خان يونس / طلب الشاب محمد الخضري من أمه بعض المال لشراء احتياجاته، أبلغته الأم بأنها لا تملك ما يطلب، بدا الغضب على وجهه بصورة غير مسبوقة، ثم خرج من منزله في منطقة السطر الغربي في خان يونس جنوب قطاع غزة، واشترى من أقرب محطة وقود لترين من البنزين، ذهب على بعد عشرات الأمتار وسكب البنزين على نفسه ثم أشعل النار، ليشاهد المارة إنساناً يسير محترقاً لأول مرة في حياتهم وهو يصرخ بصوت مرتفع، سمعه وشاهده من كان يقف على الطريق الرئيس، أسرعوا إليه لإطفاء النار، لكنها كانت قد التهمت أجزاء كبيرة منه.
هذه رواية نقلتها عن شهود عيان وجيران ومصادر متعددة قريبة لعائلة الشاب الخضري الذي أحرق نفسه قبل أيام، في حكاية مؤلمة قد تضع نهاية مأساوية لحياة شاب قرر الخلاص مما أسماه بـ”هموم الدنيا” بنفسه وأمام مرأى ومسمع الجميع.
وذكرت إحدى شقيقات محمد الأربع إنه إنسان طبيعي كغيره من الشباب وليس لديه أي مشكلة نفسيه كما ينقل البعض، لكنه كان يرغب في حياة مختلفة عن التي يعيشها، ويحرم خلالها من توفير احتياجاته اليومية كشاب، مشيرة إلى أنها لم تكن المرة الأولى التي لا تتمكن العائلة من توفير المال له لشراء ما يحتاج، لكنه هذه المرة فاجأ الجميع بهذه الخطوة الخطيرة.
وقالت: “لم نكن نتوقع ذلك، صحيح أنه طلب من أمي مال ولم يأخذ، لكنها والله لم يكن معها من المال شيء، خرج غاضباً ولم يعد”.
وأضافت: “الجميع يشعر بألم لما حدث ونحن ما زالنا لا نصدق أن شقيقي محمد أقدم على هذه الخطوة المؤلمة، الجميع من حولنا يسألنا لماذا سمحتم له بذلك؟ لكن ليس بيدنا حيلة، لو علمنا ذلك لمنعناه”.
أما الأوضاع المعيشية لعائلة محمد نفسها، فيكفي زيارة لمنزلها لتتكشف تفاصيل حكايا الألم والعوز والفاقة، إذ اضطرت العائلة للتنقل أكثر من مرة من منطقة إلى أخرى، بحثاً عن منزل بسعر متواضع، يستر أبنائها الخمس وبناتها الأربع من شظف الحياة الصعبة.
المنزل عبارة عن ثلاث غرف مع ساحة صغيرة وكلها لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، فالحوائط غير مقصورة أو مدهونة والأرضيات عبارة عن رمال، أما المطبخ فيمكن وصفه بكل شيء سوى أنه مطبخ. مشهد يشير إلى حقيقة الأسباب التي قد يودع من أجلها الشاب الخضري الدنيا حرقاً أو انتحار كمل يقول البعض، إذا لم تسعفه رحمة الله عز وجل.
إذن هي الحاجة التي أوصلت محمد وغيره ممن أحرقوا أو حاولوا إحراق أنفسهم في الأراضي الفلسطينية، قالت شقيقة أخرى لمحمد، وهي تواصل بكائها مع شقيقاتها اللواتي يتحدث عن رغبتهن في العيش بكرامة وإنسانية أسوة بالبشر، من دون فقدان شقيقهم فقط لأن العائلة لا تملك قليلاً من المال.
وأضافت: “لا أتوقع انتهاء ظاهرة حرق النفس طالما استمرت الظروف الراهنة على حالها، أتمنى أن يكون محمد آخر من يقدم على سلوك من هذا القبيل، حتى لا تتألم أي عائلة فلسطينية مجدداً مثلما تألمنا”.
وتابعت: “هذه رسالة لأصحاب الأمر، أن اتقوا الله في الشباب المظلوم، الذي يبحث عن لقمة العيش ولا يجدها”.
كانت آخر كلمات محمد قبل نقله إلى المستشفى محترقاً، “سامحني يا ربي سامحني يا ربي، بدنا نرتاح من هذه الدنيا”، كما قال أحد شهود العيان، ووثق عبر هاتفه النقال مشاهد مؤلمة للغاية لهذه الحادثة، تبكي العين وتحزن القلب لمجرد مشاهدتها، وهي ترسم قصة موت أمام أعين الجميع.
محمد الأسطل – صحيفة القدس.