إذا كان قد عُرف عن رئيس مصر في سبعينيات القرن الماضي محمد أنور السادات، قوله إنّ تسعة وتسعين بالمئة من أوراق الحل (في الشرق الأوسط) بيد أميركا، فإنّ كثيرا من الشعب العربي ماض، كما يبدو، على طريق شبيهة، حتى عندما يتعلق الأمر بالشأن الفلسطيني الداخلي. فما إن تثار قضية المصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”، حتى يُقال إنّ هناك “فيتو” أميركي-إسرائيلي ضد المصالحة، وهذا سبب عدم التوصل إليها. وبالطبع، هذه مقولة يطرحها قادة في “حماس” وتبناها كثيرون. وكذلك إذا ما ذُكر توقف المساعدات العربية للسلطة الفلسطينية قيل إنّ هذا لأنّ الدول العربية تتلقى التعليمات من واشنطن. أي أننا أمام تناقض، بل إنّ تأمل الأمر يكشف تناقضا مركبّا.
تبلغ المساعدات التي يوقفها الكونغرس الأميركي، والموجهة للسلطة الفلسطينية، ما لا يقل عن 900 مليون دولار. بل وفي ضوء معدل المساعدات في السنوات التي سبقت توقفها، فإن قيمة المساعدات الأميركية الموقوفة تبلغ قيمة شبكة الأمان العربية المتعثرة في عام كامل، أي نحو 1.2 مليار دولار. فبأي منطق إذن يكون الفيتو الأميركي-الإسرائيلي هو الذي يجعل المصالحة متعذرة، ماذا سيحدث أكثر؟ الأهم من ذلك، هل حقا هناك فيتو أميركي ضد التعامل مع “حماس” والإخوان المسلمين؟
ألا تتعامل الولايات المتحدة مع الإخوان في مصر بإيجابية، حدّ تقديم التسهيلات التجارية والمساعدات والقروض؟ ألم تتحمس هيلاري كلينتون لدور مصر في هدنة بين “حماس” وإسرائيل في الحرب الأخيرة على غزة؟ ألم توافق “حماس” على حكومة وحدة وطنية بقيادة الرئيس محمود عباس، أي بإمكانه تشكيل حكومة بدون أن تعتبر حكومة “حماس”؟ ثم، وهذا الأهم، هل هناك إيعاز بمنع المساعدات عن السلطة في رام الله، وموافقة على منحها في غزة؟
كيف نعتبر أنّ الولايات المتحدة تمنع وتوعز للدول العربية بعدم تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية في رام الله، التي يُقال إنّها تخشى “فيتو” أميركيا ولا تقوم بالمصالحة مع السلطة الفلسطينية في غزة، بينما الدول العربية وغيرها تقدم المساعدات في غزة؛ ليس قطر فقط، بل دول خليجية أخرى تعلن تباعا عن مساعدات هناك؟!
لا يوجد معنى لهذه المعادلة المركبة المتناقضة إلا أنّ الولايات المتحدة تدعم السلطة في غزة، أو تغض النظر عن دعمها، أو تخطب ودها، فيما تعاقب أو تضعف السلطة في رام الله! وهو أمر يصعب تقبل افتراضه. أو أنّ الحقيقة هي أنّ العامل الأميركي ليس حاسماً، وليس هو تفسير ما يحصل.
عدا عن وقف المساعدات للفلسطينيين، أوقفت الولايات المتحدة التمويل لليونسكو، بعد أن قبلت المنظمة الدولية نهاية العام 2011 عضوية الفلسطينيين. وتغامر واشنطن بهذا بحقها في التصويت في المنظمة، فماذا ستفعل واشنطن أكثر، وما هو الفيتو الذي ستمارسه ضد المصالحة؟!
تتذرع قيادات “حماس” بوجود فيتو أميركي-إسرائيلي ضد المصالحة لترفضها، تماما كما كانت تقوم قيادات في “فتح” بالحديث عن تبعية “حماس” لإيران في موضوع المصالحة. وواقع الأمر أن توقف المساعدات الأميركية للفلسطينيين في رام الله، منذ عامين، يُضعف كثيرا حجة الفيتو الأميركي على المصالحة. وموقف “حماس” من الشأن السوري دحض الحديث عن تبعية لإيران. ووجود مساعدات عربية توجه إلى غزة من دول تعتبر حليفة لواشنطن، يثير الدهشة بسبب عدم الالتزام بالمساعدات للسلطة في رام الله، ولكنه يثير شكوكا حقيقية حول مقولة إنّ توقف المساعدات العربية سببه رغبة أميركية، ويؤكد أولا أنّ سبب عدم إبرام المصالحة يعود لأسباب داخلية لدى “فتح” و”حماس”، وليس لأسباب خارجية، ويؤكد أن توقف المساعدات العربية فيه ملابسات غير فكرة “الإيعاز” الأميركي.
ربما يشكل انفتاح الأميركيين على الإخوان في مصر، وتمكن “حماس” من الحصول على دعم قوى تتحالف مع واشنطن في ملفات مختلفة، مثل ليبيا وسورية، رسالة مفادها أنّ الحديث عن الهيمنة الأميركية مبالغ فيه، كما يؤكد هذان الأمران أن العلاقة ليست صفرية بين واشنطن والإخوان، وأنّ خللا آخر ربما هو سبب عدم حصول الفلسطينيين، وتحديدا السلطة في رام الله، على المساعدات العربية.
الغد الاردنية.