غزة / لم يأبهن بنظرات المارة من الرجال أو قريناتهم النساء على حد سواء، تمسك كل واحدة منهم بـ’مكنسة’ وأنظارها تتجه للأرض تمشطها لإزاحة التراب والأوراق المتناثرة لتنظيف شوارع المدينة، هدفهن فقط تشجيع جمع من الرجال على العمل بدون خجل، ضمن برنامج ‘بطالة مؤقتة’ مختص بتنظيف الشوارع العامة.
هن مجموعة من الفتيات كسرت تقاليد المجتمع الغزي، الذي يحرم المرأة من العمل في مثل هكذا مشاريع، في خطوة هدفن من خلالها ترغيب الرجال العاطلين عن العمل والذين يجدون عيبا كبيرا في النزول للشارع للعمل في مهنة النظافة بشكل غير دائم، ضمن برامج ‘تشغيل البطالة’.
فبعضهن خلال العمل حملن مكنسة، وأخريات نقلن الرمل بعد جمعة إلى عربة مخصصة للأمر، لها مقبضان لدفعها، وهي ذات عجل واحد، ورغم احتياجها لجهد وقوة كبيرة خلال الدفع، عملت إحداهن على تنفيذ المهمة رغم الفارق في القوة والبناء الجسماني عن الرجال.
ففي قطاع غزة يقتصر عمل الفتيات فقط في الدرجة الأولى على العمل كمدرسات، أو في بيوت الحضانة، أو في الشركات كموظفات غير متجولات، ولم يسجل من قبل أن شوهد فتيات يعملن في مهنة نظافة الشوارع، المقصورة فقط على الرجال.
لكن تقول صابرين الغرباوي إحدى المشاركات في المهنة الجديدة أنها قدمت هي وجمع من زميلاتها العاملات في مركز ‘معا’ التنموي، أنهن نزلت للشارع لتنظيفها، بعد أن وجدن أن الرجال الذين يعملون في برنامج البطالة، غير متقبلين لهذا النوع من العمل، بسبب الخجل.
وتشير صابرين خلال حديث مع ‘القدس العربي’ انها أرادت من خلال مشاركتها أن تؤكد أن ‘العمل ليس عيباً’، وأن النساء متساويات مع الرجال.
وتعمل الناشطات المجتمعيات وهن يرتدين زي العم الرسمي، وهو عبارة عن ‘تي شيرت’، وكاب يحمل شعار المؤسسة، في شارع مدينة غزة الرئيس ‘عمر المختار’ دون أي ملل ولا يتوارين للحظة عن العمل بجد، وهناك تجد الرجال ينشطون بشكل أكبر في العمل، بعد أن كسر حاجز الخجل بحمل المكنسة أمام المجتمع من خلال النساء.
وفي بلدة بيت حانون وهي قرية زراعية شمال القطاع، نفذ الفتيات المرحلة الثانية هناك من برنامج المشاركة، لكن هناك كانت نظرة السكان تحمل نوعا كبيرا من الدهشة، لما رؤوا الفتيات يحملن المكانس برفقة الرجال في الشارع، وتقول إحدى المشاركات أن نساء القرية تركن المنازل وخرجن لمشاهدتنا، لكن الأمر سرعان ما تحول إلى تلقيهن عملية تشجيع غير متوقعة.
وفي قطاع غزة هناك من الرجال الذين التحقوا ببرامج التشغيل المؤقت، من تخرج من الجامعة، ومنهم من كان رب عمل أو صاحب مصنع أو ورشة عمل كبيرة، تضم عشرات العمال، ويجدون حرجا بعد أن قلب الحصار موازين القطاع، وألحقهم بجموع البطالة حرجا في حمل المكنسة لتنظيف الشارع.
وتنشط عدة جهات في قطاع غزة من بينها الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ‘الأونروا’ والعديد من المؤسسات المجتمعية على تنفيذ برامج ‘تشغيل بطالة مؤقتة’، من بينها برامج تنظيف شوارع القطاع العامة، وتستهدف هذه المشاريع جموع البطالة المتفاقمة في قطاع غزة، والتي أحدثها حصار إسرائيل المفروض منذ أكثر من خمس سنوات.
وتقدر نسب البطالة في قطاع غزة بأكثر من 35 بالمئة، وترتفع في القطاع نسب الفقر، أيضا بسبب الحصار، وأكدت دراسة أعدها جهات دولية أن نحو 80 بالمئة من سكان القطاع يتلقون مساعدات إعانة خارجية.
وتقول المشاركات أن نزولهم لإقناع الرجال بتقبل العمل هذا، وأن عليهم عدم الشعور بأي نوع من الخجل، خاصة في ظل تفشي البطالة.
ويقول جبر قديح مدير مركز ‘معا’ لـ ‘القدس العربي’ ان المبادرة هذه سعت إليها العاملات في المركز، ويشير إلى أن طاقم العمل يقول بين الحين والآخر بترك المكاتب والنزول إلى عدة مناطق في القطاع لمساعدة المزارعين والصناعيين، وغيرهم من أصحاب المهن الأخرى.
وتحدث عن مشروع سينفذ قريبا يشمل جنى محصول ‘البازيلاء’ مع مزارعي جنوب قطاع غزة، وقال ان الموظفين في المركز من شباب وفتيات سيشتركون في هذه المهمة.
‘القدس العربي’ ـ أشرف الهور