عمّان – تضيق فرص الاستفادة الفلسطينية من الافراز الاقتصادي لوضع “دولة مراقب” غير عضو في الأمم المتحدة، أمام التحكم الإسرائيلي بمفاتيحه، ما لم يتم “إلغاء اتفاق باريس ووضع سياسة اقتصادية جديدة”، وفق خبراء فلسطينيين.
وإذا كان تقييم الخطوة الأممية، سياسياً وقانونياً، ما يزال موضع جدل بين مكاسبه المحتملة ومخاطره المتوقعة على القضية الفلسطينية، إلا أن النقاش الجدلي يبتعد كثيراً عن الشق الاقتصادي، الذي “لن يشهد تغيراً يذكر، خلال العام القادم على الأقل”، بحسبهم.
ويعتقدون، مثل وزير الاقتصاد السابق ماهر المصري، أن جنيّ المكاسب المتأتية من “الصفة” الجديدة “مؤجل لما بعد العام 2013، في ظل حكومة يمينية إسرائيلية متطرفة ستبقى عنصر ضغط على الشعب الفلسطيني ومسيطرة على اقتصاده”.
ورهن المصري، في حديثه لـ”الغد”، التغير المنشود “بالتطورات الإقليمية الجارية والسياسة الخارجية الأميركية، وبرؤية فلسطينية واضحة المعالم تقدمها إلى المجتمع الدولي، حول طبيعة العلاقة الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي”.
إلا أن ذلك لا يمنع، بحسبه، من “التحرك راهناً للانضمام إلى منظمات اقتصادية دولية، باستثناء منظمة التجارة العالمية التي تسمح شروطها بإعطاء ما يشبه حق “الفيتو” لأي دولة من أعضائها، بما فيهم الكيان الإسرائيلي، ضد انضمام دولة فلسطين إليها”.
وكشف المصري عن “مقايضة إسرائيلية أميركية بدعم الانضمام الفلسطيني لتلك المنظمة مقابل التوصل إلى اتفاقية إطار للحل النهائي، جرى طرحها خلال مفاوضات كامب ديفيد العام 2000، بما يوضح أن قرار عضوية فلسطين فيها سياسي وليس اقتصادياً أو مالياً”.
غير أن “فشل المفاوضات بسبب التعنت الإسرائيلي ألغى هذه المسألة، مثلما أسقط اتفاقا فلسطينيا – إسرائيليا على رؤية فلسطينية لطبيعة العلاقة الاقتصادية بين الجانبين، استناداً إلى الاستقلالية والتجارة الحرة الفلسطينية”.
وبرغم الأهمية الاقتصادية لجعل الدولة الفلسطينية ضمن حدود العام 1967، بيئة اقتصادية واحدة، وفق الوزير الأسبق الخبير الاقتصادي مازن سنقراط، إلا أن “هناك صعوبة في تطبيق الاستحقاقات التي قد تسجل قيمة مضافة للاقتصاد”.
وقال، لـ”الغد” من فلسطين المحتلة، إن “للخطوة آثارها الاعتبارية والمعنوية التي تجسد الإرادة السياسية الفلسطينية لانتزاع الحق والشرعية الجديدة وخلق واقع جديد، ولكن في مفهوم التنمية الاقتصادية الاجتماعية، لن يكون لها أي أثر لمرحلة جديدة”.
واستبعد حدوث “تغيير يقود إلى نقلة نوعية على صعد الاستثمار والواردات والصادرات والتشغيل، أمام الاختطاف الإسرائيلي للاقتصاد والمعابر والحدود والتجارة الخارجية، والتحكم في حرية الحركة والتنقل”.
وطالب “بإلغاء اتفاق باريس (1994) وكل الاتفاقيات الاقتصادية المنبثقة عن اتفاق أوسلو (1993)، وليس الحديث عن تعديلها أو تغييرها أو تطويرها، نحو عقد اتفاقيات بين اقتصاد دولة فلسطينية، حتى وإن كانت مراقب ولكنها دولة بحدود واضحة وفق الاعتراف الأممي، وبين الكيان الإسرائيلي”.
ودعا إلى “وضع سياسة اقتصادية فلسطينية جديدة بدعم دولي لتلبية الاحتياجات الوطنية والطموح الاقتصادي بالاستقلالية واختيار الشركاء الجدد، بما فيهم الاحتلال، وليس التبعية له والبقاء جزء من المغلف الجمركي الواحد معه”.
ورأى أن “المصلحة الفلسطينية تقتضي استثمار البوابة الشرقية من خلال الأردن والاستفادة من العلاقات مع الدول العربية، بالإضافة إلى البوابة الجنوبية عبر رفح مع مصر والدول المحيطة بها، فضلاً عن النطاقات الاقتصادية الأوسع مع المجتمع الدولي”.
ويحكم الاحتلال سيطرته على المناطق “ج” في الضفة الغربية، بما تحويه من إمكانات استثمارية ومائية وزراعية وصناعية، ويبقي السلطة محاصرة في منطقة “أ” وهي مساحة المدن والقرى والمخيمات.
وتسببت سياسة الحصار والعزل والسيطرة الإسرائيلية في ارتفاع معدل البطالة في الضفة إلى 20 % وفي غزة 40 %، والفقر 30 % و47 % على التوالي، وسط مجتمع شبابي يحتاج من السلطة توفير مليون وظيفة خلال 6 و7 سنوات قادمة لاستيعاب حجم الخريجين المتزايد.
وأسفر تراجع دعم المانحين والإجراءات الإسرائيلية وبعض السياسات الحكومية الفلسطينية، التي تحتاج إلى مراجعة، عن عجز مالي بلغ 1.3 مليار دولار.
ورأى سنقرط أن “تأثير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على السياسة الاقتصادية الفلسطينية زاد في الآونة الأخيرة مما أنتج خللاً في هيكلية الموازنة العامة للسلطة، حيث يذهب 34 % من إجمالي 3.6 ملياردولار للأمن، بينما يتوزع الباقي على القطاعات الخدمية والتنموية الأخرى”.
وهذه العقيدة الأمنية، الاستثنائية لسلطة تحت الاحتلال، تشمل حماية أكثر من نصف مليون مستعمر في 180 مستوطنة، وتأمين مستلزمات التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال. فيما تحدث الخبير الاقتصادي سمير عبد الله، خلال ندوة نقاشية عقدت مؤخراً في الأراضي المحتلة، عن “قلق البعض من الأضرار التي ستطال المزارعين، والمستفيدين حالياً من الرسوم الجمركية التي تفرضها سلطات الاحتلال على المنتجات الزراعية بنسبة 33 %، وعلى منتجات الألبان بنسبة 112 %، ما يشكل لهم حماية من المنافسة العالمية”.
الغد الاردنية.