الايام – يوسف الشايب:”غير مكتمل”، هو العنوان الذي اختاره المشاركون في المعرض الفني البصري الذي دشّن فعاليات المبادرة الفنية الجديدة “الأستوديو يتبع”، من داخل مقره في البلدة القديمة لمدينة رام الله، مساء أول من أمس.
المشاركون بعضهم محترفون، وبعضهم طلاب فنون، أو هواة، وبعضهم قادمون من مظلات إبداعية أخرى كالأدب، قدّموا سوية، في تلك المساحة الحميمة، حالة خاصة، على مستوى الشكل والمضمون، وبما يتقاطع مع مفاهيم المكان الذي يحتوي تلك الإبداعات.
في المعرض، تقارع فرح مغربي التصوير الفوتوغرافي بالتصوير الفني بألوان “الباستيل” الزيتي، مُسترجعة ذاكرتها الطفولية لتقديم دلالات لونية متجاورة كأنها صور فوتوغرافية، في حين تستكشف سندس حمادة، من وحي اعتناء والدها بشجر الزيتون خاصتهم، فعل الهيمنة الاستعمارية للاحتلال الإسرائيلي على المشهد الطبيعي الفلسطيني، وأثرها على مشاعرها الخاصة والذاكرة الجمعية.
ويراكم جاد عزت الغزاوي في أربع لوحات بورتريه، درجات من الألم النفسي والجسدي، لخلق عاطفة ما في خضم التشّتت والتبعثر المحيطين بحرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في فلسطين عبر الزمان والمكان، بحيث يعمد عبرها إلى إعادة تشكيل ذاته وكينونته.
وفي وقت يعالج فيه عبد القادر بصلات طغيان المباني المشيدة بالباطون والمكسوة بالزجاج والحجر الأبيض، تبحث نور شما عن النقاء في الطبيعة بالاتكاء على أرشيف والدها، في حين عمدت سارة مرقة إلى محاكاة أعمال رفاقها في “الاستوديو” عبر عمل يشكل إطلالة خاصة تحاكي أعمالهم، ومنها عمل رمزي اللولو الذي يبدو كأنه يدلق الموت على القماش، أو تعدد أسباب الألم في عمل سيرين غبن، أو محاكاة الحاجة الملحة لعصمت زيد للتعرف على جغرافيا وطنه الغامضة، أو الذهاب برفقة مخلص النابلسي في عمله الذي يعمل عبره على الامتثال للكمال والانتماء للتفاصيل في محاولة يائسة منه لهندسة العقل.
وأشار المشاركون في المعرض، في اقتباس لهم على مدخله، إلى أن تجربتهم هذه “تكشف عن رحلة بحثية محفوفة بمحاولات إنتاجية”، نتجت عن انخراطهم لما يقارب الثمانية أشهر في تعارك ما مع هواجسهم، دون أن يدركوا ذلك، فالأعمال الفنية هنا “مثل طفل نجا من الموت، ولكنه لم ينجُ من رغبة متدفقة تبحث عن معنى.
وشددوا على أن تقديمهم لهذه التجارب “غير المكتملة” لا تندرج في إطار معرض فني استعراضي، إنما لرغبتهم بأن تتشبّع تجاربهم بأدوات فحص ومعرفة متجدّدة، لافتين إلى أن هذه الرحلة التي أفضت إلى المعرض بدأت بعبارة كُتبت على أحد جدران المكان المحتضن لأعمالهم (الأستوديو)، مفادها أن “المعنى هو أن لا تجد المعنى”.
وأشار أحد مؤسسي مبادرة “الأستوديو يتبع” الفنان بشار خلف، بالشراكة مع الفنان رأفت أسعد وآخرين، إلى أن “الأستوديو” عبارة عن مساحة مرنة تستوعب أفراداً مختلفين من المجتمع، بعيداً عن فكرة التعليم أو التدريب بشكلهما التقليدي، بالاعتماد على المجاورة بين مجموعة فنانين من ذوي الخبرات متعددة الاتجاهات في الفنون البصرية، ومجموعة أعمارهم مختلفة، جلّهم من الشباب، من خلفيات مختلفة على صعد متعددة، تجمعهم الرغبة في تطوير مهاراتهم في مجالات الفنون البصرية، لافتاً إلى أن كون المعرض “غير المكتمل”، يعني أن اكتماله يكون بمجاورة أخرى بين الأعمال الفنية المعروضة والمتلقين، بهدف خلق حوارات من شأنها تطوير هذه الأعمال أو غيرها من مشاريع فنية قادمة لهم، في وقت لاحق.
وأكد خلف لـ”الأيام” على أن “الأستوديو” لا يلعب دوراً بديلاً عن كليّات الفنون المتخصصة، أو المراكز الفنية، بل يقدم طريقته الخاصة في تقديم من يملكون شغفاً ما إزاء الفنون البصرية، لجهة اقتحام هذا العالم الذي يحبّون، دون معايير مُؤطِرة أو واضحة المعالم، فالشغف هو الأساس، لافتاً إلى أن المبادرة التي انطلقت في شباط الماضي، قدّمت نفسها، بعد أشهر، من خلال أعمال فنية تحكي نفسها، وتطور تجربة أصحابها قيد الإنتاج والمتابعة.