لعلي أستبق نتائج حرب غزة الإيجابية وأقول أنها فرصة كبيرة لإعادة تصحيح العلاقة بين مصر وغزة وحماس في ضوء تفهم وإدراك المحددات المشتركة التي تحكم العلاقة . ولذا سأبدأ مقالتي على غير العادة بعلاقة الجزء بالكل وليس الكل بالجزء، لأن أي تدهور للعلاقة سيعود بنتائج كارثية على غزة منه على مصر، فالجزء لن يستطيع تحمل هذه النتائج والتداعيات في تدهور العلاقة على عكس الكل. وهذا التوقع لا يعني التشاؤم من تدهور العلاقة بقدر ما هي دعوة لإحتواء أي تدهور ومحالة تصحيح العلاقة ووضعها في مسارها الطبيعي، والترفع عن أي علاقة تعلو العلاقة العضوية والإندماجية التي تربط غزة بمصر. ولا بد إن تحكم العلاقة هذا البعد العميق من العلاقة والذي هو أبعد من علاقة حماس بالإخوان ،او حتى نشأة الأخوان نفسها .
إذن ألأولوية هنا لهذه العلاقة ومحدداتها على أي علاقة دونها.فالمحدد المصري يعتبر محددا رئيسا في هذه العلاقة ، وفي تحديد أي خيارات ليس فقط لحركة حماس، بل لخيارات غزة نفسها ، وفي العلاقة مع القضية والشعب الفلسطيني ، وفي تحديد أولويات الخيارات تبقى أولوية الخيارات على مستوى غزة كجزء من الخيارات الفلسطينية الكلية والتي تفترض التوافق والتكامل بينه ،تبقى الأولوية لهذه الخيارات ، فحماس أو أي تنظيم فلسطيني يستمد شرعيته السياسية والنضالية من الشرعية الفلسطينية كلها ، ومع التسليم بالبعد العقيدي والديني كمحدد لشرعية هذه الحركات والتي لا أحد ينكرها ، لكن يبقى المعيار الرئيس هو الشرعية السياسة الكلية التي تستمد منه حماس وغيرها شرعيتها السياسية ، ولو لم تكن حماس حركة فلسطينية ، ما أثرنا هذه المحددات ، ولا هذه الخيارات .
فكل تنظيم وكل حركة ورغم البعد الرئيس المكون لها ، تبقى مقيدة بالمكان الذي توجد فيه ، وبالشعب الذي تمثله، وبالقضية التي ترفعها ، والأولوية هنا للقضية ألأساس وهنا هي القضية والشعب الفلسطيني ، وهذا قد ينطبق على جميع حركات ألأخوان في الدول العربية التي لا بد وان تأخذ في إعتبارها خصوصية الدولة والشعب الذي تستمد منه شرعيتها السياسية .
من هذا المنظور لابد من النظر والتعامل مع العلاقة مع مصر كدولة وشعب له خياراته وحريته في تشكيل نظام الحكم الذي يريد، وهو ما يستلزم الحيادية والموضوعية في الموقف منها ، مع الأخذ في الإعتبار خصوصية العلاقة ومحدداتها التي تحكم مصر بغزة ، وغزة بمصر، وهي محددات تجب أي خيارات ومحددات أخرى ، ووصولا إلى هذا القناعة، والتصور المشترك أن نصل إلى توافق وتوازن في العلاقة يأخذ في الإعتبار المحددات المشتركة ، وهو ما يضمن عدم توتر العلاقة وتأزمها بعيدا عن حدود هذه التصورات المشتركة .
ومن المبادئ المهمة في منظومة هذه العلاقة أن أمن مصر واستقرارها مصلحة وطنية على مستوى الشعب الفلسطيني وغزة ، وإستقرار غزة وضمان حياة أبنائها ، ورفع الحصار عنهم أيضا مسؤولية ومصلحة مصرية ، هذا الوازن هو الذي يحدد مسار العلاقة ، فاي دولة تبقى أولوية الأمن وحماية أبنائها وشعبها من اي اطار يشمل مصلحة عليا تجب أي علاقة أخرى ، فالأولوية هنا لأمن مصر وشعبها . وهذا ما ينبغي إدراكه من قبل حركة حماس ، وهو ما يعني أن لا تكون غزة مصدرا لتهديد امن مصر وإستقرارها ، وان لا تشكل غزة حاضنة لأي تنظيمات وقوى قد تساهم في عدم أمن مصر، وبتحقيق هذا الهدف الذي هو في الوقت ذاته هدفا ومصلحة فلسطينية ، ومن ناحية أخرى هناك بعدا خطيرا في تحديد العلاقة ويحكم محددات وخيارات حركة حماس كحركة فلسطينية وطنية هدفها الاساس إنهاء الإحتلال الإسرائيلي ، وهذا الهدف يعلو على أي هدف حتى على مستوى حركة الأخوان نفسها.
