غزة – “الأناضول”: مع استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة منذ 11 شهراً، يواجه سكان محافظتي غزة والشمال صعوبات كبيرة في الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب، وسط تفاقم التلوث وانتشار الأمراض المعوية وحالات التسمم بين الأطفال.
ومع تدمير شبكات الصرف الصحي والبنى التحتية تسربت المياه الملوثة إلى الآبار الجوفية، ما فاقم أزمة التلوث التي عاناها قطاع غزة على مدى السنوات الماضية، إذ قال المرصد الأورومتوسطي والمعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة، في بيان عام 2021، إن 97 بالمئة من المياه في القطاع غير صالحة للشرب.
وفي ظل عجز البلديات عن التخلص من مياه الصرف الصحي التي تجمعت في الأحياء السكنية جراء تدمير الشبكات وغياب الآليات الثقيلة لذلك، حاول بعض المواطنين التخلص منها عبر حفر امتصاصية.
وقال رئيس قسم مراقبة المياه والصرف الصحي في وزارة الصحة بغزة سعيد العكلوك، إنه يتم “نقب الحفر الامتصاصية في أماكن خاطئة”.
وأضاف: “مناطق واسعة من القطاع تعاني تلوثاً في الخزان الجوفي بسبب تدمير الاحتلال شبكات ومرافق الصرف الصحي”.
وتابع “هذا التدمير دفع المواطنين للبحث عن بدائل أخرى لشبكات الصرف الصحي عبر نقب حفر امتصاصية في أماكن خاطئة”، مشيراً إلى أن “هذه الحفر أدت لتسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفي وتلويث المياه، في نطاق قريب من الآبار التي يستخدمها المواطنون بشكل شخصي”.
وبيّن العكلوك أن “عدم إجراء الفحوص اللازمة للتأكد من سلامة هذه المياه قبل استخدامها، يؤدي إلى إصابة المئات بحالات تسمم وتلوث، ويعرّض حياتهم لخطر شديد”.
وقالت المواطنة “أم محمد” وهي والدة طفلين أصيبا بالتسمم جراء شربهما مياهاً كانت متوفرة في مركز للإيواء بحي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة “ابني محمد (5 سنوات) وابنتي سارة (3 سنوات) تعرضا لحالة تسمم حادة بعد شربهما المياه المتوفرة في مركز الإيواء، وكنا نعلم أنها غير نظيفة، لكن لم يكن لدينا خيار آخر. في المستشفى أكد لنا الأطباء أن السبب هو تلوث المياه التي شربها الأطفال”.
وذكرت أن الحصول على المياه في غزة أصبح مهمة صعبة المنال في ظل النقص الحاد وتدمير إسرائيل لآبار المياه والخزانات والشبكات.
وأشارت إلى أن زوجها وأطفالها يضطرون للخروج في الصباح الباكر مشياً على الأقدام إلى أحد الآبار وسط المدينة، لتعبئة “جالونات” المياه.
ولفتت إلى أن صعوبة الحصول على المياه تضطرهم أحياناً لاستخدام المياه المتوفرة بمركز الإيواء “رغم الإدراك بتلوثها وعدم صلاحيتها للشرب”.
من جهتها، قالت الطفلة سمر السيد (7 سنوات)، المصابة بمرض معوي: “كنت أشرب المياه من المدرسة التي نزحنا إليها وسط مدينة غزة، وبعدها بدأت أشعر بألم شديد في بطني وبدأت أتقيأ”.
وأضافت وعلامات الإعياء تظهر على وجهها: “كما أصيب شقيقي الأصغر وشقيقتي الكبرى بمرض أيضاً، وبعد فحوص طبية تبيّن أنه بسبب تلوث المياه”.
وبينت أنها ليست “المرة الأولى” التي تصاب فيها بآلام جراء شرب مياه ملوثة، بل أصيبت “بالتسمم قبل نحو شهر ونصف للسبب ذاته”.
وسبق أن حذرت مؤسسات صحية وحكومية من انتشار أمراض معدية جراء شح توفر المياه وتلوثها.
ومنذ بداية العدوان، تعرضت البنى التحتية في مناطق واسعة بقطاع غزة لاستهداف إسرائيلي متعمّد، ما أثر على توفر المياه وتسبب بغرق مناطق بمياه الصرف الصحي خاصة في فصل الشتاء.
وقال رئيس بلدية بيت لاهيا شمال القطاع، علاء العطار، إن الحرب الإسرائيلية دمرت “50 بالمئة من مضخات الصرف الصحي وأحواض تجميع مياه الأمطار، و200 كيلومتر طولي من شبكات المياه، و100 كيلومتر طولي من شبكات الصرف الصحي (في الشمال)”.
وذكر المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا، أن “البنية التحتية في غزة تعاني تدهوراً كبيراً، ومع استمرار الحصار المفروض على شمال القطاع، وعدم توفر الوقود والمعدات اللازمة، أصبح من الصعب جداً توفير مياه صالحة للشرب”.
وأكد أن جيش الاحتلال “دمر خلال الحرب 90 ألف متر طولي من شبكات المياه و62 بئراً بأحجام مختلفة ما تسبب بأزمة عطش حادة وكبيرة في عدة مناطق من المدينة. كما فاقم من أزمة المياه، تدمير محطة التحلية وعدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل الآبار ما يؤدي لعدم إنتاج كميات كافية من المياه”.
وأوضح مهنا أن المياه التي توفرها بلدية غزة تغطي 40 بالمئة من مساحة المدينة، حيث يتم توفير 25 ألف كوب يومياً فقط.
وقال: “باقي المناطق في المدينة لا تصلها المياه بسبب الدمار الواسع وقطع وتدمير شبكات الكهرباء اللازمة لتشغيل آبار المياه وعدم وجود مصادر مياه بديلة في بعض المناطق”.
وأشار إلى أن البلدية “تبذل جهوداً كبيرة لإيصال المياه إلى المناطق المأهولة وفق الإمكانات المتاحة”، لافتاً إلى أنها “تعيد إصلاح وتشغيل بعض الشبكات والآبار بشكل أولي وسريع”.
ونوّه إلى أن البلدية “تعمل بالتعاون مع الشركاء لتحسين واقع المياه وتوفير كميات أفضل تدريجياً وتغطية مساحات أوسع حسب الظروف الميدانية”.