لن تحصل اسرائيل على عوائد من حربها على غزة برا وبحرا وجوا، فالربح الصافي لاسرائيل قد تحقق فعلا منذ اشتعال معارك الداخل العربي في ربيعه الاسود وتفكك الدولة العربية من الداخل وتعاظم قيمة الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، فالعمق الاستراتيجي للفلسطينيين مضروب في اعصابه الحساسة “ مصر، سوريا والعراق “ واللحظة الفلسطينية لا تحتمل حربا بمسدسات مائية فكيف بالقصف من كل الجهات؟
العوائد للكيان الاسرائيلي ستأتي من خارج الجغرافيا الفلسطينية، فما يقوم به اعلام مصر واعلام محور الاخوان قادر على غرس كل الخناجر في قلوب اهل غزة ومن يتضامن معهم، فهناك اتهامات واضحة من اعلام المحور “ الاخواني القطري التركي “ لمصر والامارات بدعم العدوان البري بل وتمويله للتخلص من حماس والاخوان واتهامات بفساد التبرعات من مصر، وبالمقابل هناك اتهامات للمحور الاخواني برفض التهدئة المصرية بضغط من تركيا وقطر والسماح بجريان الدم الغزّي لحسابات حماس والمحور الاخواني، وكلها تراشقات سرعان ما يتعامل معها المواطن العربي بصدقية عالية، فهناك مصري يتبرع بشتم الفلسطينيين نيابة عن اسرائيل وشتم كل من يقف معهم، وهناك من يشتم المصريين ويتهمهم بالولوغ بدم اهل غزة .
الداخل الفلسطيني محاصر بالمحورين وما يجري في القاهرة عمليا هو تعبير واضح عن صراعات المحورين وموازين القوى داخل كل محور وارتداداته على الساحة الفلسطينية، والجميع ينتظر تصاعد الدخان الابيض من قصر الاتحادية لاعلان التهدئة او وقف اطلاق النار، مثلما حصل في العام 2012 برعاية مصرية ابان حكم مرسي، حيث منحت وقتها حماس ورقة التهدئة لمرسي في حين حجبتها عن مصر السيسي وليس خافيا اسباب المنح واسباب الحجب.
لكن الاوضح انه للمرة الاولى تُصبح غزة على وجه الخصوص وفلسطين عموما ساحة للتصفيات الاقليمية، ساحبة البساط من تحت اقدام بيروت التي اعتادت ان تكون ساحتها الداخلية ملعبا للاقليم، وهذا هو التطور النوعي الجديد على المسار الفلسطيني، فمنظمة التحرير طوال عمرها ملعب للانظمة ومكاتبها مكاتب ارتباط للاجهزة الامنية في بعض الدول ولكن الداخل بقي محكوما لاشتراطات اللحظة الفلسطينية واسئلة الامتحان الوطني رغم محاولات دول عديدة العبث في الداخل وبتر اليد العابثة، الى ما قبل فصائل الاسلام السياسي.
الآن تشهد مصر وجودا ثلاثيا لتعابير دول المحاور، وثمة لقاءات مصرية مباشرة مع طرفي محور الاعتدال علهما يصلان الى التوافق ولو مرحليا، وثمة مواكب تذهب الى تركيا ومواكب الى قطر، وهناك مواكب تتحرك في كل اتجاه، باستثناء مواكب باتجاه معبر رفح المغلق بأمر المحاور وليس بأمر اسرائيل، فالمعبر عنوان الصراع وعنوان الصمود وعنوان المرور الى الرأي العام الغزاوي والكل يستثمر المعبر لكي يحصل على مكاسب لمحوره وحلفه.
اطفال غزة ونساء غزة ورجالها ينتظرون ان تنجح الديبلوماسية الداخلية وليس الديبلوماسية الخارجية فغزة تحت حصار محاور الاقليم وتحت نيران القذائف الاسرائيلية التي وجدت افضل الفرص لقتل المزيد، بصرف النظر عن هويتهم التنظيمية او حمل احدهم السلاح او انتمائه الفصائلي، فالكل هدف لاسرائيل التي ترى كارثية في الوجود الفلسطيني، وليس في التواجد الفصائلي او تسليحه من عدمه، وتلك بديهية سياسية وتربوية في العقيدة الصهيوينية، ولكنها مثار جدل فلسطيني ومثار جدل عربي.
لأول مرة في العدوان على غزة والعدوان على فلسطين عموما، نرى شركاء مباشرين لاسرائيل، ونرى ان الدم الفلسطيني بهذا الرُخص على اهله وحلفائه، ولاول مرة نشاهد مفاوضات فلسطينية – فلسطينية لوقف الدم الفلسطيني الجاري لاهداف غير فلسطينية.
عن الدستور الاردنية