تواصل صحيفة “الموقف الليبي” فتح صفحاتها في متابعة المستجدات على الصعيد الفلسطيني في ظل استمرار جرائم الاحتلال الصهيوني وحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وقد وجهت الصحيفة من خلال هذه المتابعة تساؤلات للقيادي الفلسطيني وعضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وأستاذ الدراسات الإقليمية والعربية المعاصرة الأستاذ حكم طالب، بخصوص التطورات المرتقبة للقضية الفلسطينية بعد معركة (طوفان الأقصى) في غزة.
وتحدث “طالب” خلال حواره مع «الموقف الليبي» عن الآفاق والتوقعات، ومدى قدرة القيادة والقوى الفلسطينية على استثمار نتائج المعركة لمصلحة العمل الوطني الفلسطيني وصولاً الى التحرير الشامل بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
برأيكم ماذا تُشكل عملية طوفان الأقصى في تاريخ النضال الفلسطيني؟
شكّل السابع من أكتوبر 2023 يومًا مفصليًا ومميزًا في تاريخ القضية الوطنية لشعبنا الفلسطيني، حيث أظهر هشاشة الكيان الصهيوني الغاصب وألحق به خسائر بشرية ومادية كبيرة وأسقط مقولة “الجيش الذي لا يقهر”.
وهو ما سبب إرباكاً لهذا الكيان وأسر المئات من جنوده ومواطنيه ووضع كل مستوطنات الغلاف تحت سيطرة المقاومة الفلسطينية، مما أدى الى أن تشكلت حكومة طوارئ ومجلس حرب في كيان الاحتلال وإعلان الحرب على قطاع غزة.
وتابع: أدخل يوم 7 أكتوبر المجيد القضية الفلسطينية في مرحلة سياسيّة ونضالية جديدة مما يتطلب أهمية ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني لتعزيز قدرته على مواجهة التحديات وذلك بالشروع في حوار وطني شامل وجاد يستند على قاعدة الشراكة السياسيّة والمصالح الوطنية العليا لشعبنا.
هل تعتقد أن ردة فعل الاحتلال الصهيوني تعكس فداحة ما تكبده من خسائر في هذه الحرب؟
بالطبع.. والدليل على ذلك أنه شن حرباً ضروساً على شعبنا الفلسطيني مستخدماً كافة أشكال الأسلحة المحرمة دولياً، ولم تسلم المدارس والجامعات ودور العبادة والطواقم الطبية والصحيفة والأطفال والنساء من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بدعم من التحالف الغربي الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مما خلف قرابة 17000 شهيد وقرابة 40000 جريح، وأجبر حوالي مليون وأربعائه ألف فلسطيني على النزوح الى مناطق جنوب القطاع.
وأحكم الاحتلال السيطرة على مناطق الشمال، في محاولة لتكريس الهيمنة الاحتلالية بعد فشل الاجتياحات البرية المتتالية، واتخاذ المواطنين الفلسطينيين في تلك المناطق دروعاً بشرية لخلق نكبة جديدة في اطار سلسلة النكبات والمآسي التي مر بها شعبنا منذ النكبة الكبرى عام 1948 .
ماهي توقعاتكم لما ستكون عليه المرحلة القادمة؟
تحمل المرحلة القادمة في طياتها مخاطر كبيرة ضد مشروعنا الوطني التحرري لتحقيق أهداف شعبنا في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا واضح من خلال سياسات وإجراءات الحكومة العنصرية اليمنية والفاشية في الكيان الصهيوني والتي تسعى للقضاء على كل ما هو فلسطيني وتفريغ الأرض من سكانها الشرعيين وممارسة منجية التهجير القسري والأبرتهايد.
وتابع: اننا في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني نؤكد على ضرورة تعزيز الانسجام والتكامل بين المستويين الرسمي والشعبي من خلال استكمال معززات الدولة الفلسطينية والانضمام الى كافة المؤسسات والمعاهدات والمواثيق الدولية لتعزيز المركز القانوني لدولة فلسطين على اثر الإنجاز الوطني الذي تحقق في العام 2012 بالاعتراف الأممي بعضوية دولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود السياسية والدبلوماسية لرفع مستوى العضوية الى عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
وكذلك لا بد من الارتقاء بمستوى النهوض بالمسؤولية الوطنية المشتركة في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا من خلال تفعيلها وتطويرها وأخذ دورها القيادي والمرجعي باعتبارها طليعة حركة التحرر الوطني وحاملة المشروع الوطني الفلسطيني من الاحتلال الى تحقيق الاستقلال الوطني الناجز.
