كان تونس أول بلد عربي يكرس حقوق المرأة في القانون وراء في العام 1957، وكان فوق ذلك البلد الوحيد الذي طبق بنجاح الدروس المستقاة من الربيع العربي. وحتى مع ذلك، ما يزال هناك طريق طويل أمام النساء التونسيات ليقطعنه -في العمل وفي السياسة على حد سواء.
كانت ثورة تونس قد أنهت دكتاتورية طاولت 22 عاماً، وأطلقت موجة من الاحتجاجات الشعبية في عموم المنطقة. وقد أشاعت الإطاحة بدكتاتورها، زين الدين بن علي، إحساساً مبهجاً بالوحدة. ومع ذلك، خشي ناشطو حقوق المرأة مما يمكن أن يحدث لحقوقهن القائمة مع استيلاء النزعة المحافظة الإسلامية على مقاليد السلطة بعد الثورة، ووصول حزب النهضة الإسلامي إلى سدة الحكم.
على الرغم من أن حكم بن علي الذي زاد على عقدين كان قد تميز بالفساد وبانتهاكات حقوق الإنسان وبوضع قيود مشددة على حرية الكلمة والمعارضة السياسية، فقد حافظ نظامه على أسس تشريعات حقوق النساء القوية في البلد التي وضعت في العام 1957 مع تبني قانون الأحوال الشخصية.
وكان ذلك القانون قد ضمن للنساء في تونس حقوقاً أوسع بكثير من أي مكان آخر في المنطقة. فقد منح المرأة حق المبادرة إلى تطليق زوجها، وفتح حساب بنكي خاص وتأسيس مشروع تجاري من دون موافقة الزوج. كما أنه منع تعدد الزوجات. وفي العام 1956 أصبحت تونس أول بلد عربي يطرح قانوناً يجيز الإجهاض.
مع ذلك، في العام 2014، تراجع القلق المتعلق بمستقبل هذه المكاسب في حقوق النساء عندما تكرست بقوة في الدستور الجديد. وقد أكد الدستور الجديد الحقوق الموجودة وفرض المساواة الجندرية على كل القوائم الانتخابية. واليوم، نجد أن نحو نسبة 30 % من الهيئة التشريعية مكونة من النساء، وتدرس أحزاب عدة طرح فكرة نظام الكوتا الجندرية لكل مستويات الحكومة والخدمة المدنية.
تقول إشرُق رحومة، 27 عاماً، التي كانت واحدة من عشرات الآلاف من النساء التونسيات اللواتي نزلن إلى الشوارع في تونس خلال الربيع العربي: “يجب أن يكون للنساء تواجد في الحياة السياسية وفي قطاع الاتحاد”. وكانت رحومة، من مدينة سيليانة الريفية، قد انتقلت إلى تونس للحصول على شهادة في إدارة الأعمال. وكانت في الحرم الجامعي عندما اندلعت الاحتجاجات، فقررت مع رفاقها الجامعيين النزول إلى الشوارع.
واستحضرت رحومة التي كانت تتحدث وهي تشرب العصير في واحدة من شرفات المقاهي العديدة في جادة الحبيب بورقيبة التي تعد الشارع الرئيسي في تونس: “هتفنا: ارحل، وكنت مؤمنة تماماً بذلك. كان هذا هو الموقع الرئيسي للثورة؛ حيث ترتب عليها المجيء للاحتجاج في ذلك الوقت”. وتقول: “كنت خائفة بعض الشيء. لكنك عندما ترى الشارع وقد غص بالمحتجين، فإنك لا تفكر بالخوف كثيراً، وإنما تقول: هذا دكتاتور يجب علينا طرده خارج تونس، وإقامة بلد أكثر ديمقراطية”.
وقد غيرتها التجربة سياسياً. قررت أنها لن تقف في تونس الجديدة على الهامش وتراقب بسلبية الديمقراطية الجديدة وهي تتأطر. وأصبحت ناشطة في السياسة، وسرعان ما واجهت أول عائق اصطدمت به -في البيت.
