الجزائر: وجهت الجزائر، يوم أمس، ضربة عنيفة للجماعات الجهادية في شمال أفريقيا، بعدما سعت تلك الجماعات لنقل نار الحرب الفرنسية على مالي إلى الأراضي الجزائرية، عبر احتجاز عشرات الرهائن، بينهم أجانب، في منشأة نفطية، على مقربة من الحدود مع ليبيا.
وشن الجيش الجزائري هجوماً على موقع تغنتورين لإنتاج الغاز في منطقة ان امناس الواقعة في الجنوبي الشرقي للبلاد، وذلك لتحرير مئات الرهائن الجزائريين والأجانب احتجزهم مسلحون إسلاميون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» فجر يوم أمس الأول، من دون أن يتضح، حتى ساعات متأخرة من ليل أمس، حجم الخسائر البشرية الإجمالية التي أسفرت عنها تلك العملية، وإن كانت هناك معلومات شبه مؤكدة تشير الى وجود قتلى في صفوف الرهائن ـ وبعضهم غربيون ـ وهو ما جعل حكومات غربية توجه انتقادات صريحة ومبطنة للجانب الجزائري على خلفية تنفيذ العملية من دون أن يعلمها مسبقاً بذلك.
وذكرت مصادر أمنية جزائرية إن القوات المسلحة شنت عملية عسكرية سريعة لتحرير الرهائن، وقد شاركت فيها وحدات من القوات الخاصة معززة بمدرّعات وطوافات، وشهدت عمليات قصف جوي على المنشأة النفطية.
وفيما تباينت المعلومات بشأن سير العملية العسكرية طوال اليوم، ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية ليلاً أن «الهجوم الذي قامت به القوات الخاصة للجيش الشعبي الوطني لتحرير العمال الجزائريين والأجانب المحتجزين كرهائن انتهى مساءً».
ثم تلا وزير الاتصال الجزائري محمد السعيد بياناً عبر التلفزيون الجزائري أكد فيه «تحرير عدد كبير من الرهائن الجزائريين والأجانب والقضاء على عدد كبير من الإرهابيين الذين حاولوا الفرار»، معرباً عن أسفه لسقوط «بعض القتلى».
ولاحقاً أعلن وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية ان المجموعة الإسلامية المسلحة التي نفذت الهجوم على موقع لإنتاج الغاز في ان امناس «جاءت من ليبيا وحضرت للعملية هناك».
وأوضح الوزير الجزائري أن «كل المعطيات والحقائق كشفت ان المجموعة الإرهابية التي هاجمت القاعدة البترولية في ان امناس جاءت من ليبيا»، مشيراً إلى أن «العملية تمت بتخطيط وإشراف الإرهابي مختار بلمختار على الأراضي الليبية».
ولم يقدم وزير الداخلية تفاصيل عن حصيلة العملية العسكرية التي قام بها الجيش «لتحرير الرهائن».
لكن مصدراً أمنياً جزائرياً قال إن 11 متشدداً إسلامياً على الأقل، بينهم قائدهم، قتلوا في العملية، موضحاً أن من بينهم جزائريين احدهما هو زعيم المجموعة طاهر بن شنب ـ وهو قائد بارز في المنطقة – والملقب باسم «ابو البراء الجزائري»، الى جانب ثلاثة مصريين وتونسيين اثنين وليبيين اثنين ومالي وفرنسي.
وأضاف إن 30 رهينة قتلوا، وقد تم التأكد من جنسية 15 منهم، موضحاً أن من بين القتلى الذين تم التعرف إلى هويتهم حتى الآن سبعة أجانب.
وكان المقاتلون الإسلاميون هاجموا فجر أمس الأول موقع الغاز القريب من الحدود الليبية، وتمكنوا من خطف حافلة لنقل العمال الأجانب، لكنهم واجهوا مقاومة شديدة من قوات الدرك المرافقة للحافلة واضطروا الى التراجع باقتياد الحافلة بركابها الى داخل مجمع الغاز.
وقتل في العملية عامل جزائري وآخر بريطاني واصيب ستة آخرون بجروح، بينما بقي 41 أجنبياً وعشرات الجزائريين رهائن لدى المسلحين.
ويعمل في موقع الغاز تغنتورين في ان امناس (1600 كيلومتر جنوبي شرقي الجزائر) 700 شخص، غالبيتهم من الجزائريين، لمصلحة شركات «بي بي» البريطانية و«ستات اويل» النروجية و«سوناطراك» الجزائرية.