ما المطلوب من الحكومات العربية لدعم القضية الفلسطينية حاليا؟ وكيف ترون تعاطف الشارع العالمي؟
نتطلع الى مواقف عربية ترتقي الى مستويات التحديات ومنها: مواصلة الدعم السياسي العربي، ومحاربة كافة أشكال التطبيع والالتزام بمقررات الاجماع العربي ووضعها في موضع التنفيذ اسنادا للقضية الفلسطينية ودعماً للشعب الفلسطيني لنيل الحرية وبناء دولته.
وتابع: نثمن التحرك الجماهيري العالمي غير المسبوق والذي بدأ يلقي بظلاله على دول محور الشر الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت شريكاً فعلياً في تنفيذ العدوان البربري والهمجي.
ونثمن تعبير الشعوب العربية وكافة شعوب العالم عن مواقفها المبدئية الشجاعة والثابتة مع الحق الفلسطينية والتي عبرت عن رفضها لحرب الإبادة الجماعية وإرهاب الدولة المنظم، ووقفت الأنظمة والحكومات مواقف “رديئة” أمام هذه المجازر المروعة.
هل تعتقد أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله؟
بالطبع.. وعلى كافة المستويات، فما جرى أعاد للقضية الفلسطينية اعتبارها وأوصل لشعوب العالم والمنظومة الدولية أنه لا أمن ولا استقرار في المنطقة دون إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على قاعدة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وهذه المسألة لها دلالة من خلال يوم السابع من أكتوبر الذي لم يكن محصوراً بقطاع غزة فقط، بل تعدى ذلك الى نقطة الغلاف، ومن هنا وصلت الرسالة للاحتلال وكيان الاحتلال على أن موضوعة حق عودة اللاجئين هو حق ثابث ولا يسقط بالتقادم.
ما هو تقييمكم للمواقف العربية بعد عملية طوفان الأقصى؟
بعد معركة “طوفان الأقصى” تتواصل جرائم الاحتلال الارهابية بحق شعبنا الأعزل من قبل جيش الاحتلال المدعوم من القوى الغربية الامبريالية، وقد كشفت الأيام الماضية ضعف المواقف العربية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وكذلك فشلت المؤسسات الدولية في أداء واجباتها في الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في العالم وأفرغت من مضمونها بفعل القرارات الأمريكية والغربية المنحازة لإسرائيل والتي لم تجد في مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة سوى الخطابات والتعليق على الأحداث.
وهو ما يؤكد أن النظام الدولي الأحادي القطبية والمنحاز للعدوان والشريك للاحتلال بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى ويؤكد الحاجة إلى نظام دولي جديد متعدد الأقطاب لإنهاء الاستفراد الأمريكي ووضع حد لكل هذه التجاوزات التي تمثل انتهاكاً للشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني وميثاق روما والاعلان العالمي لحقوق الانسان.
ما هي المطالب الملحة للشعب الفلسطيني في هذا التوقيت؟
أولها: وقف جرائم الابادة الجماعية، ومحاولات التهجير القسري والتطهير العرقي، وإدانة حكومة الاحتلال والدعوة لمحاكمتها، كما نتوجه بدعوة كافة الدول التي أدانت هذا العدوان، وكافة برلمانات العالم إلى تجسيد ذلك بالاعتراف بالدولة الفلسطينية لتعزيز مكانتها القانونية والدولية، وتجسد بالاعتراف بها عضواً دائماً في مجلس الأمن، ورفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني ،وأن يتوقف العالم عن الكيل بمكيالين، ويؤكد حق شعبنا في العودة والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
هل نجح الكيان الصهيوني في تهميش القضية الفلسطينية “عالميًا” قبل طوفان الأقصى؟
بالطبع لا.. ولن يستطيع، فرغم كل محاولات إسرائيل إلغاء وجود الشعب الفلسطيني أو عدم الاعتراف بحقوقه أو بتمثيله السياسي الذي جسدته منظمة التحرير الفلسطينية فإن هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل، وتمكن الشعب الفلسطيني عبر تضحياته الجسام من فرض حضوره على الصعيد العربي والاقليمي والدولي، وتعزيز مشروعية نضاله وحقوقه الوطنية في مختلف الساحات والمواقع، وفي مقدمتها على أرضه ووطنه.
هل تعتقد أن الإرهابي الصهيويني نتياهو نجح في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب على غزة؟
لا.. وكل الأهداف المعلنة له ولحكومته الفاشية في حربها الاجرامية لم يتحقق منها شيء وفي الأيام الأخيرة تم استهدفت المستشفيات والتي جاءت في سياق الضغط على المواطنين للانفضاض عن المقاومة في غزة، وكذلك سقط مشروع التهجير القسري أمام الصمود الأسطوري لشعبنا.
