غزة / كثيرون ممن اشتعل فيهم الحنق أو الحزن في مخيم البريج وهم يشيعون في موكب غاضب الطفل فتحي عبد الفتاح البغدادي الذي ابتلعته النار وهو نائم ، لا يعرفون أن والده “البغدادي” البالغ من العمر 23 عاما كان، فيما كانت النار تشوي طفله فوق السرير، يزاول مأثرتة اليومية لأجل أن يعيش و شقيقته الطفلة بعمر 8 أشهر التي احترقت حتى حافة الموت و معهما 6 أشقاء و شقيقات – لأجل أن يعيشوا حياة أقل بشاعة…
الغزي عبد الفتاح البغدادي، كما عرفت دوت كوم ، يزاول شقاءه كما آخرين كثر في غزة، دون أن يدري أن شقاءه اليومي “مأثرة”؛ فهو ما أن ينهي وظيفته في وزارة الأوقاف بالحكومة المقالة، وهي وظيفة منحت له كنوع من “التعويض” قبل 4 سنوات ( بعد موت والدته بفعل “خطأ طبي” ) يذهب إلى الميدان وسط المخيم لكي يبدأ العمل في محل لبيع المشروبات الساخنة، باعتبار ذلك الوسيلة المتاحة لرفع قامة راتبه البالغة 1200 شيكل فقط ( نحو 300 دولار(.
قال المواطن البغدادي الذي يعيل إلى جانب أسرته الصغيرة التي كانت تضم طفليه فتحي و “تالا” التي بقيت على قيد الحياة بالرغم من الحروق البليغة التي اجتاحت 90 في المئة من لحمها الطري – قال وهو يبكي أن طفليه احترقا بـ”لهيب الإنقسام”، محملا المسؤولية في احتراقهما إلى “حكومتي رام الله و غزة”، مشيرا إلى أن اضطرار زوجته لإشعال شمعة بسبب إنقطاع الكهرباء، أحال الضوء الباهت إلى جحيم .
القصة المروعة التي سجلت على ذمة حريق في منزل عائلة المواطن البغدادي المكلف بإعالة أسرة من شخصا 12 ( بينهم شقيقان من ذوي الإحتياجات الخاصة ) بمبلغ 300 دولار و ما تيسر من عمل إضافي ، كانت بدأت عند الثامنة والنصف من مساءً 25 أيلول الماضي،إثر انقلاب الشمعة التي أشعلتها زوجته لتبديد العتمة بفعل إنقطاع الكهرباء، فيما أظهرت شهادات المواطنين الذين تداعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح، أن النصيب الأكبر من الفجيعة التي هبطت على حياة العائلة كانت من نصيب عبد الفتاح حينما اقتحم جحيم الغرفة بحثاً عن طفليه؛ ليجد “تالا” مثل جمرة مشتعلة قبل أن ينتزعها من النار ويلتصق جلدها المشوي بيديه، فيما فشل في إنقاذ فتحي الذي أحالته النار إلى قطعة فحم، بعد 15 دقيقة من اشتعال النيران التي أخمدت أخيرا بإغراق الغرفة بكميات من المياه .
صحيح أن “ليلة الجحيم” الذي أحال جسم الطفل البغدادي إلى كتلة من الفحم، سجلت كحادثة “قضاء و قدر” أخرى في القطاع، إلا أن الرمضاء التي خلفها الحريق و حرائق أخرى مماثلة، باتت تضيق على جمر الأسئلة الصعبة والحانقة التي يقذفها المواطنون، حيث أظهرت التظاهرات الغاضبة التي اندلعت في البريج عقب “الحادثة” و ووجهت بالقمع من قبل أجهزة أمن المقالة، كما موكب تشييع الطفل الذي شارك فيه آلاف المواطنين – أظهرا أن ارتفاع معدلات الفقر و البطالة و انحطاط مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، قد تكون الشرارات التي لن يستطيع أحد الوقوف في وجه حرائقها لاحقا .
مصادر متطابقة قالت لـ دوت كوم ، أمس، أن الفجيعة التي ألمت بعائلة الشاب عبد الفتاح البغدادي في مخيم البريج وسط القطاع، لم تكن الأولى بسبب إنقطاع التيار الكهربائي خلال الأشهر الأخيرة، ففي مدينة دير البلح القريبة من المخيم سجلت حادثة مماثلة احترق فيها 3 أشقاء حتى الموت.
المصدر صحيفة القدس