أمد/ واشنطن: يشجع غياب اتفاق أمني رسمي مع الولايات المتحدة بشأن إيران، إسرائيل على المقامرة والمخاطرة بالتصعيد، وفقاً لما يذكره تقرير أعدّه ستيفن كوك في مجلة “فورين بوليسي”.
في أول تصريح له بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “ستستخدم قوات الجيش الإسرائيلي على الفور كل قوتها لتدمير قدرات حماس، سندمرهم وسننتقم بقوة لهذا اليوم المظلم الذي فرضوه على دولة إسرائيل ومواطنيها”.
كان هذا التصريح سبباً في إثارة موجة من التعليقات حول استحالة تدمير حماس.
ووفق التقرير، فمن الواضح أن الزعيم الإسرائيلي ومستشاريه يختلفون مع وجهة النظر تلك، فقد أثبتوا ذلك في الثالث عشر من يوليو (تموز)، عندما ضربت إسرائيل القائد العسكري لحماس محمد ضيف، الذي نُشر باسمه إعلان عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ونائبه في خان يونس، رافع سلامة.
ثم حوّل الإسرائيليون أنظارهم على ما يبدو إلى رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، فقتلوه يوم الأربعاء بقنبلة زرعت في المبنى الذي كان يقيم فيه في طهران، بحسب تقارير أمريكية، لكن الحرس الثوري الإيراني أعلن مساء يوم السبت في بيان أن هنية قُتل بصاروخ إسرائيلي موجه.
وفي الفترة الفاصلة بين مقتل القياديين في حماس، دمر الإسرائيليون جزءاً من ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، واغتالوا فؤاد شكر، المستشار العسكري لأمين عام حزب الله. وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أن قائداً في الحرس الثوري الإيراني اغتيل في سوريا بعد وقت قصير من وفاة هنية.
هدف إسرائيل
بحسب الكاتب، فإن كل هذا العنف يعزز من الهدف النهائي الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه وهو “النصر”.
هذه هي النظرية الإسرائيلية على الأقل، حتى ولو لم تنجح عمليات الاغتيال السابقة لقادة حماس في إخضاع المنظمة. بل إن الاغتيالات تؤدي إلى استبدال قيادي مغتال بشخص آخر.
ومع ذلك، أكد نتنياهو في مؤتمر صحفي عقده بعد اغتيال ضيف وسلامة أن حماس بدأت تتصدع وتضعف، بحسب التقرير.
كان هذا تأكيداً على وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية القائلة، بأن أفضل طريقة لضمان أمن الدولة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم هي هزيمة حماس في ساحة المعركة.
وكان نتنياهو واضحاً في هذا الشأن، حيث أعلن مراراً وتكراراً خلال هذه الأشهر الطويلة من الحرب – مؤخراً في خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي ــ أن إسرائيل لن تتخلى عن أهدافها في الحرب.
وبدلاً من الالتفات إلى كلمات نائب الرئيس الأمريكي كاملا هاريس، المرشحة الرئاسية المفترضة عن الحزب الديمقراطي، لإنهاء الحرب، تقول القيادة الإسرائيلية: “نحن نريد أن تنتهي الحرب أيضاً، ولكن وفقاً لشروطنا وجدولنا الزمني، وليس شروطكم”.
مفاوضات “خادعة”
يقول الكاتب إنه في واقع الأمر، كانت المفاوضات التي استمرت طيلة هذه الأشهر “مجرد خدعة”.
فلم يكن لدى الإسرائيليين أي نية للانسحاب من القتال مع بقاء قيادة حماس سليمة، ومن جانبها، تعتقد حماس، في هيئة يحيى السنوار، رئيس الحركة في غزة، أنها تفوز بالحرب من خلال جر إسرائيل إلى صراع طاحن أضر بسمعة إسرائيل الدولية.
بحسب التقرير، فعلى الرغم من التصريحات العدائية، التي أدلى بها نتانياهو للإسرائيليين يوم الأربعاء، بأن أي شخص يهدد إسرائيل سيدفع ثمناً باهظاً، إلا أنه يخاطر بذلك.
فيمكن للجيش الإسرائيلي أن يقطع رأس حماس، لكنه قد لا يحسن الوضع الأمني في إسرائيل.
