من قراءة مسار التطورات والتحولات العربية، وأولويات الثورات العربية، يتضح بجلاء أن الأولوية الرئيسة هي التمكين للحكم الإسلامي بقيادة الإخوان المسلمين، مدعومين بدعم مطلق من التيارات الإسلامية الأخرى، وخصوصاً التيارات السلفية . الهدف هو الحكم والسلطة، والاستحواذ على كل المغانم السياسية التي جاءت بها الثورات العربية، بصرف النظر عن القوة الحقيقية التي تقف وراء هذه الثورات . هذا الهدف هو الذي يقف وراء سياسة واستراتيجيات الإخوان ليس للسيطرة فقط على أنظمة الحكم التي قامت فيها الثورات، بل على المنطقة .
لذلك فالاستراتيجية العليا لهذه القوى مكشوفة، وما يؤكد هذا التفسير الحيلولة دون مشاركة القوى المدنية الأخرى، التي إن لزم الأمر اتهامها بالخروج عن الدين، إضافة إلى معركة الدستور، والإعلانات الدستورية التى لا هدف لها إلا تمكين الحكم للإسلاميين . ومما يدعم هذا التوجه إقامة دولتهم “عابرة الحدود” .
الموقف الأمريكى والأوروبى الذي يدعم هذه التحولات، ولكن في إطار أهدافها واستراتيجيتها العليا، يفسر لنا أيضاً هذا الخطاب السياسي الإسلامي، والحوارات الإسلامية التي تتم في دوائر صنع السياسة الأمريكية والأوروبية . فالولايات المتحدة ومعها أوروبا وصلت إلى قناعة بعدم جدوى أنظمة الحكم السابقة، وأن التيارات الأقوى في المنطقة هي التيارات الإسلامية . لكن المعضلة كيف يمكن التوفيق بين أولويات الإخوان المسلمين في الحكم والسلطة على امتداد المنطقة، وبين استراتيجيات ومصالح الغرب بما فيها “إسرائيل”؟
الواضح أن الهدف الرئيس في بناء الدولة الإسلامية عابرة الحدود يواجه تحديات وعقبات ليست بالسهلة، ولعل التحدي الأكبر يتمثل في مدى قدرة الإخوان على بناء هذه الدولة في مصر، ومدى قدرتهم على تقديم نموذج لحكم إسلامي لا يبعث على القلق والتخوف، فمن الناحية الواقعية كل الدول العربية دول إسلامية، وتعطي للدين الإسلامي والشريعة الإسلامية أولوية كبرى، لكن الخلاف في مفهوم الحكم الذي يقوم على هيمنة تيار إسلامي معين بتوظيف سياسي للدين . هنا تكمن المعضلة الرئيسة .
وتحقيقاً للهدف الرئيس تعمل الحركات الإسلامية من خلال تبني استراتيجية إعادة بناء الدولة في الداخل، وخصوصاً مصر، لما لها من دور مؤثر وفاعل في منظومتها الإقليمية العربية . تتمثل عناصر هذه الاستراتيجية في السيطرة على مكونات الدولة، خصوصاً المؤسسات العسكرية والأمنية، والهيمنة على القوة الاقتصادية، وإعادة بناء السلطة القضائية، وإعادة صياغة المناهج التعليمية، والإعلامية، وذلك من خلال فرض دستور يضمن استمرارية حكم الإخوان ليس لفترة رئاسية واحدة، بل العمل على ديمومة هذا الحكم، استناداً إلى فرضية أن الحكم السابق قد استمر لعقود طويلة وهو حكم استبدادي سلطوي، فما هو الحال بالنسبة لحكم يقوم على الإسلام الذي لا يقبل المنافسة من منظومة علمانية دنيوية .
لذلك، الفرضية التي يقوم عليها هذا النموذج هو ديمومة الحكم ولو اقتضى ذلك اللجوء إلى القوة والعنف . ولعل هذه أحد أهم التحديات التي تواجه بناء نموذح حكم إسلامي . والتحدي الآخر هو أن هذا الحكم جاء في ظل بيئة سياسية متغيرة وجديدة في معطياتها وقواها المؤثرة، ولا يمكن للقوى الإسلامية أن تتجاهل وجودها وتأثيرها في الساحة السياسية العربية، وهذا يعني أن الفترة الانتقالية قد تطول، وستكتنفها معيقات وعقبات كثيرة، وقد تتخللها أعمال عنف، وعدم استقرار، وكلها عوامل قد تفقد نموذج الحكم الإخواني صدقيته وقبوله داخلياً وخارجياً . لذا وجب إدراك أن جماعة الإخوان، ومعها القوى السياسية الإسلامية الأخرى، جاءت لتحكم بأي وسيلة، لا لتخرج من الحكم .
الخليج الإماراتية