غزة – اجتمعنا في دارة قهوة مكتظة، لأن أبا أنس اعتقد بأن ذلك سيكون أكثر أماناً. وكان لاجئون من المناطق التي مزقتها الحرب في غزة قد أقاموا معسكر خيام مؤقتاً على فضاء عشبي في الجوار، وقد ملأوا المكان الآن، جالسين أمام مكان لبيع ساندويتشات الفلافل وأكواب الشاي. وثمة ثلاثة رجال بحوزتهم أجهزة لابتوب وهواتف خلوية وضعوها أمامهم وجلسوا معنا ولم يكونوا يتكلمون كثيراً —إنهم الفريق الإعلامي لكتائب المجاهدين.
يقول أبو أنس، الرجل ذو اللحية المشذبة في العشرينيات من العمر، أنه عاد لتوه من الميدان —وهو مقاتل في هذه الكتيبة الإسلامية التي تنسق عن كثب مع حماس في الحرب ضد إسرائيل. هو خريج جامعة ولديه وظيفة يومية كخطاط. ويضيف والبسمة ترتسم على شفتيه: لقد شاركت في كل الحروب الثلاث (ضد إسرائيل في الأعوام الخمسة الماضية)، وأرغب المشاركة في حروب أخرى.
يعتبر جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل، الشين بيت، كتائب الجهاديين مجموعة منبثقة عن كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح. وقال الشين بيت، أحدث ما يكون، أن هذه المجموعة طورت روابط مالية وعسكرية مع حماس، إلى درجة صارت معها من الناحية الفعلية “فرعاً” للحركة الإسلامية الأضخم التي تتخذ من قطاع غزة مقراً لها. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن الشين بيت أنه أفشل خطة للمجموعة لخطف إسرائيليين في الضفة الغربية. وبعد أشهر، كان نفس النوع من الهجوم سيفجر الجولة الراهنة من العنف.
لعبت كتائب الجهاديين دوراً نشطاً وفاعلاً في هذه الجولة من العنف. ويدعي موقعها الألكتروني بأنها ضربت إسرائيل بنحو 445 قنبلة وصاروخ وقذيفة هاون. وتنشر صفحتها على “اليوتيوب” صوراً بالحركة البطيئة لمنصات إطلاق الصواريخ التابعة للمجموعة. ويظهر شريط فيديو آخر لمقاتلي المجموعة في صورة تشبيهية أخضعت لعملية فوتوشوب خام وهم يخطفون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
قابلت “أبو أنس” يوم 9 آب (أغسطس) الحالي، أي قبل يوم من موافقة إسرائيل والفصائل الفلسطينية على وقف آخر لإطلاق النار مدته 72 ساعة. وقد بدأنا الحديث عن كيفية إنهاء الحرب -ليس الحملة الراهنة في غزة وإنما الصراع برمته.و كان المقاتل الشاب واضحاً: إنه لا يقاتل من أجل رفع الحصار عن غزة أو من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في حرب العام1967 وحسب، وإنما يريد ما هو أكثر من ذلك.
قال: “سوف نستمر في قتالنا حتى نحرر كل فلسطين… من رأس الناقورة (بلدة تقع على الحدود الشمالية الإسرائيلية اللبنانية) وحتى أم الرشراش (الاسم العربي لمدينة إيلات الجنوبية)”.
وماذا عن الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون راهناً في إسرائيل؟ وهل سيكونون موضع ترحيب في هذه الدولة الفلسطينية الجديدة؟
قال أبو أنس: “هذه ليست مشكلتي. يستطيعون الذهاب… لقد جاء اليهود من الأرجنتين ومن أوروبا، وباستطاعتهم العودة إلى أوطانهم الأم هناك.”
وقال أبو أنس أن كل الفصائل الفلسطينية —بما فيها كتائب الجهاد- متحدة وراء مطلب وجوب أن ترفع إسرائيل حصارها عن غزة كشرط لإنهاء هذه الحرب الراهنة. وأضاف أن هدف كتيبته هو “خوض حرب الله من أجل تحرير كل الأراضي المقدسة”، وهو هدف تشترك فيه الفصائل الفلسطينية التي تقاتل معه، خاصة حماس والجهاد الإسلامي.
أردت أن أعرف رأي أبي أنس في تغييرات الحدود الأوسع التي تجتاح الشرق الأوسط، وخاصة تقدم “الدولة الإسلامية” في شمالي العراق، والتي تهدد راهناً بالقضاء على مجتمعات الأقلية التي تكافح في العراق. وهل يرى في الدولة الإسلامية قوة من أجل التحرر السني —حركة لا تحاول وحسب اكتساح المليشيات الكردية والقادة الشيعة في العراق وسورية، وإنما يمكن أن تكون أيضاً شريكاً محتملاً في مقاتلة إسرائيل؟
كان جوابه في البداية غامضاً. قال: “إننا لا ننتقد أي مجموعات أخرى. أي طرف يقاتل الإسرائيليين ويريد تحرير القدس وفلسطين نحن معه”.
وعندما ألححت عليه أكثر، رفض أبو أنس التفكير في أي ميدان معركة وراء حدود فلسطين الانتداب البريطاني. وسخر من فكرة الاصطفاف إلى أحد الجوانب في حرب سنية شيعية، وقال إنه سيدعم أي مسلم يركز على تحرير فلسطين. ويفترض أن يشمل ذلك الدعم من جانب إيران الشيعية في غالبيتها، والتي قدمت الدعم العسكري لحماس خلال الصراع الراهن.
وقال: “إن قصة (الانقسامات) السنية الشيعية كانت من خلق إسرائيل. إنها تحاول محو هذه المسألة بغية إضعاف الأمة (الإسلامية) وصرف التفكير عن فلسطين.”
بالرغم من صمود آخر وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، فإن الحرب بالنسبة للرجال الشباب، مثل أبي أنس، لن تتوقف. فقد دمر بيته في الحرب، كما قال، وتسبب القصف الإسرائيلي في مقتل واحد من أبناء عمومته “كان في منزلة أخي.” وبينما قال أنه سيحترم أي وقف للعنف يوافق عليه الوفد الفلسطيني في القاهرة، فإنه ميز بين الأجنحة السياسية والعسكرية للأحزاب: إن الأجنحة العسكرية متحدة تماماً، كما قال، حتى لو كانت لدى القادة السياسيين أهداف مختلفة وهم منخرطون في مناوراتهم الخاصة.
بالنسبة لأبي أنس، فإن الدبلوماسيين يقفون في مكان بعيد جداً بينما يقف رفاقه العسكريون كقوة دائمة الحضور في حياته. وهو يتحدث بسعادة عن قدرات كتيبته الجهادية —الصواريخ التي أطلقتها والأنفاق التي بنتها، ووحدات “القوات الخاصة” التي واجهت الجنود الإسرائيليين خلال الغزو البري لغزة. وقال إن المجموعة فقدت تسعة مقاتلين في هذه الجولة الراهنة من العنف، وهي مستعدة للتضحية بالمزيد.
وقال: “منذ بداية الحرب، وحتى خلال التهدئة، لا نترك مواقعنا أبداً، وسوف نظل هناك وفي أنفاقنا حتى تضع هذه المعركة أوزارها… وحتى نحرز النصر.”
الغد الاردنية