وتوضيحا لما أقول لو أن هناك مفاضلة بين قيام خلافة إسلامية لا يعرف متى تقوم ، وبين إنهاء الإحتلال فالأولوية هي لإنهاء الإحتلال. فأزمة العلاقة بين حركة ألأخوان ومصر ينبغي أن تحل في إطار المصلحة المصرية العليا ، وليس عبر العنف والقتل والتدمير، فكما وصل الأخوان للحكم بالطرق الديموقراطية والسلمية ، كان الأجدر ان تحل هذه الأزمة في إطار ديموقراطي سلمي، وبالحوار وليس باللجوء للعنف ، وهو خيار قد اوصل الحركة إلى أن تعتبر مصريا إرهابية. وهذا التطور لا شك له نتائجه وتداعياته الخطيرة على حركة حماس، لكن أساس العلاقة يحول دون الإنغماس بأي درجة في الشؤون المصرية الداخلية حفاظا على وطنية وأهداف الحركة في غزة ، والخطورة في هذه العلاقة أن تحصر وتقيم فقط من منظور الأمن والإستقرار فقط ، ومصلحة فلسطينية ، بل وعلى مستوى الحركة ذاتها أن ننأى بأنفسنا على أي شبهة بالتوريط فيما يدور من تطورات في مصر.
بل وقد نذهب ونقول أنه من المصلحة الفلسطينية العمل على المساهمة في إحتواء هذا العنف ، والترهيب في مصر، وفي سيناء بشكل خاص لما لذلك من علاقة مباشرة مع غزة ، قيام غزة بهذا الدور كفيل بالحفاظ على العلاقة ، وبتقويتها ، تحقيقا للمصلحة المشتركة ، بل قد تقود وتجعل من حركة حماس لها دورا آخر يمكن أن تقوم به في الحفاظ على أمن مصر وإستقرارها وفي المدى البعيد كدور وسيط يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية على الجميع وهذا ما كان ينبغي أن تقوم به حركة حماس وتدركه. حركة حماس تستمد قوتها من قوة القضية الفلسطينية ، ومن الشرعية التي منحها لها الشعب الفلسطيني ، وكونها حركة تحرر، تحارب الإرهاب والعنف ، ومن ثم أولى المهام الرئيسة التي على حركة حماس القيام بها التأكيد أنها ضد أي عنف وتهديد لأمن مصر ، على إعتبار انها حركة سياسية تتسم بالواقعية السياسية ، والقدرة على التكيف والبرجماتية والمرونة والتعددية السياسية ، وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه حركة الأخوان التي كان الأجدر بها أن تنفي عن نفسها أي عنف بل تحاربه ، وهذا المأزق الذي ينبغي إن تتفاداه حركة حماس التي تحارب صفة الإرهاب التي تلصقها بها أمريكا وإسرائيل.
فقد تحكم خياراتها محددات منها الإنتماء الديني والتنظيمي ، ومحدد غزة ، والمحدد الفلسطيني ، والمحدد المصري ، هذه المحددات الأربعة قد تشكل السلوك السياسي ، وبقدر التوافق بينها بقدر الخروج بخيارات عقلانية ،قبل الدخول في مرحلة خيارات اللارجعة، ويبقى الخيار المصري محددا رئيسا في تشكيل خيارات غزة وخيارات من يريد ان يحكم غزة ، والخروج من هذا المأزق هو بالتمسك بالخيار الوطني الفلسطيني ، وبخيار المصالحة الفلسطينية التي من خلالها يمكن إيجاد الحلول لمشاكل الحصار والمعبر ، والعلاقة مع مصر.
وفي النهاية الحفاظ على العلاقة مع مصر مصلحة فلسطينية ومكون من مكونات الأمن القومي المصري ، وهذه المصلحة تفرضها عوامل تاريخية وسياسية وإجتماعية وقومية وإسلامية ، وإقتصادية ، والقاعدة التي تحكم هذه العلاقة مصر قوية فلسطين قوية ، مصر ضعيفة فلسطين ضعيفة ، وكثيرة هي القوى التي تستهدف دور مصر ، وتستهدف هذه العلاقة. هذه الحرب تفرض على حركة حماس دوراً سياسياً جديداً يتوافق مع دورها كفاعل مؤثر ، وهذا يتطلب مراجعة لسياساتها وأولوياتها ، وإنفتاحها على بيئتها العربية والإسلامية بما يحقق التوافق ، والقدرة على التكيف، وبما يتوافق والمصلحة الفلسطينية العليا. وما قد يمنحها دورا سياسيا جديدا في التفاعلات التي تشهدها المنطقة.
القدس دوت كوم