الناصرة – «القدس العربي»: شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة إجراءات عنصرية متفاقمة ضد العرب والمختلفين اجتماعيا غذتها سياسات رسمية وفتاوى حاخامات وتجلت بتشريع عشرات القوانين غير الديموقراطية والتمييز ضد المواطنين الفلسطينيين فيها(17٪) بمحاكمة معظم قياداتهم السياسية وبموجات متتالية من جرائم « تدفيع ثمن « طالت مساجدهم وكنائسهم دون محاسبة حقيقية للمجرمين. لكن قتل المستوطنين الثلاثة والطفل المقدسي والحرب على غزة خاصة بعدما لاحت شارات فشلها، أججّت نار العنصرية وضاعفت الاعتداءات اللفظية وحولتها من الأقوال لأفعال واعتداءات شبه يومية على العرب في المرافق العامة، حتى بات بعضهم يخشى التحدث بالعربية وهو داخل قطار أو في مطعم. أما مدارس الحاخامات والمنتديات الإجتماعية فهي تنضح بالتحريض الدموي الخطير، بل تسلقت العنصرية جدران الجامعات ولدى أوساط أكاديمية. تجلى ذلك بوضوح بدعوة المستشرق د. مردخاي كيدار باغتصاب أمهات وشقيقات المقاتلين الفلسطينيين إضافة لفتاوى قتل المدنيين الفلسطينيين وبدعوة شبه صريحة لقتل عضو الكنيست حنين زعبي من قبل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي يقود اليوم حملة لمقاطعة فلسطينيي الداخل اقتصاديا.
المدفع لا ينفع
ويفسّر أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب بروفيسور يهودا شنهاف انفلات العنصرية بالإشارة إلى أن إسرائيل تذوق هذه الأيام طعم هزيمة لم تشهدها منذ تأسيسها. شنهاف المعادي للصهيونية يوضح أن الشارع الإسرائيلي يائس ومحبط من نتائج الحرب، والإسرائيليون يشعرون أن المقاومة الفلسطينية نجحت هذه المرة في تضليل عدوها والانتصار عليه ونجحت في تهجير اليهود من مستوطنات غلاف غزة للمرة الأولى منذ 48. كما يشير الى أن المد العنصري جذوره متنوعة وبعضها عميق في كتب التعليم والإعلام والتشريع لكنه ينوه لخيبة أمل الإسرائيليين لإدراكهم وبوضوح محدودية القوة وأن المدفع وحده لا ينفع. ويتابع « تغذي هذه العنصرية مخاوف دفينة وجديدة من المستقبل ومن مواجهة مقاطعة سياسية وأكاديمية واقتصادية في العالم». وردا على سؤال يوافق على أن بعض قادة فلسطينيي الداخل يزيدون بتصريحات نارية مخاوف الشارع الإسرائيلي أو يلوحون بمنديل أحمر ويدفعونه للمزيد من الهيجان.
«القدس العربي» تستطلع رأي سياسيين ومثقفين من فلسطينيي الداخل حول هذه العنصرية التي يحذر مراقبون إسرائيليون من خطورة تدهورها نحو الفاشية، وسبل الرد عليها بنجاعة بالمقارنة بين الموجود والمطلوب.
ملاحقة قضائية
ويحذر رئيس لجنة المتابعة العليا، الهيئة التمثيلية الأعلى داخل أراضي 48، محمد زيدان من نتائج التحريض المنفلت على المواطنين العرب واصفا الحكومة الإسرائيلية بـ «حكومة المحرّضين». ويقول زيدان إنه يعكف على كتابة مذكرة للمستشار القضائي للحكومة ومطالبته بمقاضاة المحرضين العنصريين ضد المواطنين العرب، منوها أن التحريض غير مسبوق كما وكيفا. ويشير أنه لن يكتفي بالمسار القضائي لكن المجتمع العربي لا يملك الكثير من أدوات التأثير على تسونامي العنصرية في إسرائيل، ويتساءل ماذا نفعل وكيف نتحرك طالما أن رئيس الحكومة والكثير من الوزراء هم أنفسهم محرضون على العرب؟ وينبه أن العنصرية في إسرائيل لم تعد محصورة بالهوامش بل تطال المؤسسة الحاكمة والشارع الذي يشهد انزياحا كبيرا نحو مواقف قومجية ودينية متشددة. وقال زيدان أنه بصدد «إعداد رسالة هي قيد التشاور مع جهات قضائية للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ندعم فيها القرار الأممي بتشكيل لجنة تحقيق بجرائم إسرائيل في الحرب على غزة، ستتطرق للتحريض الرسمي الخطير على الفلسطينيين في إسرائيل».
الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي
وهذا ما يراه أيضا الحقوقي المحاضر د. يوسف جبارين موضحا أن الحرب على غزة كشفت عمق العنصرية وخطورة التوجهات المعادية للمواطنين العرب على المستويين المدني المجتمعي والرسمي والمؤسساتي. ويقول إن هذا التصعيد يبلغ اليوم ذروة جديدة، منذ هبة القدس والأقصى عام 2000. وينوه الى أن العنصر الأخطر في هذا السياق هو تراجع، إن لم يكن تواطؤ، دور المؤسسات التي من المفروض أن تكبح سطوة السلطة التنفيذية، مثل النيابة العامة والدفاع العام والمحاكم ومكتب مراقب الدولة ومؤسسات المجتمع المدني الاسرائيلي. هذا التجسيد للعنصرية المتصاعدة هو نتاج للموجة العكرة من التحريض العنصري والقوانين العنصرية والسياسات الإقصائية ضد الجماهير العربية، التي ميّزت الحكومات اليمينية في السنوات الأخيرة. وحول الرد على العنصرية يوضح «أن هناك ثلاثة محاور عمل أساسية ضمن استراتيجية المواجهة، أولها العمل على رص صفوف وتوحيد نضال فلسطينيي الداخل». كما يدعو الى «توطيد العمل والتنسيق مع القوى التقدمية اليهودية التي تحدّت الإجماع الشوفيني على دعم الحرب، من أجل رسم استراتيجيات نضال مشتركة. كذلك تعزيز عملنا أمام المؤسسات الدولية، وخاصة الحقوقية منها، مثل هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع أهمية تطوير علاقات عمل خاصة مع السفارات الأجنبية في البلاد، ومفوّضية الاتحاد الأوروبي في تل ابيب».
وزن نوعيّ وكمّي في الكنيست
ويقول الكاتب علاء حليحل إنه على سبيل المفارقة «يمكن القول إنّ وجود اليسار الصهيونيّ اليوم ضمن الشرائح المحرَّض ضدّها في الدولة أمر جيّد لنا نحن العرب. فقد كنا عرضة للعنصرية المُمأسسة والشعبيّة طيلة سنوات كثيرة، وكنا نقول دائمًا إنّ من يصرخ «الموت للعرب» سيأتي يوم ويصرخ «الموت لليسارييّن» ومن يعتدي على متظاهر عربيّ سيأتي يوم ويعتدي على متظاهر يهودي». لكنهذا في رأيه هذا لا يجدي نفعًا الآن، خصوصًا أنّ جوّ التحريض والعنصريّة لا يأتي من ضعف الديمقراطيّة الإسرائيليّة كما يدّعي الكثيرون ويعتبر أنه منذ احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967 انهارت الديمقراطيّة الإسرائيليّة جوهريًّا وظلّت قائمة على طقوس تقنيّة توحي بوجود «فيل» في «داخل الدُغل».
ويوضح أنه «لا مجال لمواجهة العنصريّة الآخذة في التزايد من دون وحدة رؤيا وتنظّم فلسطينيي الداخل، ومن دون التفكير خارج الأطر المتعارف عليها». ويدعو إلى الالتفات فورًا لحملات تعيد الثقة بالنفس، خصوصًا للجيل الشاب المنخرط في الكليات والجامعات وأماكن العمل المختلطة، وتوفير أدوات ميدانيّة لمحاربة المقاطعة الاقتصاديّة عبر حملات تشجيع تسوّق في مدننا وقرانا. ويضيف «ما نحتاجه لمواجهة العنصريّة المُمَأسَسة هو وزن نوعيّ وكمّي في الكنيست عبر تحالف قوائم تكتيكيّ مستقبليّ، وتوفير نموذج إيجابي للعرب كأفراد وكمجموع كي لا يكون ردّ الفعل على هذه الحملة المزيد من الأسرلة التي قد توحي للكثيرين بأنها الحلّ الأفضل، من باب استجلاب الرضى من الطرف الإسرائيليّ طلبًا للهدوء ولقمة العيش».