“كان والدي وعائلتي خائفين علي، لأن عمل امرأة في السياسة ليس خياراً سهلاً. ولذلك مررت بصعوبات”. وأضافت رحومة أنه من أجل التقدم كأنثى في السياسة -وإنما في إطار ثقافة أبوية مفرطة، كان عليها أن تعمل باستراتيجية. وأدركت أنها تستطيع الهروب من قيود والدها عبر الاقتران برجل أكثر انفتاحاً على طموحاتها السياسية. وتقول وهي تبتسم ابتسامة عريضة: “اخترت خطيباً كان متأقلماً مع أهدافي وأيديولوجيتي”.
ومن المقرر أن تتزوج في غضون أشهر قليلة. وبينما تستعد للزواج، تهيئ رحومة نفسها أيضاً لحياة في السياسة؛ وتنوي خوض أول انتخابات بلدية في تونس، والتي من المتوقع عقدها في العام المقبل. وتقول: “هذا هدفي الرئيسي الذي أعمل ليل نهار من أجله”. وهي تأمل في الفوز، يشجعها على ذلك نمو النشاط النسوي في الفضاء السياسي، ولكن مع ذلك “يجب علينا أن نحذر من كل المشاكل المحتملة التي قد تنشأ”.
وهناك مشاكل فعلاً. وبالرغم من الحماية الدستورية لحقوق النساء القانونية منذ الثورة، ما تزال التحديات أمام النساء قائمة. بينما تتخرج النساء التونسيات من الجامعات بمعدل يعادل ضعف الخريجين الذكور، تقف نسبة البطالة بينهن عند 26 % في مقابل 16 % للرجال، وفق إحصاءات الحكومة.
وتواجه النساء اللواتي يتمكن من العثور على وظيفة تمييزاً كبيراً في الأجور، خاصة في القطاع الزراعي، طبقاً لبعض المجموعات الدفاعية. وفي شهر آذار (مارس) الماضي، نشرت الرابطة التونسية للعمل الثقافي تقريراً يقول إن 99 % من النساء العاملات في قطاع الزراعة الخاص لا يتلقين الأجور نفسها التي يتقاضاها الرجال الذين يشغلون وظائف مماثلة.
ووفق وزارة شؤون المرأة والأسرة، فإن العنف ضد النساء يتصاعد، مرتفعا بنسبة 6 % عن نسبته في الأعوام الأربعة الماضية. ونشرت الحكومة هذا العام تقريراً يقول إن 53 % من النساء التونسيات يتعرضن لاعتداء جسدي واحد على الأقل في حياتهن.
بدلاً من مخاطبة هذه المشاكل، تصر الحكومة التي يهيمن عليها الذكور على أن أمامها قضايا أكثر إلحاحاً للبت فيها، مثل الاقتصاد الراكد والإرهاب المحلي وإضفاء الاستقرار على الديمقراطية الجديدة في البلد –حيث شهدت تونس تشكيل سبع حكومات في فترة تقل عن ستة أعوام.
لكن المجتمع المدني في البلد، الذي نما من حيث العدد والحيوية منذ الثورة، يحتج ضد هذا الموقف الحكومي. ويقول وليد العربي، الأمين العام لمنظمة “بيتي” غير الحكومية المكرسة لخدمة ضحايا الإساءة والعنف ضد النساء: “نحن في المجتمع المدني نعتقد أن العنف متجذر في التمييز، ولذلك يجب علينا، كمجتمع مدني، أن نقضي على كل التمييز”. ويضيف: “إننا نطالب الدولة باستعادة المساواة التامة في كل المجالات، ومحاربة التمييز”.
تقول وزيرة شؤون المرأة والاسرة، نزيهة لابيدي، إنها تشارك في الهدف وراء استعادة المساواة خلال وجودها في منصبها الذي تولته للتو. وهي تخطط لتعيين موظف إشارة لكل وزارة ودائرة خدمة مدنية، والذي يكلف بمهمة ضمان أن يتم تطبيق المساواة وتساوي الفرص التي كفلها الدستور. وتحذر الوزيرة من أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقة إلا من خلال حوكمة وإدارة ثابتة وهادئة، وليس من خلال الهرولة نحو إقرار قوانين جديدة. وتقول: “توجد لدينا أصلاً طائفة كاملة من قوانين (حقوق المرأة)، لكنها لا توجد من حيث التنفيذ. معركتي هي تنفيذ هذه القوانين”.
