نابلس / بينما ينشغل المجتمع بجدل السياسة والاقتصاد، في ظل أزمات متتالية، يدفع الأطفال الثمن.
وينتشر عدد كبير من الأطفال في الشوارع لبيع بعض الحاجيات البسيطة، ويحتجز آخرون في مخازن وأقبية يكدحون في مهن لا يقوم بها إلا الكبار.
الطفل أمين «7 سنوات» من أحد أحياء البلدة القديمة في نابلس، خرج من المدرسة قبل سنتين لظروف أسرته الصعبة: والده اضطر لترك العمل بسبب المرض، وعدد أفراد عائلته ثمانية. يخرج أمين من بيته التاسعة صباحاً ويعود إليه السادسة مساءً، وفي بعض الأحيان خاصة في موسم الصيف يبقى حتى التاسعة مساءً، يتجول في الشوارع مع عربته لبيع الخضار وحسب قوله فإن العربة ليست له ويتقاضى في اليوم الواحد 40 شيقلا.
أما الطفل كمال «10 سنوات» من مخيم بلاطة، فيخرج صباحاً لبيع مواد التنظيف ويعود آخر النهار. وفيما يبدو كمال، من خلال كلماته، أكبر من عمره الحقيقي، قال لـ»حياة وسوق»: «كيف أدرس وظروف أهلي سيئة، ولا يمكن لوالدي العاطل عن العمل توفير الأكل والملابس والغاز ومصروف البيت؟».
شكوى من «التسول المقنع:
الدكتور ماهر أبو زنط أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية بنابلس قال لـ»حياة وسوق»، أن هناك استغلالا واضحا للأطفال سواء في تشغيلهم بالأشغال العامة أو الطلب منهم القيام بأعمال لا تليق بهم كالتسول في الشوارع، واضاف: «المشكلة واضحة ومنتشرة حتى أصبح البعض يتأذى من وجود الأطفال الذين يمارسون مهنة (التسول المقنع) في الشوارع». وأوضح أن المجتمع المحلي عليه دورٌ كبير للحد من انتشار الظاهرة، لا سيما الأهالي، فيجب عليهم مراقبة أطفالهم وعدم السماح لهم بترك المدارس حتى تحت أصعب الظروف وأقساها، وعلى المجتمع المدني المطالبة بنظام التعليم الإجباري ومراقبة ومتابعة الأطفال، خاصة الذين يستغلون للعمل في المصانع والشوارع. وأوضح أبو زنط أن من أبسط ما يجب أن تقدمه مؤسسات المجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة الضغط باتجاه قانون يحاسب من يستغلون الأطفال.
خوف من «الاستغلال الجنسي:
ويوضح مراقب السلوك في مديرية الشؤون الاجتماعية في نابلس فراس لبادة لـ»حياة وسوق» أن هناك تعاونا وثيقا بين الشؤون والشرطة في محاولة الحد من هذه الظاهرة. وبحسب لبادة فإن قسم حماية الطفولة في الشؤون يتلقى معلومات من الشرطة حول الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و13 عاما ويعملون في السوق بعد أن كانت الشرطة أخذت على ذويهم تعهدات بعدم تكرار ذلك، ويقوم القسم بمتابعتهم وإرشاد ذويهم، وقد تمكن القسم من تحقيق انجازات ملموسة من خلال إعادة بعض الأطفال الى مقاعد الدراسة أو مراكز التدريب المهني أو المراكز الصيفية، خاصة أن نسبة كبيرة من هذه الظاهرة تكون في موسم الصيف.
ويوضح لبادة أن اهتمام الشؤون يمكن التدليل عليه من خلال وجود ملف خاص لكل طفل من هذه الشريحة
وتضيف المرشدة الاجتماعية جود خريوش على ما أوضحه زميلها لبادة بقولها إن متابعة الأطفال تتركز على عدة جوانب من أهمها تحذيرهم من «الاستغلال» بجميع أنواعه وخاصة الجنسي والاقتصادي، الى جانب قيام القسم بالتشبيك مع المؤسسات ذات العلاقة ومساعدة عائلات الأطفال إذا تبين أنها بحاجة الى المساعدة النقدية، وكذلك إلحاق الأطفال بمركز تأهيل الشبيبة التابع للشؤون في بلاطة البلد. وتشير الى أن هناك محاولات من جانب الشؤون للتنسيق مع بعض رجال الأعمال لتوفير فرص عمل لذوي هؤلاء الأطفال.
المشكلة تفاقمت:
وتوضح الرائد غادة دويكات مدير قسم الأحداث في شرطة نابلس لـ»حياة وسوق» أن استغلال الأطفال كأيد عاملة رخيصة موجود في محافظة نابلس خاصة في جنوبها، وتحديدا في منطقة مستوطنات المقامة على أراضي الأغوار الشمالية، وتوضح أن قانون العمل يحظر تشغيل الأطفال دون الـ 15 عاما، ويضع شروطا صارمة لعمل الأطفال فوق الـ 15 عاما.
وكشفت دويكات أن مشكلة عمل الأطفال وما رافق ذلك من ممارسات سلبية بحقهم، تفاقمت خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة في مستوطنات الغور ومنطقة ريف جنوب وشرق نابلس.
واضافت ان محافظ نابلس اللواء جبرين البكري شكل لجنة طارئة لمنع عمالة الأطفال تضم الشرطة ووزارات التربية والعمل والشؤون، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، ووكالة الغوث.المساهمة في محافظة الأب على ابنه.
حياة وسوق – رومل السويطي