بعد سبعة أيامٍ من “حرب غزة 2014″، وبعد نحو 1200 شهيد وجريح، انعقدت اللجنة المركزية لحركة “فتح”، في رام الله، لمناقشة الأوضاع.
تأخر غريب، أعقبته تصريحات وأخبار صحفية عن الاجتماع، تعني أننا أمام حركة عاجزة عن التأثير في الأحداث. وبالتالي، أن هذه الحرب تأكيد عملي بأنّ الحركة فقدت مكانتها القيادية وفقدت دورها المؤثر، بغض النظر عن الحديث عن أي إرث تاريخي أو امتداد جماهيري.
معالم هذا العجز ومظاهره يمكن توضيحها في النقاط التالية:
أولا: عدم امتلاك قرار الحرب والسلام، أو بكلمات أخرى عدم امتلاك قرار المواجهة والتهدئة. فحتى أقل من عشر سنوات خلت، كانت الحركة والمكان الذي يكون فيه رئيسها هما مكان قرار الشعب الفلسطيني، ومن أراد هدنة أو تهدئة أو صفقة يأتي إليها. أما اليوم، فإن من يتخذ مثل هذه القرارات أطراف أخرى، ولا أهمية تذكر لموقف الحركة من التصعيد أو التهدئة؛ فهي ليست قادرة على اتخاذ القرار في الحالتين، خصوصاً في “غزة”. وباتت قيادة الحركة تقول إنّها تسعى وتبذل جهوداً للتوصل إلى تهدئة، وهو إقرار عملي بأنّ أقصى ما يمكن أن تفعله هو “الوساطة”، والقائد لا يكون وسيطاً، بل من يمتلك القرار. وبالتالي، فإنّ أعضاء اللجنة المركزية، بلا استثناء، لا يمتلكون القدرة على التأثير في سير أو وقف المواجهات مع الإسرائيليين، بعد أن كانوا من يصنعها ومن يوقفها؛ كما لا يمتلكون قرار حراك سياسي أو غيره.
ثانيا: منطق “البدء بالدراسة”. فقد باتت أطر واجتماعات الحركة من دون أهمية، وإلا فما معنى هذا التأخير في عقد الاجتماعات؟! أمّا القرارات، فلا تخلو من الغرابة؛ فإذا تم تجاوز التركيز على التحرك لإيصال رسائل لمسؤولي المنظمات الدولية، وهي رسائل ضئيلة الأهمية لأنّ قدرة هذه المنظمات على التأثير في القرار الإسرائيلي محدودة للغاية، فإنّ بعض التصريحات يبدو غريبا. فمثلا، يقول عضو في اللجنة المركزية، قبيل الاجتماع المشار إليه، إن “اللجنة السياسية المنبثقة عن القيادة الفلسطينية اتخذت جملة من القرارات، أهمها طلب البدء بدراسة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني”. والغرابة في التصريح أنّ “القيادة الفلسطينية” في زمن الحرب ما تزال تفكر بمنطق “البدء بدراسة”.
ثالثا: الارتباك الإعلامي. إذ كان جزءٌ كبيرٌ من قوة “فتح” قدرتها على صياغة شعارات جماهيرية، يقوم الشعب بالالتفاف حولها وتحويلها إلى برنامج عملي. وكانت قيادة الحركة تشتهر بعبارات وكلمات توضح مكانتها. فمثلا، كان ياسر عرفات يفتخر بأنّ الجميع يريد قلمه (أي إنّه من يمتلك صلاحية التوقيع)، وكان يستخدم كلمة “الرقم الصعب”، بمعنى أنّه لا يمكن تجاوزه وتجاوز حركته. وحتى عندما تقع خلافات كبرى بين أركان القيادة التاريخية للحركة، كان يحلو للبعض القول إنّ هذا “توزيع أدوار”، خاصة أنّ وحدة الحركة كانت تستعاد في أول مواجهة مع العدو، أو أي طرف عربي أو فلسطيني. الآن، فإنّ أكثر قرار استوقف الإعلام بعد اجتماع “المركزية” (خصوصا وسائل التواصل الاجتماعي) إقالة من يوصف بأنّه الناطق الرسمي باسم حركة “فتح” في أوروبا، جمال نزال، بسبب تصريحاته. ويأتي هذا بعد سلسلة تسريبات وتقارير كاذبة عن نقاشات وخلافات في قيادة الحركة، وتحديداً بين أعضاء في “المركزية” والرئيس محمود عباس، في اجتماعات (لم تعقد أصلا)، فيما يبدو أنّه تسريبات وجزء من حرب إعلامية تنشط فيها المواقع القريبة من العضو المفصول من “المركزية” محمد دحلان. وكانت هذه الأخبار أكثر ما استأثر بالاهتمام من بين أخبار الحركة الأخرى، بدل الاهتمام بقرارتها بشأن الحدث على الأرض. في الأثناء، وجدنا أنّ “حماس” و”الجهاد” لا يمتلكان القرار العسكري وحسب، بل وحتى فضائياتهما التلفزيونية باتت مصدر الخبر الأول عند مختلف المستويات، وتكاد محطة “فلسطين اليوم” تكون الأكثر مشاهدة فلسطينيا؛ فهي أكثر من ينقل الحدث وأكثر من يقدم تفاصيل.
قرار الحدث اليومي إذن ليس مع “فتح”، وقرار التفكير الاستراتيجي والتحرك الدولي يتم ببطء . ثُمّ إنّ التخبط الإعلامي والخلافات (المزعومة) هي الأكثر حضوراً.
ومن دون عملية إنقاذ كبرى، ستفقد الحركة مكانتها ودورها.