يُدرك المتابعون للشأن الفلسطيني أنّ التّضامن العربي، الذي سيبقى في أحسن الأحوال في إطار الدعم المعنوي والسياسي والمالي المتقطع، رسميّا وشعبيّا على السواء، هو تضامن يعتمد على الفعل الفلسطيني؛ بمعنى أنّ المبادرة الفلسطينية للفعل، سواء أكان فعلاً سياسيا أم مقاوماً على الأرض، هي التي تُحرّك الشارع العربي والحكومات العربية، للتفاعل مع الشأن الفلسطيني. وطالما هناك هدوء فلسطيني، فإنّ “الأطراف” العربية لا تضع الشأن الفلسطيني في سلم أولوياتها. من هنا يمكن أن نفهم، مثلا، لماذا لا يتم احترام شبكات الأمان العربية المالية التي يتم إقرارها لفلسطين.
وبمناسبة القمة العربية في الكويت أمس، نستذكر صندوق المليار دولار الذي “هندست” الدوحة شأنه في القمة التي انعقدت فيها العام الماضي، وكان مقرراً للقدس. إذ كان متوقّعا أنّ قطر صاحبة الفعالية الكبيرة في العمل السياسي العربي، ستجعل الفكرة هذه المرة شيئاً حقيقيّاً. لكن، تأكدت قناعة الفلسطينيين بأنّ كل شيء في العالم يتوقف عندما يصلهم، فيصبح مجرد إعلانات.
من هنا، فإنّه من دون أن يبلور الطرف الفلسطيني فعلاً محدداً، ويسهم في تغيير الوقائع على الأرض وخلط الأوراق ضد الطرف الإسرائيلي، وراعيه الأميركي، لا يُتوقع أن يكون هناك تحرك عربي. وهذا أمر بلا شك يجسّد عبئا على الجانب الفلسطيني، وخصوصاً الشعب؛ إذ يصبح متوقّعاً أن يبقى في حالة “انتفاض” دائم حتى يحظى بالدعم العربي!
ولكن عدم الفعالية العربية كانت، أحياناً، سبباً مباشراً أو غير مباشر لانتفاض فلسطيني.
في البدايات، كان الطرف الفلسطيني مضطراً أو معتقداً بأنّ تسليم الجانب العربي ملفاته هو التصرف الأسلم. ومن ذلك، في العام الذي سبق احتلال فلسطين العام 1948، المناشدات المتكررة للتدخل العسكري. ويعتقد الفلسطينيون أنّ الحصيلة النهائية أنّ الطرف العربي الرسمي هو من منعهم حينها من ممارسة ما يستطيعون من مقاومة مسلحة. فقد عمل جيش الإنقاذ الذي تشكّل العام 1948 بقرار من جامعة الدول العربية، في مواجهة جيش الجهاد المقدس الذي أنشأه الفلسطينيون، وجرى منع الآلاف من المتطوعين من الالتحاق بالجيشين. ورفضت الدول العربية بحزم مشروع الهيئة العربية العليا التي كانت تمثّل الفلسطينيين حينها، والمقدّم في شباط (فبراير) 1948، لإعلان دولة فلسطينية يوم 14 أيار (مايو)، موعد انتهاء الانتداب البريطاني. وكانت الهيئة قد طلبت من الموظفين الفلسطينيين في الأجهزة الإدارية الحكومية الاستعداد لاستئناف عملهم في ظل حكومة عربية.
كذلك، اعتقد الفلسطينيون أنّ الانقلابات التي حدثت بعد حرب 1948 في سورية والعراق ومصر، ستغير المعادلة لصالحهم، ولكن هذا لم يحدث. وفقط عندما بدأوا منظمات الكفاح المسلّح، وبعد تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبدأت تنعقد القمم العربية لبحث موضوع فلسطين.
في القمة العربية التي انعقدت في عمان العام 1987، يؤمن الفلسطينيون أنّ التركيز على الشأن العراقي-الإيراني حينها، وبحث الموضوع الفلسطيني من دون أولوية تذكر، كان من إرهاصات الانتفاضة في نهايات ذلك العام، لشعور الجمهور الفلسطيني بالإهمال.
وإذا كان “الربيع العربي” وثوراته لم يسفر عن أنظمة جديدة تقدّم الدّعم للفلسطينيين، فتبدد تفاؤلهم، فإنّ “المراقبين”، كما جاء في تقرير الزميل زايد الدخيل، في “الغد” أمس عن قمة الكويت، يرون “أنه في ظل الأتون المشتعل داخل المنطقة العربية، تراجع الاهتمام بقضية العرب الأولى القضية الفلسطينية، نظرا للانشغال بالشؤون التي استجدت داخل كل دولة عربية، وأصبحت اهتمامات معظم هذه الدول إما إيجاد حلول لمشاكلها أو محاولة تجنب الدخول في “متاهات” ما تعرضت له الدول الأخرى، من هنا، يعتقد هؤلاء أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية بات ضربا من الخيال في ظل هذا الوضع المتردي، وتحولت القضية إلى عبء يثقل كاهل الدول العربية، وخفت الصوت…”.
في اللحظة الراهنة، يجد الفلسطينيون أنفسهم في سياق وضع محيّر؛ من عدم فعالية عربية اعتادوها، وانقسام بين قياداتهم وفصائلهم، وغرق في مشاريع التفاوض وتبعات إقامة سلطة ودولة تحت الاحتلال أو تحت الحصار. لذلك يبقى السؤال في سياق التجربة التاريخية: هل يكون هناك رد فعل غير متوقع؟
الغد الأردنية