غزة وفا/ استقبلت إسرائيل اليوم العالمي لمناصرة ضحايا التعذيب، الذي حل اليوم الخميس، بوضع اللمسات الأخيرة على أكثر اقتراحات القوانين وحشيةً وتطرفًا ‘اقتراح قانون التعذية القسرية’.
وأوضح المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل ‘عدالة’، في بيان له، أن تحضير اقتراح القانون للمصادقة النهائيّة، جاء في خضم أطول إضراب جماعي عن الطعام في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة، والذي خاضه الأسرى الإداريين واستمر لمدة 63 يومًا، مطالبين بإنهاء سياسة الاعتقالات الإدارية.
ويأتي كلّ ذلك وسط حملة اعتقالات واسعة وشرسة في الضفة الغربية طالت أكثر من 500 فلسطينيّ ردًا على اختفاء المستوطنين الثلاثة، وفرض الاعتقال الإداريّ بالجملة على العشرات من هؤلاء المعتقلين، وفق ما أورد البيان.
من جهتها، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيليّة، بأن محققي الشاباك تلقّوا الضوء الأخضر لاعتبار قسم كبير من هؤلاء المعتقلين ‘قنابل موقوتة’، وهو تعريف يتيح للمحققين استخدام وسائل تعذيب محظورة خلال التحقيق. وفي هذا السياق، دعت مؤسسات حقوق إنسان في بيان مشترك إلى إلغاء قانون التعذية القسرية وسياسة الاعتقال الإداري.
وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذ مركز ‘عدالة’ خطوات قانونية مختلفة لوقف الإجراءات العقابية التي اتخذتها سلطة السجون بحق الأسرى المضربين عن الطعام في السجون والمستشفيات. فقد التمست عدالة إلى المحكمة مطالبا بإلغاء سياسة تكبيل الأسرى المضربين عن الطعام بالأسرة في المستشفيات على مدار 24 ساعة في اليوم ومنعهم من دخول المرحاض والحمام بشكل منتظم.
وتوجه المركز، إلى النيابة العامة مطالبا بإلزام سلطة السجون بالكف عن عرقلة زيارة المحامين المضربين عن الطعام، وإعادة الحق بالزيارات العائلية واعادة الخروج اليومي الى ساحة السجن ‘الفورة’ والصلاة بشكل لائق.
وبين المركز، أن الضرب، والتهديد بالاغتصاب، والحرمان من الماء والطعام ودخول الحمام، والاحتجاز في ظروف مزرية والعزل في زنازين لأسابيع طويلة، هو جزء من ممارسات تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين أثناء اعتقالهم والتحقيق معهم.
وطالبت ‘عدالة’ في رسالة مفصلة إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، بوقف التعذيب والتنكيل بالأطفال الفلسطينيين، وبفتح تحقيق جنائي بصددها ومحاسبة المسؤولين عن هذه الممارسات.
إلى ذلك، أصدرت أربع مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية هي: ‘عدالة’، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، واللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، ورابطة أطباء لحقوق الإنسان-إسرائيل- بياناً لفت الانتباه إلى ثلاثة قضايا: ‘مشروع قانون التغذية القسرية’، و’الاعتقال الإداري’، و’الضوء الأخضر لممارسة التعذيب’.
مشروع قانون الإطعام القسري:
يستمر الكنيست الإسرائيلي خلال هذا الأسبوع في مناقشة مشروع قانون يعرف بـ’مشروع قانون التغذية القسرية’ سيُسمح بموجبه للسلطات الأمنية والعاملين في المجال الصحي في إسرائيل بإجبار السجناء والمعتقلين المضربين عن الطعام على تناول الطعام.
كان الهدف من المسارعة في إقرار هذا القانون الجديد كسر إضراب المعتقلين الإداريين عن الطعام المستمر منذ شهرين، والذي بدأ في تاريخ 24 إبريل 2014 وانتهى في 25 حزيران 2014، حيث أضرب حوالي 125 معتقلاً فلسطينياً عن الطعام احتجاجاً على الاعتقال الإداري.
ويتلقى نحو 80 معتقلاً مضرباً عن الطعام العلاج حالياً في مستشفيات إسرائيلية نتيجة التدهور الشديد لوضعهم الصحي، حيث أنهم مقيدون بأسرتهم على مدار 24 ساعة ويواجهون العديد من الصعوبات والقيود. ومن المتوقع أن يعرض مشروع القانون للقراءة الثانية والتصويت عليه يوم الاثنين 30 حزيران/يونيو الجاري.
وتؤمن المؤسسات الحقوقية الأربعة بأن التغذية القسرية هي شكل من أشكال التعذيب وتمثل انتهاكاً صارخاً للقانون القانون الدولي والإسرائيلي، وكذلك للأخلاق والأنظمة الطبية المقبولة دولياً.
واعتبر كل من المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بموضوع التعذيب، ولجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والجمعية الطبية العالمية، أن التغذية القسرية شكلاً من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والحاطة من الكرامة.
