أمد/ استطاع الأردن خلال الاشتباك الحاصل بشأن القدس مع الاحتلال الإسرائيلي، إعادة إنتاج اتفاقية السلام إنتاجا جديدا أخرجها من قالبها «المعلب» إلى مربع التوظيف الحيوي لخدمة المصالح الأردنية العليا وتحديدا في مسألة حماية القدس ووضعها الديني والتاريخي وعدم المس بالحرم القدسي الشريف، فقد اعتقد نفتالي بينت بعقليته اليمينية أنه يستطيع المحافظة على تماسك ائتلاف حكومته الهش الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، اعتقد أن بإمكانه فعل ذلك من خلال مجاملة الجماعات اليمينية وبخاصة المستوطنون على حساب القدس والدور الأردني، و?طط بينت لهذا الأمر مع تلك الجماعات مع علمه أن هناك تعهدات قُطعت من رئيس دولة الاحتلال ووزير خارجيته للمحافظة التامة على الوضع في القدس لجلالة الملك شخصيا وهي تعهدات قُطعت على عكس ما يرغب ويريد، وهو ما تسبب في تفجر الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية وتحديدا بين بينت واليمين المتطرف داخل الحكومة من جهة ولابيد والأجهزة الأمنية وافيف كوخافي من جهة ثانية، وذلك لكون لابيد والجهازين العسكري والأمني يدركون تبعات الاستهتار الذي يمكن أن يحدث عند اللعب «بنار القدس والأقصى» وانعكاسات ذلك على العلاقات مع الأردن، وهي العلا?ات التي تُصنف لدى مراكز صنع القرار في تل أبيب بأنها «خط أحمر».
اطلاع الأردن على أدق التفاصيل للوضع السياسي الإسرائيلي الداخلي وبخاصة داخل الائتلاف الحكومي ومعرفته بمدى هشاشته وبحكم إدراكه أيضا لمدى تراجع قدرات الإدارة الأميركية في ظل ظروف الحرب في أوكرانيا من الضغط على تل أبيب، وجد الأردن نفسه في وضع يحتم عليه أخذ زمام المبادرة لشن هجوم سياسي غاضب ضد توجهات بينت السياسية والأمنية ولجمها قبل فوات الأوان، خاصة أن سياسات اليمين المتطرف تجاه المسجد الأقصى وذبح القرابين فيه يعني من الناحية العملية تثبيت الخطوة الأولى باتجاه إعادة بناء «هيكل سليمان» المزعوم الذي تدعى الجماع?ت المتطرفة وتحديدا جماعة «امناء الهيكل» أن مكانه هو نفس المكان القائم فيه المسجد الأقصى أي ما يستدعي في المستقبل وبعد تثبيت خرافة القرابين هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل «الثالث» مكانه.
الهجوم السياسي الأردني اعتمد بشكل اساسي على توظيف اتفاقية السلام مع إسرائيل للضغط على حكومة الاحتلال كما قام الأردن باقناع أطراف عربية وإقليمية لها علاقات سلام مع تل أبيب بتوظيف تلك العلاقات للضغط على «إسرائيل» وبخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين والمغرب بالإضافة لتركيا، حيث وجدت حكومة بينت نفسها في حالة خسارة سياسية مع مجموعة من الدول المهمة في حال استمرارها بتلك السياسات بشأن القدس.
وكان من أبرز نتائج التحرك الأردني ما يلي: اولا: قرار بينت منع المتطرف ايتمار بن غفير الذي يقود تحركات المتطرفين اليهود من دخول القدس وتحديدا الحرم القدسي الشريف.
ثانيا: منع ذبح القرابين في المسجد الأقصى.
ثالثا: وقف التوجه للتقسيم المكاني والزماني للصلاة والعبادة في المسجد الأقصى.
رابعا: منع مسيرة الأعلام التي كان ينوي القيام بها المتطرفون الخميس الماضي احتفالا بما يسمى بتوحيد القدس.
خامسا: الغاء دولة الإمارات العربية المتحدة مشاركتها في العرض الجوي بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس الكيان الاسرائيلي في الخامس من مايو المقبل.
حاولت حكومة الاحتلال تحميل الأردن مسؤولية ما يجري في القدس واتهامه بالتحريض، وقامت بتسريب انباء كاذبة لبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن أن المواجهة السياسية التى جرت بين الأردن وبينها هي مواجهة متفق عليها في مسعى للتقليل من حجم الانكسار السياسي الذي أصابها امام صلابة الموقف الأردني وتحديدا موقف جلالة الملك وموقف دولة الرئيس بشر الخصاونة الذي استخدم خطابا غير مسبوق في وصف سياسات الاحتلال تحت قبة البرلمان، وهو الخطاب الذي ما زال يثير جدلا كبيرا في أوساط النخب السياسية والإعلامية داخل دولة الاحتلال.
عن الرأي الأ{دنية