غزة – خاص بـ “الحياة الجديدة”- ستتوقف سيارة المواطن رباح شخصة (55 عاما) عن العمل، بسبب نفاد الوقود في قطاع غزة، بعد أيام من إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية لمليوني نازح ومهجر وعاطل عن العمل، ليفقد رباح مصدر رزقه الوحيد الذي كان يؤمن له ولأسرته المكونة من 9 أفراد الطعام والشراب في قطاع قضت الحرب الإسرائيلية على معالم الحياة فيه.
أزمة شخصة أصبحت وباء على آلاف المعيلين للأسر، خاصة في شهر رمضان المبارك، فدخله الضعيف من سيارته المتهالكة، لا يؤهله لشراء الوقود من السوق السوداء بمبلغ يزيد عن 80 شيقلا للتر الواحد (كان يباع بـ 20 شيقلا خلال التهدئة)، وذلك بزيادة كبيرة عن سعره المحلي الذي وضعته السلطة الوطنية والذي يقترب من سبعة شواقل في الضفة الغربية.
حتى أزمة غاز الطهي، الذي يحاول بعض السائقين استخدامه للعمل في قطاع المواصلات بغزة، تفاقمت ويباع الكيلو منه بحوالي 120 شيقلا، وكل ذلك وسط تساؤلات يطرحها الغزيون ومنهم المواطنة نعمة الدريملي قائلة: “هناك ملايين اللترات من الوقود دخلت خلال الهدنة، وتم تخزينها في محطة كهرباء غزة المتوقفة عن العمل. من يبيعها في السوق السوداء؟ ومن المسؤول عن تأمينها؟ وأين غاز الطهي الذي دخل قبل إغلاق المعابر بيومين، ليختفي من الأسواق ويباع في السوق السوداء؟”.
تقول الدريملي لـ “الحياة الجديدة”: خرجت من منطقة السوارحة (غرب بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة)، أحمل ابني الذي لم يبلغ سبعة أشهر، قاصدة مستشفى يافا بدير البلح (مستشفى خاص يديره ويسيطر عليه مقربون من حماس)، بهدف العلاج والذي لا يتوفر سوى في هذا المستشفى، بعد تدمير الاحتلال لمعظم المشافي الحكومية في قطاع غزة.
وتضيف:” حاولت أن استقل سيارة لتوصلني إلى وجهتي، ولكني لم أستطع، لانعدام الوقود اللازم لتشغيلها، ولارتفاع ثمن السولار في السوق السوداء” مشيرة إلى أنها اضطرت للسير مشيا على الأقدام (٤ كيلومترات ذهابا وإيابا)، وهي صائمة”.
الناشط يزن احمد من سكان شمال قطاع غزة، شبه سعر المواصلات في غزة بثمن تذكرة الطيران قائلا:”بتكون طالع مشوار بعيد، وبدك تركب سيارة .. (أوب اخبط).. الا انت واصل مشي، فش سيارات بالبلد، ولو لقيت المواصلة بتكون بحق تذكرة طيران”.
السائق نمر عبد الغني “65 عاما”، قال لـ “الحياة الجديدة”: الحياة هنا جحيم، لا يوجد خدمات، ولا مسؤولين، ولا فصائل، ولا مبادرين، ولا جمعيات، لا يوجد أحد هنا يساعد المواطنين، وكسائق مهدد بالتوقف عن العمل بسبب ارتفاع السولار المسروق في السوق السوداء، أقول إنني لن أجد ما أطعم به عائلتي، رغم أن الطرق مدمرة، وقطع غيار السيارات مفقودة، والبعض يحاول مزج السولار بزيت الطعام لتشغيل السيارات”.
وأضاف: ما ذنبي أن أعيش كل هذا العذاب؟ المحروقات غالية الثمن، والسائق يحاول شراءها، ويفقد جزءا كبيرا من دخله، فيما يتضرر المواطن بشكل مدمر. هنا لا مستقبل، لا بنية تحتية، لا توجد أي جهة في غزة مهتمة بحالنا، كل شيء أصبح متعبا ومرهقا جدا.
