قد يبدو تَعْبير “عَصيرُ المُفاوضات” بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” غريباً، لكن مقالة شمعون شيفر في صحيفة “يديعوت” انتهت إلى ذلك فما يقوله عن عَبثيّة هذه المُفاوضات وإضاعتها للوقت هو أنها أشبه بليمونة ناشفة لن تحصل الأصابع المشتبكة عليها على قطرة واحدة منها، والذهاب على هذا النحو من التشبيهات السّاخرة هو نتيجة الضّجر من الكلام المُتكرّر منذ أعوام، بحيث أصبح ما يحدث اجتراراً لا أكثر ولا أقل . ما دامت المعوقات التي تحول دون أي تقدم في المفاوضات جذرية .
فَـ”تَل أبيب” تصرّ على يهودية الدولة أو هذا على الأقل ما لا يَكلّ نتنياهو من تكْرارِهِ صَباح مساء وباللغتين العبْرية والإنجليزية ولو كان يعرف السِّنْسكريتية لردّده أيضاً بها .
والفلسطينيون لا يستطيع أي طرف منهم المَسّ بثلاثة ثوابت وطنية هي حق اللاجئين في العودة وحدود عام 1967 والقدس الشرقية كعاصمة لدولتهم الموعودة .
لقد حددت الولايات المتحدة تسعة أشهر لإعلان المولود المُنْتَظر من هذه المفاوضات حتى لو كان المخاض عسيراً وباهظ التكلفة، لكن وعود واشنطن عُرْقوبيّة أيضاً، على الأقل بالنسبة إلى العرب الذين جربوها صَيفاً وشتاءً وخريفاً وربيعاً .
فالوعد الذي تَورّط به أوباما كان إعلان الدولة عام ،2011 أي قبل أكثر من عامين، وانتهى هذا الوعد إلى ما انتهى إليه وَعْدُهُ بإسْدال السّتار على غوانتانامو .
مقالة شمعون شيفر لا تُعْلن السّأم من الاجترار السياسي الذي انتهت إليه المفاوضات كما بدأت به فقط، بَلْ يرصد خُطَبَ نتنياهو التي كما يقول سوف تنتهي إلى مَزْبَلةِ التاريخ، لأن هذا الراديكالي المصاب بالعمى ينعق ولا يغرد خارج الأسراب كلها، فالعالم الآن لا يقبل ما كان بالأمس القريب قابلاً لذلك، والاحتلال هو النُّدْبة الأخيرة المتبقية على جبين هذا الكوكب، لكن من قَرّروا أن تكون مَرْجعيّتهم الأسطورة لا التاريخ سوف يَمْضون حتّى النهاية في اجْترار أُطْروحةٍ أنْهى التّاريخ صلاحيّتها منذ زمن، لكن الأسطورة تصبح خطيرة وربما أخطر من التاريخ ذاته عندما تكون مدججة بسلاح نووي، وبانحياز أعمى من آخر الإمبراطوريات .
ما من مفاوضات في تاريخ العالم كانت مجرد غاية لا وسيلة . بحيث يصبح التفاوض من أجل التفاوض فقط، ولعل هذا هو مصدر السّأم بل الغثيان السياسي الذي أصبح البعض يشعرون به كُلّما قرأوا نَبأ عن استئناف المفاوضات، فَمَن يُصرّ على يهودية الدّولة لَنْ يَقْبَلَ بالضرورة بأيّ حلٍّ يتعارض مع هذا الشرط لهذا لم يبالغ مَنْ قال إن هذا الشرط أكبر من سور الصين العظيم، وبمعنى آخر فهو شَرْطٌ المَقْصُود به التَّعْجيز وإدامة الأمر الواقع، فالمطلوب من هذه المفاوضات الاجترارية هو كسب الوقت فقط لطرف وإضاعته لطرف آخر هو المحتل والمُفْتَرى عليه .
الخليج الاماراتية