون لا يجدون لحكومة التوافق الوطني أي عذر في الموافقة على إلحاق الموظفين الجدد ضمن هياكل وكادر السلطة ، الأمر الذي تم دراسته ومناقشته والخروج بتوصيات بشأنه في الورقة المصرية للمصالحة عام 2009م، ولكن شروحه فيما بعد جاءت بالتوافق بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية في عام 2011م ، ولكن المستجد بالأمر أن عدد الوظائف التي اعلنت عنها حماس في عام التوافق 2011 اختلف كثيراً عن عام الوفاق والحكومة في عام 2014 ، لذا بدأت سلسلة من الاختلافات تتفجر بين حكومة التوافق التي كلها من خارج طرفي الانقسام ، وبين حركة حماس التي اتخذت سياسة الضغط على الحكومة لفرض شروطها واعتبار اخر قائمة توظيف لديها بنسخة عام 2014 هي النسخة النهائية التي من الواجب التعامل معها .
مسئول كبير جداً في حكومة التوافق يقول لـ (أمد) أن حركة حماس كل يوم في شأن ولديها أرقام متغيرة عن عدد موظفيها ، فتارة تقول أنهم اربعون ألفاً وأخرى تقول أنهم اثنان وأربعون ألفاً ، وعدد العسكرين خمسة عشرة ألفاً وأخرى سبعة عشر ألفاً ، ولا أرقام نهائية لديها ، والحكومة التي شكلت لجنة مختصة لدراسة أوضاع هؤلاء الموظفين لا زالت تعمل لبيان أخر المقترحات وصياغتها وفق الموازنة المطروحة للسلطة .
ويقول نفس المصدر أن موظفي حماس في هذا العام 2014 خارج موازنة السلطة التي اقرت بداية السنة ، ولم يكونوا ضمن أمكانياتها ، فكيف سيتم التعامل مع رواتبهم وهم خارج الموازنة التي وقعت عليها الحكومة وصادق عليها الرئيس نفسه ؟
ويضيف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن البدائل التي طرحت لصرف رواتب موظفي حماس ، رفضتها الأخيرة ، ولا تريد صرف شيكل واحد خارج الموازنة الرسمية للسلطة ، وهذا أمر غير مقبول وخارق للانظمة الحكومية المعول بها ، وبما أن حكومة الوفاق مؤقتة وذات برنامج محدد ، فعلي حماس أن تقبل وضعاً مؤقتاً لألية صرف رواتب موظفيها.
من جهته قال الناطق الاعلامي باسم حكومة التوافق الدكتور ايهاب بسيسو بإتصال مع (أمد) أن عمل اللجنة الخاصة بموظفي حماس مستمرة في دراسة ما لديها من معطيات ، وتحتاج الى أربعة أشهر على أبعد حد ، ورغم ذلك طرحت الحكومة وسائل مؤقتة لصرف رواتب موظفي غزة الذين تم توظيفهم من قبل حركة حماس ، وكان أخرها تمرير المنحة القطرية عبر مشاريعها الانمائية في قطاع غزة ، وصرفها بالطريقة التي يتم فيها وصول أموال هذه المشاريع وتقوم لجنة مختصة بعملية الصرف ، وهذا الاجراء مؤقت لتخفيف معاناة الموظفين وعدم تركهم بدون مصدر رزق وخاصة أن ظروفهم صعبة للغاية ، ولكن هذا الحل ايضاً لم يتم التعاطقي معه كمقترح يمكنه حل أزمة الموظفين القائمة في قطاع غزة .
ويقول بسيسو أن اتفاق القاهرة واضح بخصوص ملف موظفي حماس في قطاع غزة ، وتفاصيله واضحة ، ولكن عملية اخراجه للرأي العام لم تكن واضحة ومن هنا أصبح لغط كبير في هذا الملف .