إحدى الطرق للقيام بذلك هي سد الفجوة في الكفاءات والمهارات السياسية التي توجد بين النساء والرجال في فضاء السياسة التونسية. ولأن النساء غالباً ما تعرضن للتثبيط والصد عن احتلال مواقع في السلطة في المجتمع التونسي في الماضي، فإن السياسيات الإناث يعانين من تخلف في الخبرة. وعليهن أن يجتهدن للحاق بالركب في اللعبة السياسية.
طورت المنظمة غير الحكومية “أصوات النساء” التي تأسست بعد الثورة دورات تدريب سياسية مرة في الشهر للنساء اللواتي دخلن أو على وشك دخول معترك الحياة السياسية. وتقول رئيسة هذه المنظمة، مريم بوعطور: “تحتاج بعض النساء إلى التدريب في الاتصالات السياسية لأن السياسة في الجزء الضخم منها تتعلق بكيفية التواصل. بعض النساء يفتقرن للمعرفة فيما يتعلق بجمع أموال التبرعات للانتخابات أو كيفية تحشيد متطوعين”.
تتعلم النساء اللواتي يحضرن جلسات التدريب أيضاً كيفية التواصل والاتصال بوضوح، وتكوين الأفكار والبحث وتفسير القوانين ووضع الموازنات الحساسة للجندر والنقاش بفعالية.
وسجلت منظمة “أصوات النساء” 40 امرأة في برنامجها التدريبي لهذا العام، كلهن ناشطات في فضاء السياسة. وتتوجه العديد من الجلسات نحو النساء مثل إشرُق رحومة، اللواتي يتهيأن لخوض الانتخابات البلدية المقبلة. وهناك كريمة تغاز، 33 عاماً، المتدربة التي بدأت مؤخراً كممثلة انتخابية في الجلسة الجديدة للبرلمان القومي. وتقول: “لقد زرت البرلمان من قبل، لكنك عندما تكون عضواً في الجمعية -البرلمان- فذلك شأن آخر. إنك تصبح جزءا من هذا العالم”.
تبقى تغاز جديدة على السياسة البرلمانية، وهي أيضاً جديدة نسبياً على تونس. فقد ولدت في فرنسا لوالد منفي سياسي حزبي من حزب النهضة الإسلامي الذي كان قد اضطر إلى الهرب من قمع بن علي في ثمانينيات القرن الماضي. ويعد حزب النهضة راهناً من أقوى الأحزاب التونسية بعد تخليه عن سياسته الإسلامية لصالح أن يصبح حزباً علمانياً.
وتجد تغاز في نفسها لاعباً سياسياً من نتاج نفي سياسي، مستفيدة من تربية ثنائية الثقافة. وتقول: “أن أتوافر على ثقافتين -فرنسية وتونسية- فإنا أجد هذا ذا قيمة عالية؛ إنهما عالمان أحاول دخولهما لجلب أفكار جديدة إلى الطاولة، ولست فريدة في ذلك. هناك أخريات مثلي”.
من بين الدوائر الانتخابية التونسية الثلاث والثلاثين، هناك ست خارج البلاد، والتي تمثل الشتات التونسي الضخم والنافذ. وتوجد اثنتان من الدوائر الانتخابية في فرنسا، وواحدة في ألمانيا، وواحدة في إيطاليا، بينما تغطي الأخيرتان باقي أوروبا والأميركتين. وكانت تغاز، التي تعيش الآن في تونس بشكل دائم، قد كسبت مقعدها في البرلمان من خلال الدائرة الانتخابية “فرنسا 1” في شمالي فرنسا. وهي تهيئ نفسها لتؤثر على النساء في هذا الموسم التشريعي. وتقول: “يجب على النساء أن يتجرأن لفرض أنفسهن في السياسة حتى يتمكنَّ من شغل مكانهن الصحيح. إنهن لا يستطعن الانتظار حتى يفعل ذلك أحد نيابة عنهن”.
دون دونكان* – (لوموند دبلوماتيك)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
*صحفي إيرلندي ومنتج أفلام متمركز في بروكسل.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: In Tunisia, women still struggle for their rights
abdrahaman.alhuseini@alghad.j