من الممكن أن تخيف الاغتيالات المذهلة التي تنفذها إسرائيل، واستعراضاتها العسكرية أعداءها، ولكنها لا تستطيع أن تجزم بذلك على وجه اليقين.
تجنّب التصعيد
فقد ورد أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت تعتقد أن إيران لن تهاجم، رداً على اغتيال اثنين من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني في دمشق في أبريل (نيسان)، ولكنهم كانوا مخطئين.
ومن المؤكد أن مقتل هنية، في قلب طهران بعد تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، يزيد من المخاطر التي تواجه قيادات إيران، الذين سيبدون ضعفاء إلى حد قاتل إذا فشلوا في الرد على إسرائيل على نحو ملموس.
ولا يبدو أن هناك وسيلة لتجنب التصعيد.
فقد تعهد المرشد الإيراني علي خامنئي على الفور، بالانتقام لمقتل هنية، ويُعتقد أنه أمر بالفعل بشن هجوم على إسرائيل.
ومن المؤكد أن رد طهران لا بد أن يكون قوياً، ولكن إذا أسفر رد إيران عن مقتل إسرائيليين أو إلحاق أضرار بالبنية الأساسية أو المواقع العسكرية الإسرائيلية الحيوية، فسوف تشعر إسرائيل بأنها مضطرة إلى الرد بطريقة تتجاوز الضرر الذي لحق بها.
وعلى هذا النحو يتسارع الصراع الإقليمي الدائر بالفعل ويشتد.
خلاف وجهات النظر
بحسب الكاتب، فإن الإسرائيليين يزعمون ـ كما فعل نتانياهو في واشنطن ـ أن أفضل وسيلة لإنهاء الحرب هي أن تقف الولايات المتحدة وإسرائيل متحدتين في مواجهة التهديدات المشتركة.
ولكن هذا التصفيق يخفي وراءه حقيقة مختلفة، فبرغم كل الحديث عن الالتزامات الصارمة ودعم إسرائيل، فإن زعماء الولايات المتحدة وإسرائيل لا يرون الصراع على نفس النحو.
فهو بالنسبة للإسرائيليين صراع وجودي؛ ونتيجة لهذا فإن الحكومة الإسرائيلية على استعداد لتحمل المخاطر من أجل إنهاء الحرب لصالحها رغم أن العديد من الإسرائيليين لا يتفقون مع الحكومة ويدعمون وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعيد الرهائن إلى أسرهم.
من ناحية أخرى، يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن القتال حتى النهاية من شأنه أن يسبب ضرراً أكثر من نفعه، حيث يتسبب في سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، وتطرف المزيد من الناس في المنطقة، وتعريض أهداف الولايات المتحدة مثل التكامل الإقليمي للخطر.
وبالتالي، فهم يفضلون السعي إلى حلول دبلوماسية تهدف إلى خفض التصعيد، حتى برغم أن كل الحوافز التي تدفع الأطراف المعنية إلى القيام بالعكس تماماً.
اتفاقية أمنية
يقول الكاتب، إن التناقض بين تصورات البلدين للتهديدات يسلط الضوء على التوتر في العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل (التي لا تلزم الولايات المتحدة رسمياً بالدفاع عن إسرائيل)، فالإسرائيليون يريدون أقصى قدر من القدرة على المناورة لتحقيق أهدافهم العسكرية، ويريدون ضمانات بأن سلاح الفرسان سوف يأتي إذا وقعوا في مشكلة.
ونظراً لما يعرفه الجميع عن صواريخ حزب الله وقوات الصواريخ الإيرانية، فإن الإسرائيليين قد يواجهون مشاكل كبيرة.
وهذا يشمل القدرات الفريدة للسفن البحرية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط والتي من شأنها أن تكمل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور، ولكنه غير كاف جزئياً.
ويقول الكاتب إنه قد حان الوقت للتغيير، فبدلاً من قطع المساعدات، وهو أمر غير مرجح، من الأفضل حشد الإسرائيليين، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي إبرام اتفاقية أمنية رسمية.
ومن شأن مثل هذه الاتفاقية أن تحدد بالتفصيل التزامات الولايات المتحدة والظروف التي قد تتوقع إسرائيل في ظلها أن تهب القوات الأمريكية لإنقاذها.