وحاصر الجيش الجزائري الذي يملك قاعدة غير بعيدة من الموقع، الخاطفين ومنعهم من الفرار بالرهائن.
وأكدت جماعة إسلامية، في بيان، تبنيها خطف الرهائن، وطالبت بوقف «العدوان الغاشم» على مالي، بحسب ما أوردت «وكالة نواكشوط للأنباء» الموريتانية الخاصة.
وأضاف البيان، الذي حمل توقيع «كتيبة الموقعين بالدماء» التي أسسها مختار بلمختار، المكنى خالد أبو العباس، «إننا في كتيبة «الموقعون بالدماء» نعلن عن قيامنا بغزوة مباركة رداً على التدخل السافر للقوات الصليبية الفرنسية في مالي وسعيها لخرق نظام الحكم الاسلامي في ازواد» (شمال مالي).
وأسس بلمختار هذه الكتيبة في بداية كانون الأول الماضي بعد تنحيته من قيادة كتيبة «الملثمون» وانفصاله تماماً عن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
وقال خبراء أمنيون إن الغارة كانت مدبرة سلفاً بالرغم من ان قرار تنفيذها تأثر بالأحداث في مالي، في وقت رأى ضابط الاستخبارات الجزائري السابق شفيق مصباح أن ما يجري حالياً في ان اميناس دليل على «تغلغل الجماعات الإرهابية في الصحراء الجزائرية»، مضيفاً، في حديث إلى صحيفة «الشروق» الجزائرية، إن «هذه العملية ليست إنذاراً بالنسبة للأطراف الغربية وحدها، ولكن هذا الإنذار الدموي موجه للجزائر كذلك بعدما فتحت مجالها الجوي للطيران الحربي الفرنسي».
وقبل ساعات قليلة من إعلان القوات الجزائرية عن حسم المعركة، نقلت «وكالة نواكشوط للأنباء» عن متحدث باسم الخاطفين قوله «لقد قتل نحو 34 رهينة و15 من خاطفيهم في قصف الجيش الجزائري»، مؤكداً مقتل «أبو البراء»، الذي قاد المجموعة التي نفذت الهجوم.
وإذ أوضح المتحدث انه يتحدث من داخل المجمع، أكد أن بين القتلى غربيين، من دون ان يوضح أعدادهم او جنسياتهم، مشيرا الى ان الخاطفين كانوا يحاولون «نقل قسم من الرهائن الى مكان أكثر أماناً على متن حافلات» حين تدخل الجيش جواً ما أدى الى «مقتل رهائن وخاطفين في الوقت نفسه».
«وكالة الأنباء الجزائرية» من جانبها أكدت قبل ساعات من انتهاء العملية إن الجيش الجزائري تمكن من تحرير 600 جزائري من عمال الموقع النفطي.
وصباحاً، تمكن 15 رهينة من الأجانب، بينهم زوجان فرنسيان، من الفرار من خاطفيهم، وفق ما أكد تلفزيون «النهار» الجزائري الخاص.
كذلك، أعلنت سلطات ولاية ايليزي التي تتبع لها منطقة ان اميناس ان ثلاثين عاملاً جزائرياً تمكنوا من الفرار من خاطفيهم، بينما أطلق المسلحون مجموعة أخرى من الرهائن الجزائريين.
وبعيد بدء هجوم القوات الجزائرية لتحرير الرهائن، طالب بريطاني وايرلندي وياباني قدّموا على أنهم من الرهائن المحتجزين الخميس عبر قناة «الجزيرة» بانسحاب الجيش الذي يحاصر موقع الغاز حيث هم محتجزون.
وفي باريس، أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن «ما يحدث في الجزائر يشكل تبريراً إضافياً للقرار الذي اتخذته باسم فرنسا لمساعدة مالي عملاً بميثاق الأمم المتحدة وتلبية لطلب رئيس هذه البلاد».
وفي واشنطن أعربت الإدارة الأميركية عن قلقها حيال العملية العسكرية في الجزائر مؤكدة سعيها الى الحصول على «توضيحات» من السلطات الجزائرية.
وفي لندن، أعرب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن أسفه لعدم قيام السلطات الجزائرية بإبلاغه مسبقاً بالعملية التي شنتها قواتها المسلحة.
أ ف ب، رويترز، أب، أ ش أ