وبقي الخطر القائم لعملية التهجير سواء القسري أو الطوعي، ومن هنا نحذر من هذه السياسة الاحتلالية الخبيثة والعدوانية، ونشيد بمواقف الدول التي عبرت عن رفضها لها وفي مقدمتها الأردن ومصر التي وقفت بصلابة في مواجهة هذا الأمر
وهذا الأمر يؤكد أنه يجب أن يرتكز أي حل الى رؤية استراتيجية توقف العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس كأولوية فورية وملحّة وفتح المعابر من أجل تأمين دخول المساعدات الإنسانية والاغاثية والطبية.
بمنظوركم كجبهة نضال شعبي فلسطيني، هل يعتبر الوقت ملائما لإنهاء الانقسام الفلسطيني؟
بالطبع.. آن الأوان لطي صفحة الانقسام نهائياً والاتفاق على برنامج وطني واحد موحد، وأن يكون الحل فلسطينياً، وهنا لن نسمح لأية جهة كانت لا عربية ولا دولية أن تشكل قيادة بديلة لشعبنا وفرض الوصاية عليه في غزة أو الضفة الغربية ولا في القدس .
ونحن في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، أطلقنا رؤية تستند للتمسك بحق شعبنا بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي احتلت في عام 1967، بما في ذلك حل قضية اللاجئين طبقاً لقرارات الشرعية الدولية.
واليوم، علينا التأكيد على التمسك بخيارتنا الوطنية ورفض أي محاولة لتقويض منجزات شعبنا وفرض معادلات جديدة بعيدة عن السلام الفلسطيني بمسميات السلام الإقليمي أو الإبراهيمي واستمرار الضغط للوقف الفوري للعدوان على مدينة غزة والضفة الغربية والقدس، وادانة الجرائم الوحشية للاحتلال من قبل محكمة الجنايات الدولية والمحاكم الدولية، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية العاجلة، ورفض التهجير القسري بكل أنواعه وأشكاله.
وأن المطلوب الآن من قبل منظمة التحرير الفلسطينية أن تتحرك في هذا الاتجاه، فالحرب الحقيقية هي الحرب السياسية، وهي التي ستكون ما بعد انتهاء العدوان، وان استثمار هذا التحرك الدولي واستنهاض حالة الشعوب العالمية والعربية لتوظيفها من أجل الإسراع في عقد مؤتمر دولي للسلام على قاعدة قرارات الشرعية الدولية والقدس العاصمة وعودة اللاجئين، وهذه المسالة مهمة ويجب تأكيد الإسراع بإطلاق مبادرة سياسية وطنية من خلال منظمة التحرير .
هل أوضح العدوان البربري الصهيوني حقيقة إسرائيل ككيان إرهابي؟
هذا العدوان البربري والهمجي يبين صورة إسرائيل والكيان الصهيوني فقد أصبح أمام شعوب العالم غير مرغوب به، كما أن استمرار هذه العنترية بدأ يهدد مصلحة الدول الداعمة والشريكة بهذا العدوان التي بدأت تنفض من حول نتنياهو، بمعنى آخر أن من انعكاسات وحيثيات هذه الحرب أن المشهد داخل الكيان سوف يتغير.
ما هي الشروط المهمة لأي تهدئة تحدث في المرحلة الحالية؟
يجب أن تكون التهدئة شاملة لكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة ومتزامنة، وأي اتفاق للتهدئة يتم عقده يجب أن يضمن مصالح شعبنا وعدم الرضوخ للإملاءات والشروط الإسرائيلية والأطراف الداعمة للاحتلال، ويجب ان نبتعد عن أي تهدئة مجانية وفق المنظور الأمني للاحتلال دون دفع استحقاقات هذه التهدئة، حيث ارتكب الاحتلال مجازر بشعة خلال فترة الهدنة الإنسانية وشمل ذلك عدة عمليات إرهابية في الضفة الغربية وفي القدس، وخاصة الهجمة المسعورة على المخيمات الفلسطينية وعمليات التصفية والاغتيالات التي تطال شبان المقاومة الفلسطينية في الضفة.
وعليه يجب وضع ملف الأسرى في المقام الأول لتحرير كافة المعتقلين من سجون الاحتلال ووقف الحرب الدموية ودعوة المجتمع الدولي للبحث عن أفق سياسي لإنقاذ العملية السياسية والتوجه نحو مؤتمر دولي للسلام بما يحقق أهداف وتطلعات شعبنا بالحرية والعودة والاستقلال وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وهو ما يتطلب مواقف عربية داعمة للتوجه الفلسطيني وللرؤية الفلسطينية واستخدام كافة أوراق القوة التي تمتلكها الأمة العربية في مواجهة الغطرسة والعدوان الصهيوني .