المواطن أيمن أبو سيف يشرح الأسعار الجنونية للمواصلات بغزة قائلا: “إن المواصلة على عربة يجرها حيوان، تبدأ من 5 شواقل في غزة والشمال حتى لو كانت المسافة مترين، فيما بلغت أجرة العودة من غزة الى دير البلح في سيارة 30 شيقلا، وأجرة الوصول لغزة من تبة النويري (مدخل مخيم النصيرات الغربي وسط قطاع غزة)، على “تكتك” بلغ 20 شيقلا، أما أجرة الوصول من غزة الى خان يونس في سيارة فتبلغ 45 شيقلا، والوصول من السرايا للجلاء في الباص 5 شواقل، ومن الجلاء إلى جباليا 5 شواقل ايضا، فيما اجرة المواصلات من دير البلح الى المغازي 7 شواقل”.
أبو رجب الدهدار من مدينة غزة، استنكر أيضا التذبذب والجنون في أسعار المواصلات قائلا: “عندما كان سعر السولار 80 شيقلا، كانت أقل مواصلة خمسة شواقل، ولكن خلال التهدئة أصبح لتر السولار 20 شيقلا ولكن بقيت سعر المواصلات كما هي”.
وأضاف: هيئة البترول والغاز في غزة (تابعة لحماس والمسؤولة عن استلام وبيع الغاز للمواطنين)، اعتمدت سعر 8 كيلو للمستهلك بـ 50 شيقلا، ولكن لم يلتزم أحد بهذه التسعيرة، وكل موزع له سعره الخاص”. ويشكك الدهدار بقدرة الجهات المسيطرة على قطاع على تقديم أي حلول لهذه المشاكل مشيرا الى أنها لم تحاول حتى حلها، منوها إلى أن هذه المشاكل لا تحتاج إلى ضغط وسطاء أو تدخل دولي، وانما إرادة من الجهة المسيطرة التي لا تقوم بمسؤولياتها تجاه السكان في غزة.
وحسب معلومات جمعتها “الحياة الجديدة” دخل قطاع غزة خلال أيام التهدئة الـ42 ما يقارب الـ30 مليون لتر من الوقود، بتبرع من قطر، كما نشرت وكالة الأنباء القطرية، وقسمت على النحو التالي: مليون وربع المليون لتر يوميا خلال الأيام العشرة الأولى من التهدئة، فيما تم بعد ذلك تمديد المنحة بإضافة 15 مليون لتر من الوقود.
ووفقا لبيانات صادرة عن جهات رسمية تعمل في المعابر والحدود، تبين أن نصف مليون لتر من الوقود كان يدخل يوميا إلى قطاع غزة، قبل السابع من اكتوبر 2023، وكانت الكميات وفقا لتلك الجهات تغطي كافة القطاعات الحيوية بقطاع غزة، ولكن أين اختفت الـ30 مليون لتر من الوقود، والتي من المتوقع حسب المعدلات الطبيعية للاستهلاك أن تكفي القطاع 60 يوما، ولماذا هي متوفرة في السوق السوداء بمبلغ مئة شيقل للتر الواحد، ومن كان يبيعها للمواطنين قبل إغلاق المعابر وهي منحة، وأين إيرادات تلك الأموال تذهب، ومن يسيطر على هذه التجارة المربحة، والتي تقضي على كافة مقومات الصمود للمواطن بغزة؟.
وبالعودة إلى البيانات والصور التي تحققت منها “الحياة الجديدة”: ففي 17 شباط الماضي، قبل أيام من انتهاء المرحلة الأولى من التهدئة، دخلت كميات كبيرة من الوقود إلى محطة توليد الكهرباء بالمحافظة الوسطى، وتم تخزينها في مخازن ضخمة داخل المحطة، وأعلنت جهات مجهولة لم يتم التحقق من هويتها حينها، بأن كميات الوقود هذه ليست لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، وإنما للتخزين فقط كبديل للمؤسسات الدولية ووكالة الغوث بسبب تلف الكثير من محطات تخزين الوقود.