في عيد ” الاتحاد ” .. قدماَ والى الأمام
بقلم : الرفيق محمد نفاع
في الرابع عشر من أيار سنة 1944 صدر العدد الأول من جريدة الاتحاد في فلسطين – حيفا ، وهي مناسبة لتحية هذه الصحيفة وكل من ساهم في صدورها والعمل بها ووزعها والى جمهور القراء ، ومن النادر أن تجد صحيفة لها هذا الحب والتقدير من القراء مثل الاتحاد.
كان صدورها في ظروف ذات ميزات خاصة ، كان يجري سحق النازية والفاشية على يد الجيش الأحمر السوفييتي ، حيث احتفلنا بهذا السحق في غابة الجيش الأحمر كما في كل عام ، واحتفل خريجو المعاهد الاشتراكية من أبناء شعبنا في أمسية سياسية وفنية شيقة وكان لي شرف المشاركة في المكانين ، ومنذ صدورها اتخذت الجريدة موقفا مناضلا ضد النازية والاستعمار فهي تعبر عن مواقف الشيوعيين والتقدميين.
وفي نفس الوقت كان التآمر على فلسطين وشعبها في أوجه ، هذا التآمر الذي بدأ عمليا منذ سنة 1886، سنوات تهجير قرية المطلة في شمال فلسطين مع أن التخطيط بدأ قبل ذلك بكثير ، ومعروف أي موقف مشرّف وقفته الصحيفة وأصحابها من هذه القضية المفصلية ، لكن تآمر الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية سبّب نكبة هذا الشعب ، فهل تغيرت مواقف هذا الثالوث الدنس اليوم!!الأمر يزداد خطورة وانفضاحًا في السودان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ، حيث تقوم قيادة هذه الجامعة العربية سيئة الصيت والممارسة من دول الخليج بدور العملاء والمشاركين لدفن حق الشعب الفلسطيني والقضاء على المقاومة اللبنانية الباسلة ، والقضاء على سوريا الأبيّة واستهداف إيران ، أي محاولة القضاء على كل من يقف حجر عثرة في طريق مخططات هذا الثالوث القذر والمجرم .
وجاء صدورها والطبقة العاملة تحتفل بالأول من أيار والذي بدأ سنة 1890 بعد مرور أربع سنوات على نضال عمال شيكاغو والمذبحة ضدهم ، وبعد مرور أربعة عقود ونيف على نضال عمال استراليا ضد الاستغلال والاضطهاد ، فكان للاتحاد الموقف الاممي الثوري الطبقي في هذه المجالات الأساسية .
نحن نعرف العديد من الدراسات التي نُشرت عن الاتحاد ، لكن في مواضيع محددة منفصلة مثل المجال الأدبي والثقافي ، وكم من المفيد أن تجري دراسة شاملة عن الميزات الأساسية لجوهر هذه الصحيفة، الطبقي والاممي منذ صدورها ولغاية اليوم ، حيث تميزت بالمبدئية بصورة ابعد ما تكون عن الشعارات الفارغة والمواقف المغامرة من منطلقات انتهازية متلونة مؤقتة ، تماما كما نرى البعض يقوم بهذه الممارسة القذرة من متسترين بالدين الحنيف والقومية الحقة وهم أبعد ما يكون عن قيم الدين والقومية والساحة العربية الإسلامية تشهد على ذلك ، ونرى عددًا من مركبات لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية يتسابقون في إعلان الإضراب في مناسبات مثل ” ذكرى النكبة” وهم شركاء اليوم في صنع نكبة تطال الأمة العربية برمتها ، فهم خَدَم للاستعمار ورجعية الخليج ، أية مصداقية لهؤلاء البعض وبلا تعميم ، هل هذا الموقف الحماسي المؤيد لضرب سوريا والمقاومة يتلاقى مع أي موقف وطني وقومي وديني! وترى هؤلاء بالذات من اكبر المحرّضين على الاتحاد وخطها وحزبها وجبهتها تماما كموقف الاستعمار الذي أغلق هذه الجريدة في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي ، وتماما كحكام إسرائيل ومخابراتها التي اعتقلت وعذّبت الألوف من جمهور الاتحاد ، وتمامًا كالرجعية العربية التي تقذف هذا المنبر بكل التهم والشتائم، وأي دور ثقافي لهذه الصحيفة في نشر أدب الكفاح ، أدب المقاومة ، الأدب الإنساني التقدمي لمبدعات ومبدعين فلسطينيين وعرب ومن شعوب أخرى.
وهذه التربية ذات قيمة ثقافية فائقة ، تاريخ الاتحاد عبارة عن مسيرة شائكة مبدئية وكفاحية ظلت وستظل تشق طريقها بعناد ومسؤولية متخطية كافة العوائق والصعوبات ، ولها نسيج فكري وسياسي معروف ومشرّف ومرموق تجدر المحافظة عليه من كافة المساهمين في إبقاء واغناء هذا المنبر.
ليس من السهل أبدًا صدور واستمرار جريدة يومية ملتزمة في ظروفنا هنا ، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما أحدثه هذا الانهيار من هزة فظيعة ، لكن بقاء الاتحاد مرتبط بمبدئيتها وصدقها وجرأتها واحتضان الشعب لها ، وهو عنصر بقائها ، خاصة وهي تعمل بأقل ما يمكن من القوى العاملة فيها ، وبأقل من يمكن من المحررين والمراسلين الذين يستحقون كل التقدير والاعتزاز ، ونحن نعرف أن هنالك عددًا من اللائمين والعاتبين على هذه الجريدة ، أحيانًا على أخطاء لغوية أو تأخير في نشر مادة ، أو مأخذ على مادة نشرت ، أو تأخر في إيصالها وحتى في انقطاع مؤقت لهذا المكان أو ذاك ، وهي ملاحظات صادقة منطلقها الغيرة على هذه الجريدة ويجب أخذها بالاعتبار الجدي ، وذلك يتأتى فقط بزيادة الدّعم ، وزيادة المساهمة في تطوير وتحسين الاتحاد.
العبء الملقى على التحرير والإدارة والعاملين والموزعين ، هو عبء ثقيل لكن المسؤولية لكل أولئك وهؤلاء تتغلب على الكثير من النواقص والملاحظات ، والأمل وطيد جدًا بكل أحبّاء الاتحاد ورَبع هذا الخط المشرف ومن مختلف الأجيال والمواقع ، ومن نساء ورجال بان يبذلوا المزيد من المساهمة لإبقاء هذا الطود الفكري والاجتماعي والطبقي والاممي شامخًا حيًا متطورًا.
أمين عام الحزب الشيوعي في الداخل