الايام – بديعة زيدان:من المؤكد حين كتب القاص الإيراني إسماعيل فصيح، المولود في العام 1935، قصصه “جُلْ مريم”، “وعشق”، و”الولادة”، لم يكن يعلم أنه سيأتي عام ما بعد العشرين من الألفية الثالثة تقود فيه الإيرانيّات ثورة في بلادهن، دفاعاً عن حريّاتهن، وحقهن في الاختيار، ويعانين الاضطهاد على يد “بوليس الملالي” بشكل مختلف عن ذلك الاضطهاد التي عاشته “مريم” أو “الزوجة” التي تبلغ من العمر 21 عاماً، أو “زانو” قبل خمسينيات القرن الماضي.
وهذا ما ينسحب أيضاً على جلال آل أحمد المولود في العام 1923، والزوجة التي كان عليها التخلص من الطفل الذي لا يريده زوجها في قصّته “ابن للناس”، أو تلك التي عاشت 34 عاماً من الوجع بين جدران منزل والدها في قصّته “النساء كُثر”.
وعن ترجمة لعبد الكريم جرادات، نشرت دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، قصصاً مختارة من الأدب الفارسي، تحت عنوان “غرف غارقة في الصمت والظلام”، تناولت جلّها معاناة المرأة الإيرانية، وما تواجهه من اضطهاد مجتمعي حدّ امتهان كرامتها، لدرجة باتت تشعر وكأنها ليست أكثر من أداة بين جدران الأب، أو الزوج، أو مستضافة من أخ أو خال أو عم، لا إنسانة لها من الحرية والرغبة والحضور ما لأقرانها الذكور من جهة، وما لغيرها من النساء اللواتي يتمتعن بحقوقهن في جغرافيّات أخرى، وإن كان اختلاف السياقات والتأويلات لمعاني الحرية والحقوق والعدالة والمساواة بحاجة إلى التدقيق الأكثر في ظل استباحة كرامة المرأة بطرق تبدو حضارية في الأجزاء المقابلة للشرق من العالم.
وإضافة إلى فصيح وآل أحمد، تحضر قصّة جمال مير صادقي “عيناي متعبتان” عن حكاية الأب الضخم والجليل والابن الوحيد المريض والنحيل، وخيبة الأمل التي ظلت ترافقه منذ وفاة الزوجة الأم، التي لم تعوّضها العمّة ولا والدة الرفيق، في رحلة بحث الابن “ضياء” عن ذاته، هو المنبوذ، بعيداً عن جلباب والده “الحاج يحيى”.
ومير صادقي من مواليد طهران في العام 1933، وينتمي إلى الجيل الثاني من الكتاب الإيرانيين، وعرف كمؤسس للحركة الواقعية الاجتماعية في القصة القصيرة الإيرانية.
وكان ثمة حضور مهم عبر قصّة “هتاو”، وهو اسم علم كردي يعني “شمس”، للقاص علي أشرف درويشيان، متحدثاً عن حقبة كانت فيها الطفلة الكردية ووالدها يعملان على حصاد القمح بالقرب من تلك المزرعة، حيث كان “الأميركان يثقبون الأرض بحثاً عن النفط في الأراضي المجاورة للبلدة، والذي مع الوقت أثقلته الديون فرضخ لطلب الدائن بتزويج ابنته لابن الدائن دون رغبتها ورغبة جدتها والدته، ولكونها كانت لا تزال طفلة، وضع والد زوجها يده على القرآن وأقسم بألا يسمح لأحد بالاقتراب منها حتى تبلغ، وردّد ابنه “العريس” القسم من بعده بألا يقترب منها حتى تبلغ، قبل أن يقتادوها معهما، وهي تبكي وتصرخ وتضرب بقديمها الأرض، حتى “سقطت لعبتها من يدها، ولم تتمكن من التقاطها”.