ويقول مسئول كبير أن اغلاق البنوك ومنع موظفي السلطة من تقاضي رواتبهم ، يزيد ويفاقم بأزمة قطاع غزة ، ولا يعمل على حلها بالمطلق ، بل أن اغلاق البنوك يضر بإقتصاد قطاع غزة بشكل مباشر ، ويشل حركة التجارة ، والمعاملات المصرفية ، ويؤدي الى انهيار جزئي في الحياة العامة ، لذا على حركة حماس بما أن الأمن لا زال بيدها أن تعمل بوسائل أقل ضررا لتمرير مطالبها في حكومة التوافق ، والاستعداء ليس حلاً ، بل الخروج للناس وقول الحقيقة هو اول الحل .
عاشت حركة حماس أزمة مالية خانقة منذ أن تم عزل الرئيس المصري الاخواني محمد مرسي وبعد شن حملة واسعة ضد الانفاق الحدودية التي كانت تديرها ، ومع ظهور عبدالفتاح السيسي في المشهد المصري ، ومكافحته الجريمة في سيناء ، ووضع حد للمجموعات “الجهادية” والاسلامية المسلحة ، دخلت حركة حماس حسب المعطيات المصرية دائرة الصراع مع مصر ، فاستهدفت بوسائل عديدة منها حظر دخول قياداتها لمصر ، واغلاق معبر رفح باستثناء الحالات الانسانية والعمرة ، وتدمير شباكات الانفاق الواسعة على الحدود ، ووقف التحويلات المصرفية من مصر الى قطاع غزة المشتبه بأنها ستصل الى حركة حماس ، وغيرها من الاجراءات التي طبقت لتزيد من حالة الأزمة التي تعيشها أصلاً حركة حماس ، الأمر الذي دفعها مضطرة الى ترك الحكومة في قطاع غزة ، والموافقة على حكومة التوافق الوطني .
من جهتهم موظفو حماس ومن خلال نقابتهم صعدوا ضد حكومة التوافق ، واخرجوا حركتهم من أي مسئولية اتجاههم ، واعتبروا الرئيس محمود عباس المسئول عن معاناتهم ، وتجاهلوا تماماً تفاصيل اتفاق القاهرة الموقع عليه من قبل حركتهم ، ليدخلوا في حالة صراع مع حكومة التوافق ووزاراتها في قطاع غزة ، الأمر الذي أبعدهم عن حلل مشكلتهم بالشكل المنطقي والمعقول ، من بعد فهم ما دار بجلسات المصالحة بخصوصهم وعلى ماذا وقعت حركتهم اتفاق المصالحة الأخير في مخيم الشاطيء ؟.
يقول محلل سياسي وناشط حقوقي بإتصال مع (أمد) :” أن سبب الأزمة القائمة اليوم ، هي حركة حماس لأنها لم تصارح موظفييها في قطاع غزة ، بحقيقة مصيرهم ، ووضعهم القادم في أي اتفاق ، وكل ما فعلته انزلت عن ظهرها هذا الحمل الكبير ، وطلبت من حكومة التوافق حمله ، وراحت تهاجم وتطالب بحقوق من انتهكت هي حقوقهم بتخليها عنهم ، بعد التوقيع على اتفاق الشاطيء”.
اقتربت الأزمة من الشهر انتظاراً وشهرين لم يتقاضوا موظفو حماس شيكلاً واحداً ، من بعد ثمانية أشهر من السلف التي لا تفي مصاريف عشرة أيام لكل أسرة موظف ، فالأزمة أصبحت مهددة لأي مصالحة حقيقية قد يكون رأسها قد دخل البيت الفلسطيني بحكومة التوافق ، ولكن كامل الجسم لازال خارج البيت بانتظار حل الكثير من القضايا العالقة ، والمرجو أن لا تكون أزمة رواتب موظفي حماس هي السيف الذي سيفصل رأس المصالحة عن جسمها لنعييها وبشكل نهائي !!!.
امد