وتبنت الجمعية الطبية الإسرائيلية والمجلس الوطني للأخلاقيات الطبية في إسرائيل موقف الجمعية الطبية العالمية والقاضي باعتبار التغذية القسرية شكلاً من أشكال التعذيب. كما عبر الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان عن قلقهم الشديد تجاه مشروع القانون.
الاعتقال الإداري:
احتجزت إسرائيل قبل حزيران/يونيو 2014 حوالي 200 فلسطينياً من الأرض الفلسطينية المحتلة كمعتقلين إداريين بموجب إجراء قانوني يسمح للسلطات الإسرائيلية باعتقال الأفراد دون توجيه تهمة أو محاكمة حسب قانون الطوارئ (الاعتقالات) للعام 1979. وبينما يسمح القانون الدولي باستخدام الاعتقال الإداري وفقاً لمعايير محددة، إلا أن إسرائيل تسيء استخدامه في تعاملها مع آلاف الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إدارياً منذ عام 1967.
كثير من المعتقلين الإداريين تتراوح فترة اعتقالهم من شهور إلى سنوات يتم خلالها حرمانهم من حقوقهم الأساسية، بما فيها تمكينهم من الحصول على دفاع مناسب لأن الأدلة المقدمة ضدهم تبقى سرية. ومنذ اختفاء المراهقين الإسرائيليين الثلاثة في الضفة الغربية في 12 حزيران 2014، اعتقلت السلطات الإسرائيلية المئات من الفلسطينيين.
ووفقاً لما ورد في صحيفة ‘هآرتس’ العبرية الصادرة في 23 يونيو 2014، تم التوقيع على حوالي 100 أمر اعتقال إداري بحق فلسطينيين من قبل ضباط في الجيش الإسرائيلي ومن المتوقع صدور 200 أمر اعتقال إداري جديد.
وطالبت هيئات الأمم المتحدة التعاقدية بما فيها، لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إسرائيل بوقف الاعتقال الإداري، كما عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه تجاه استخدام إسرائيل المستمر للاعتقال الإداري.
الضوء الأخضر لممارسة التعذيب، السماح بممارسة التعذيب:
أشارت العديد من التقارير الصحافية الحديثة إلى أن محققي جهاز الأمن الإسرائيلي ‘الشاباك’ تلقوا ‘ضوءاً أخضر’ لمعاملة الفلسطينيين الذين اعتقلوا حديثاً كرد فعل على اختفاء المراهقين الثلاثة على أنهم ‘قنابل موقوتة’.
وتعرّف القنبلة الموقوتة على أنها سيناريو نظري يعكس وضع يفترض وجود معلومات لدى الشخص الموقوف إذا كشفها قد تمنع هجوماً وشيكاً يمكن أن يؤدي إلى خسائر في الأرواح.
وأدت تفسيرات لقضية المحكمة الإسرائيلية العليا 1999 حول التعذيب إلى فهم أن هناك سماح ب’تحقيقات معززة’، أو ممارسة ‘ضغط جسدي معتدل’ في حالات ‘القنبلة الموقوتة’.
إن مصطلح الضغط الجسدي المعتدل هو مصطلح قد يكون له وقع حسن على الآذان، ولكنه يعبر عن ممارسات تعتبر تعذيباً أو معاملة قاسية محرّمة بحسب القانون الدولي. وبالتالي فإن التعريف الواسع للمعتقلين الجدد كقنابل موقوتة يعني أن الضغط الجسدي المعتدل يمكن أن تستخدمه سلطات الأمن الإسرائيلية خلال تحقيقاتها.
إن سياسة جهاز الأمن الإسرائيلي فيما يتعلق بالتحقيقات تبقى سرية ولا يتم تفحصها من قبل أي هيئة مستقلة خارجية. على سبيل المثال، تم تقديم أكثر من 850 شكوى حول ممارسة التعذيب للمدعي العام الإسرائيلي منذ 2001 ولم يتم فتح أي تحقيق جنائي في أي من الشكاوى خلال هذه الفترة. وأكدت مؤسسات حقوق الإنسان الموقعة على البيان، أنه لا يوجد سبب مقبول لممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية، وكذلك تؤكد بأن الإطعام القسري و’التحقيقات المعززة’ ما هي إلا مظلة لممارسة التعذيب.
كذلك أكدت المؤسسات على أن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والمهينة محرم بشكل قطعي وفقاً للقانون الدولي بدون استثناء، وأن إسرائيل لا تستطيع أن تمنح تصريح بممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية تحت أي ظرف.
وطالب المؤسسات الحقوقية، بإنهاء استخدام الاعتقال الإداري وإلغاء مشروع قانون الإطعام القسري وإنهاء سماح إسرائيل باستخدام التعذيب وفقاً للقانون الدولي، وباحترام حقوق الإنسان الأساسية وكرامة المعتقلين.