بيروت /على الرغم من سعي تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” الى اقامة امارته على ارض ممتدة بين العراق وسوريا والحديث عن دويلات دينية قد تنشا في المنطقة، يستبعد خبراء سقوط حدود الدول التي سطرتها دول الاستعمار في القرن الماضي.
وقبل اسبوعين، تم تناقل صورة على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها مسلحو من “الدولة الاسلامية في العراق والشام” وهم يزيلون سواتر ترابية على الحدود بين العراق وسوريا، مع تعليق “اسقاط حدود سايكس بيكو”، في اشارة الى الاتفاقية الفرنسية البريطانية الشهيرة التي تم التوقيع عليها في 16 ايار (مايو) 1916 والتي تنص على تقاسم النفوذ في الشرق الاوسط بين البلدين.
بموجب هذا الاتفاق الذي وقعه بشكل سري الضابط البريطاني مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي جورج بيكو، لم تنشأ مملكة عربية واحدة كبيرة كان البريطانيون وعدوا بها الشريف حسين “قائد الثورة العربية الكبرى”، انما رسمت حدود دول في الشرق الاوسط وضعت تحت الانتداب او الاستعمار البريطاني او الفرنسي على مدى عقود قبل ان تنال استقلالها وتثبت على الحدود المرسومة لها.
ونفذ تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” خلال الاسابيع الاخيرة عمليات عسكرية واسعة في شمال وغرب العراق سيطر خلالها على مناطق شاسعة انسحب منها الجيش العراقي.
وفي الوقت ذاته، كان فرع التنظيم الذي يقاتل في سوريا يحرز تقدما في شرق سوريا خلال معاركه مع كتائب في المعارضة المسلحة بينها جبهة النصرة الاسلامية المتطرفة. وتمكن من ربط محافظ الرقة (شمال) التي يتفرد بالسيطرة عليها بمحافظة دير الزور الحدودية مع العراق.
ويقول خبراء ان التنظيم يسعى الى اقامة دولته الاسلامية في هذه المنطقة.
ويقول بيتر سلاغليت واضع كتب حول الانتداب الفرنسي والبريطاني لدول المشرق، “اعتاد الناس في دول الشرق الاوسط على حدودهم التي لم تتغير بشكل كبير منذ حوالى قرن من الزمن. وستبقى على ما هي عليه على الارجح”.
عبر التاريخ، ندد القوميون العرب باتفاق سايكس بيكو الذي اقر في مؤتمر سان ريمو في نيسان (ابريل) 1920 لدى الاتفاق على تقاسم النفوذ بين الدول الحليفة اثر الحرب العالمية الاولى. ونادوا طويلا بتوحيد “الامة العربية” وب”القومية العربية”، لكن الحكام تمسكوا بسلطتهم وبحدود بلادهم.
ولم تكن محاولة الاندماج اليتيمة بين مصر وسوريا تحت مسمى “الجمهورية العربية المتحدة” تجربة ناجحة ولم تعمر الا بضعة اشهر بين شباط (فبراير) 1958 وايلول (سبتمبر) 1961.
اما اليوم، فان تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” لا يحركه دافع القومية العربية، بل الرغبة باعادة عصر الاسلام الذهبي والخلافة التي اقيمت بعد وفاة النبي محمد، وتطبيق الشريعة الاسلامية على دولة يحكمها امراؤه.
ويقول سلاغليت ان “وصل سوريا بالعراق حركة رمزية”، لا سيما ان “غالبية السكان في البلدين يرفضون التطرف الاسلامي ويريدون السلام”.
ويعتقد الخبير الفرنسي في الجغرافيا السورية فابريس بالانش بدوره ان “الحدود المرسومة في سايكس- بيكو تشكل اطارا محفورا في الجغرافيا والاقتصاد يصعب محوه”. ويرى ان “دولا اخرى قد تنشأ في الشرق الاوسط، لكن ضمن اطار الحدود الحالية. لا اعتقد ان جزءا من العراق وجزءا من سوريا يمكن ان يشكلا دولة جديدة”.
ويشير الى ان “العراق سيتفتت على الارجح في المدى المنظور، وسيكون الاكراد في شمال العراق وشمال سوريا اول من يسارع الى اعلان الاستقلال”.
ويرى مدير صحيفة “الوطن” السورية القريبة من السلطات السورية من جهته ان تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” يخدم مصلحة “المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الذين يريدون انشاء كيانات تعادي بعضها بعض”.
ويشير الى ان هناك اتجاها داخل الادارة الاميركية “يعتبر ان نجاح الدولة الاسلامية في العراق والشام بالتمركز في غرب العراق سيتيح فرصة لعزل سوريا عبر قطع محور طهران-بغداد-بيروت” (الشيعي).
الا ان الخبير الفرنسي في الشؤون العراقية بيار جان لويزار لا يستبعد حصول ترسيم حدودي جديد في المنطقة. ويقول “اخشى ان نكون عشية انقلابات مهمة جدا قد تعيد النظر في خريطة الدول”.
ويضيف “هناك لعبة كبيرة تجري” في المنطقة. “هناك تشكيك بشرعية الدول القائمة وليس فقط في العراق، انما ايضا في سوريا وفي لبنان. مثل هذا الانقلاب لا يمكن ان يمر من دون عنف”.
القدس دوت كوم