ومن بين المختارات القصصية، التي تفضح ما تعانيه الإيرانيّات في مجتمعهن، كانت “الاصطدام” للقاصة الإيرانية سيمين دانشور المولودة في العام 1921، وبدأت الكتابة في عمر السادسة عشرة أي العام 1937 بمقال منشور، في حين نشرت أولى مجموعاتها القصصية في العام 1948 بعنوان “النار المنطفئة”، وضمت ست عشرة قصة قصيرة، وهي أول مجموعة قصصية في إيران كاتبتها امرأة.
وفي “الاصطدام” كانت المفاجأة أن السارد “ذكر” يتحدث عن جارته “صدّيقة” التي تجيد قيادة السيارات وتدخن السجائر، والغيرة التي تولدت تجاهها من زوجته التي بدأت تلحّ في طلباتها تبعاً لرغبتها في المجاراة، حتى أن والدته تطلب منه الاستعانة بكتاب أدعية، ومن ثم قراءة آيات قرآنية لعلها تنجح في الحد من رغبات زوجته التي نجحت في الحصول على رخصة القيادة رغم محاولاته ووالدته، وباتت تنتظر السيارة الموعودة، وهو ما كان، فبدأت تقود السيارة، ومعها تقود دفة السرد عبر رسائل كانت ترسلها لزوجها الذي غادر إلى منطقة أخرى في الجغرافيا الإيرانية تبعاً لمهام عمله، ليعاود القصّ وصولاً إلى موتها، ليست زوجته، كما خلنا، بل السيارة، وعلاقتهما، في قالب يحمل من الكوميديا ما يعبر عن الوجع في ما وراء متن الحكاية باقتدار.
جدير بالذكر أن دانشور حازت في العام 1949 على درجة الدكتوراه في علم الجمال من جامعة طهران، وتزوجت بعدها بعام من القاص الإيراني المشهور جلال آل أحمد، وفي العام 1969 نشرت عملها الروائي “النواح” وحقق انتشاراً لافتاً، ثم أتبعتها بمجموعتها القصصية “على من أسلم”، وفي العام 1981 نشرت كتاب “غروب جلال” عن زوجها الذي رحل، كما عملت مدرّسة للموسيقى بمدرسة الموسيقى العالية في طهران، قبل أن تدرّس الأدب والفنون في جامعة طهران لأكثر من عشرين عاماً، وتقاعدت منها في العام 1999.
وإضافة إلى التأليف اشتهرت دانشور بالترجمة، فكان من بين ترجماتها المشهورة إلى الفارسية، روايتا “بستان الكرز” للروسي أنطون تشيخوف، و”ابكِ أيها الوطن” للجنوب إفريقي آلان باتون، وغيرهما، كما كانت لها الريادة في كتابة القصة الإيرانية التي تعنى بهموم نساء بلدها، حتى أنها وصفت بـ”نافخة الروح الجديدة في جثة الأدب النسوي الإيراني الهامدة، ومؤسسة المدرسة الأدبية التي تهتم بقضايا المرأة وعوالمها المهملة”، عبر تبنيها قضية المساواة بين الجنسين، ومحاربة سلطة الرجل عليها لكونه رجلاً فحسب، ما دفعها للاحتجاج عبر كتاباتها على العادات والتقاليد السائدة المتعلقة بالمرأة.
وكان في “غرف غارقة في الصمت والظلام” حضور لفروغ فرخزاد التي اشتهرت كشاعرة رغم رحيلها المبكر عن 32 عاماً في 1967، عبر قصّتها “كابوس”، والتي من خلالها تتشكل علاقة كراهية بين الطفل “برويز” ووالده الذي شاهده وهو يقتل والدته خنقاً، قبل أن يتأكد أن والدته على قيد الحياة، بل على قيد الحب مع والده، وأن الأمر لا يعدو كونه كابوساً.
وتؤكد القصص على مقولة مترجمها: إن “أحلام الإيرانيات لا تختلف كثيراً عن أحلام المشرقيّات”، وإنها “لن تتحقق طالما ينظر إليهن بمنظار بعض العادات والتقاليد التي وصفها مثقفات ومثقفون إيرانيون كثر بالبالية”.
“غرف غارقة في الصمت والظلام”.. معاناة الإيرانيّات في قصص