تغيير خطابنا السائد والإفلات من خانة المتباكين
وهناك من يدعو لاستبدال خطاب المحقّين بخطاب الحكيمين كغيداء ريناوي – زعبي مديرة «إنجاز» الجمعية المعنية بإصلاح الحكم العربي المحلي التي تحمل مسؤولية العنصرية شبه الفاشية للحكومة والدولة المسؤولة الأولى عن سلامة وأمن وكرامة وجودة حياة الموطنين . وتوضح أن «كل حرب تخوضها إسرائيل تفضح هشاشة العلاقات بين المواطنين العرب واليهود». وتشير إلى هيمنة الخطاب العنصري في إسرائيل 2014 بعدما كان يعتبر حتى نهاية سنوات الثمانينيات محظورا في الشارع. وتدعو ريناوي- زعبي إسرائيل لتغير خطابها ضد المواطنين العرب من خلال الإعلام والمؤسسات الرسمية والتربوية ابتداءً من تعريف ذاتها، والبحث في العلاقات بين المواطنين وفي معناها الحقيقي، وترجمة المواطنة وممارستها غير المشروطة وبشكل ديمقراطي كامل وليس فقط بإعادة طرح الخطاب الاقتصادي كما هو متبع حاليا، اذ ان التطوير الاقتصادي للجمهور العربي شرط أساسي ولكنه غير كاف لإحداث تغيير حقيقي اجتماعي وسياسي.
من جانب آخر فوفق رؤيتها النقدية لفلسطينيي الداخل تدعو «لتغيير الخطاب السائد وألا يبقوا عالقين بخانة المتباكين واستبدالها بمنظومة المبادرة لطرح بدائل خلاقة لمعنى المواطنة مع التمسك بالقيم والمبادئ التي من شأنها ان تحقق العدل والعدالة الاجتماعية. هذا يعني بالأساس البحث عن شركاء غير اعتياديين من الجانب اليهودي للتباحث في امكانيات غير مسبوقة وغير مكرورة لمعنى المواطنة والخروج من الشعار الفارغ من المضمون الذي ينادي بشكل اوتوماتيكي بدولتين لشعبين».
أولا لنأخذ الخطر على محمل الجد
وتوجهنا بالسؤال لعبد الحكيم مفيد إعلامي وسياسي من الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، هل نملك قدرة للتأثير على العنصرية المتفاقمة في إسرائيل؟ فأكد أن المجتمع العربي كمجموعة يملك قوة لا يستهان بها سبق وأثبتها، مشددا على توفر إمكانية التأثير إذا تحدث بصوت واحد لا سيما أن العنصرية لا تقتصر على هذا الحزب أو هذه الحركة، بل تطال كل فلسطينيي الداخل. وتابع «إسرائيل تصدر أزماتها الداخلية للخارج والعنصرية المتراكمة ستزداد ضدنا بعد الحرب في محاولة للحصول على «لايكات» سياسية وانتخابية في الشارع الإسرائيلي». وينبه إلى أن العنصرية الحالية غير مسبوقة وبلغت حد تحريض وزير على قتل عضو كنيست عربي داعيا لعدم الإستهانة بخطورة ذلك.
وكيف نؤثر على هذه العنصرية لتلافي شرورها وتبعاتها المتنوعة الخطورة؟
« نحن نملك التأثير وينبغي استنفاد كل الأدوات لمواجهة التحريض العنصري ولكن حاليا نحتاج لأن تبادر كافة الفعاليات السياسية والثقافية لطاولة مستديرة ونفكّر إلى أين نحن ذاهبون. هناك أمور بأيدينا وهناك أمور فوق طاقتنا. الأهم الآن أن نأخذ الحالة العنصرية المنفلتة على محمل الجد فكيفما توجهنا نصطدم بها وهي خطيرة جدا».
ونحتاج للتعاون مع أوساط يهودية أمام هذه المرحلة الخطيرة؟
«نعم هناك شخصيات يهودية معارضة للصهيونية يمكن أن نتعامل معها شريطة ألا يضيع المجتمع العربي في خانة اليسار الإسرائيلي كـ «ميرتس» وأخواتها من الأوساط التي لم تكن على قدر المسؤولية أمام عمليات التحريض على العرب».
هناك من يدعو للتعاون مع أوساط صهيونية على قضايا عينية ولأهداف تكتيكية ونحن في مرحلة حساسة وخطيرة وغير مسبوقة كما تقول أنت أيضا؟
«لكل مقام مقال. أولا يجب أن نحدد لأنفسنا ماذا نفعل وكيف نتصرف حيال الوضع الناشئ بصرف النظر عن الأدوات التي سنستخدمها فالمهم أن نتفق على الإستراتيجية ومن ثم نحدد الأدوات وعندها سنلتزم كافتنا بها».
وماذا مع دعوات التدويل؟ هل هي عملية مفيدة أم تكسر ما تبقى من روابط المواطنة مع الدولة؟
«لا لم تعد هذه عملية كسر فالعلاقات مكسورة ومن المهم أن نتوجه لتصدير قضايانا للخارج كجماعة لا كجمعيات وأحزاب».