غزة ومصر: علاقة أخوية لا “إخوانية”…بقلم: د .عبدالإله بلقزيز

2014/08/21
Updated 2014/08/21 at 9:29 صباحًا

images
 

لستُ سعيداً بانقلاب “حماس” على سوريا وارتمائها في أحضان النظامَين القطري والتركي، وتدخلها في الشأن الداخلي المصري، تأييداً لجماعة “الإخوان المسلمين” ولما يسمّونه “عودة الشرعية”؛ لكني راضٍ، شديد الرضا، عن الوقفة الكفاحية البطولية للحركة، ولسائر فصائل المقاومة، في حرب غزة وفي صدّ العدوان الإسرائيلي عليها؛ ومتعجب، أشد الإعجاب، بصمودها ـ ورفيقاتها من حركات المقاومة ـ في مفاوضات القاهرة، وتمسُّكها الثابت بمطالبها وإن اقتضاها تحقيقها جولات أخرى من القتال… على ما فيه من أكلاف بشرية ومادية ينوء بحملها القطاع وأهله.
وأنا، بالمثل، راضٍ ـ شديد الرضا ـ عن أداء النظام المصري الحالي في الداخل المصري؛ في مواجهة موجات العنف والإرهاب التي تجتاح البلاد وتزعزع الأمن والاستقرار وتزهق الأرواح بالباطل، وتخرّب الاقتصاد…، وفي سعي منه (= من النظام) إلى إنهاء الفوضى، وإعادة بناء الدولة واستعادة سلطانها المفقود وهيبتها المستباحة. لكني لست سعيداً ـ شأن كثيرين غيري ـ بأدائه السياسي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، وتجاه مطالب المقاومة فيها! وأشعر بأنه قدَّم، بهذا الأداء، إيحاءات غير طيبة إلى كل أولئك الذين أملوا في أن يكون التغيير السياسي في مصر مقدمة إلى تغيير في موقفها من الصراع العربي ـ الإسرائيلي يحررها من قيود “كامب ديفيد”؛ ونحن منهم.
لا أحد منا كان ينتظر من السلطة الجديدة في مصر ـ حين اندلعت الحرب على غزة ـ أن تكون شريكاً في صد هذا العدوان، ولو من طريق الدعم اللوجيستي للمقاومة؛ تزويداً بالسلاح والذخيرة والمعلومات الاستخبارية والخبراء العسكريين وطواقم الإسعاف…، فلقد كان ذلك من قبيل مطالبتها بالإلغاء الفوري لمعاهدة “كامب ديفيد” قبل “تقديم مقدمات وتمهيد أصول”، كما يقول علماء أصول الفقه، ولكن كان من المنتظر، والمأمول، أن تأخذ مصر بقاعدة (فقهية) تقول بأن “ما لا يُدرَك كلُّهُ لا يُترَك بعضُه” أو “جُلَّه”؛ كان في وسعها ـ في أقل القليل ـ أن تُسند المطالب السياسية المشروعة للمقاومة، من دون أن تلتفت إلى لونها الإيديولوجي، وان تتبناها وتدافع عنها في العالم، وأن تدين الإرهاب الصهيوني وجرائمه الوحشية ضد أهالي القطاع؛ وكان يسعها ان تُفاتح المقاومة في شأن مبادرتها فتأخذ رأيها قبل إعلانها على العالم؛ وكان يسعها أن ترفع بعض المعاناة عن القطاع: من طريق إدخال الغذاء والدواء ووسائل الإيواء لمن هدَّم العدوان مساكنهم، وأن تسمح بدخول قوافل المساعدات الغذائية والطبية، العربية والأجنبية، عبر معبر رفح إلى القطاع، وأن تفتح المعبر وتفك الحصار عن أهالي غزة، وتستقبل آلاف الجرحى في مستشفياتها وتقيم على الحدود مستشفيات ميدانية… الخ. كان يسعها أن تفعل ذلك الواجب القليل فتكسب المقاومة، وتكسب الرأي العام الشعبي العربي المساند للمقاومة، فتخرج من ذلك الموقع الضيّق الذي وضعت نفسها فيه كَـ”وسيط” بين الجلاد والضحية، يمارس دوره “على مسافة واحدة” من الطرفين (ماذا كانت تفعل مصر ما بعد عبد الناصر غير دور “الوساطة” هذا؟!)!
لسنا في حاجة إلى تبرير مطالبتنا السلطة الجديدة في مصر بالنهوض بأبسط هذه الواجبات، في هذا الامتحان الأول الذي تُمتحن فيه في مسألة المسائل: الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فغزة اعتُبِرت ـ دوماً ـ جزءاً من “الأمن القومي” المصري، وأن ما يجري فيها يهم مصر بمقدار ما يهم شعب فلسطين.
إذا كانت القيادة الجديدة قد حظيت من شعبها بالتأييد والثقة منذ انتفاضة “30 يونيو”، وانتزعت احترام العرب، فهي لن تحظى بالتأييد والثقة ـ بالمعدل المصري نفسه ـ من لدن الشعوب العربية إلا حين تطمئن هذه الشعوب إلى أن هذه القيادة تختلف في سياساتها تجاه قضايا الأمة عن قيادات مصر السابقة في عهود السادات ومبارك ومرسي.
إن الاصطفاف وراء “حماس” للهجوم على النظام في مصر هو، من السوء والخبث، مثل الاصطفاف وراء مصر للهجوم على “حماس”. العدو واحد هو الكيان الصهيوني، والمختلفون من بني القوم الواحد يأتلفون ويتوحدون حين يداهمهم العدو المشترك. هكذا هي السياسة حين تعقيلها، أي حين تجري مجرى الفعل العاقل. أما التحاقد والتكايد فمن الغرائز لا من العقل.

السفير

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً