إنها الصورة الكابوسية الاعتيادية الآن. ثمة سجين جاثم على ركبتيه وخلفه رجل مقنع بغطاء رأس أسود اللون يتحدث على الملأ. ويشجب الرجل الواقف الغرب ويدعي أن إسلامه يتعرض للهجوم، ثم يقوم بجز رأس الرهينة. ولكن، لماذا يبرز شريط الفيديو الذي عرض أخيراً بشكل خاص؟ لأن الأسير كان في هذه المرة صحفياً أميركياً -جيمس فولي- وقاتله كان يتحدث بلكنة لندنية بلا أخطاء.
من الطبيعي أن يكون الاشمئزاز الذي استقبل به هذا العمل الإجرامي الإسلاموي الأحدث مفهوماً. لكنه أيضاً مثير للاستغراب. إن هذا العمل ليس وحيداً، ويشكل بالكاد شذوذاً. إنه استمرار لاتجاه قابل للتنبؤ به بالكامل. لطالما كانت بريطانيا منذ زمن طويل ملاذاً كونياً لتصدير الإرهاب، إلى درجة أن مسؤولين حكوميين أميركيين كباراً رجحوا احتمال تنفيذ الهجوم التالي على الأرض الأميركية من جانب مواطنين من المملكة المتحدة. ومع أن لدى كافة البلدان -من أستراليا إلى إسكندنافيا- راهناً مشكلة مع المتطرفين الإسلاميين، فإنه يظل من الممكن التسامح مع العالم لشكه في أن بريطانيا أصبحت السلسلة الضعيفة في القتال الدولي ضد الجهاد. وهم على حق. فهذه ليست حتى المرة الأولى التي تقطع فيها رأس صحفي أميركي بتدبير من رجل بريطاني من لندن.
في العام 2002، كان عمر شيخ (27 عاماً) في الباكستان. كان من مواليد شمال لندن وخريج مدرسة خاصة وكلية لندن للاقتصاد، وذهب ليقاتل في البلقان وكشمير في التسعينيات. وفي العام 1994، اعتقل وسجن لتورطه في اختطاف ثلاثة بريطانيين وأميركي في الهند، ثم أفرج عنه في العام 1999 في مقابل الإفراج عن ركاب وطائرة رحلة خطوط إير إنديا رقم أي سي -814، ولاحقاً تم ربطه بتفجير المركز الثقافي الأميركي في كلكتا في كانون الثاني (يناير) من العام 2002. وفي نفس ذلك الشهر نظم اختطاف وقطع رأس المراسل الصحفي في جريدة “وول ستريت” دانيال بيرل.
في ذلك الوقت، كان من الممكن تجاهل حالة عمر شيخ بوصفها حادثة وحيدة. وكانت الجامعة التي تخرج فيها قد استخفت بالمخاوف من عدد الطلاب المتركزين في لندن، والذين كانوا قد انخرطوا في التطرف الإسلامي، أو بالمبشرين المتطرفين الذين يطوفون في البلد. لكنه أصبح من الأصعب قليلاً الاحتفاظ بذلك الاستخفاف -مع أنها تمت المحافظة عليه- في العام التالي عندما نفذ رجلان بريطانيان -آصف حنيف (21 عاماً) من هاونسلو في غرب لندن، وعمر خان شريف (27 عاماً)، تفجيراً انتحارياً في بار في واجهة بحرية في تل أبيب. كان عمر شريف طالباً في كلية كينغز في لندن، والتي تقع في الطريق المقابل تماماً لكلية الاقتصاد في لندن. وفي ذلك الوقت، أعلنت مجموعة حماس مسؤوليتها عن قتل ثلاثة إسرائيليين وجرح أكثر من 50 آخرين.
فيما نمت قائمة الجهاديين بريطانيي المولد، أصبحت نشاطاتهم أقرب للوطن. ففي يوم 7 تموز (يوليو) 2005، نفذ مسلمون بريطانيو المولد أول تفجيرات انتحارية على التراب البريطاني، تبعته أربع محاولات أخرى بعد أسبوعين. وفي يوم عيد الميلاد من العام 2009، حاول الرئيس السابق للجمعية الإسلامية في جامعة كلية لندن تفجير قنبلة على متن طائرة عند هبوطها في ديترويت. وفي العام الماضي، قام اثنان من معتنقي الإسلام بقطع رأس درامر لي ريغبي في رابعة النهار في جنوب لندن. ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن هذه كانت أبرز الحالات وحسب. لكن قائمة الحالات التي تم إحباطها بالعمل الأمني الجيد أو بمحض الصدفة مثيرة للدهشة. وبالإضافة إلى الدفق الثابت للإدانات، كانت يتم إحباط واحدة على الأقل من الاعتداءات الكبيرة على أعداد كبيرة من الجمهور البريطاني في كل عام. وكذلك كان الحال مع المحاولات الأصغر. وما يزال الجميع يتذكرون قتل لي ريغبي، ولكن كم هو عدد الأشخاص الذين يتذكرون قضية الخلية الإرهابية لبرفيز خان في بيرمنغهام؟ وكان خان قد جرم في العام 2008 بمؤامرة في العام السابق لاختطاف وقطع رأس جندي بريطاني مسلم وتصويره في شريط فيديو.
في كل هذه الفترة، وبينما كانت قائمة الجهاديين تنمو، كذلك كان عدد الأماكن التي أصبحوا يستطيعون التدرب فيها. ويعتقد أن ما يصل إلى أكثر من 4000 شخص من بريطانيا ربما ذهبوا لتلقي التدريب في أفغانستان أو للقتال فيها. وتتفاوت التقديرات لعدد المواطنين البريطانيين الذين ذهبوا للقتال في سورية والعراق، لتتراوح بين أكثر من 500 إلى 1500 (الرقم من خالد محمود، عضو البرلمان العمالي عن بيرمنغهام). وإذا كان الرقم الأكبر صحيحاً، فإنه سيكون أعلى بكثير من عدد المسلمين الذين يخدمون الآن في القوات المسلحة البريطانية. وقد عاد البعض من هؤلاء الجهاديين بينما قتل البعض في المعارك. لكنه بات من الواضح الآن، سواء أحببنا ذلك أم لا، أن هذه أصبحت مشكلة بريطانيا.
تنتشر مشكلة الانخراط في سورية في عموم بريطانيا. وكما يحدث في صراعات أخرى، فإن نسبة ضخمة من البريطانيين الذين يذهبون للقتال في سورية يبدون وأنهم من لندن -مثل قاتل جيمس فولي. وينسجم ذلك في الخط مع الأعمال الأخرى، بما في ذلك قائمة الإدانات الإرهابية في المملكة المتحدة حتى تاريخه، والتي تظهر أن نصف المخالفات والهجمات المرتكبة على تراب المملكة المتحدة والمستلهمة من الإسلاموية المتطرفة في العقد الماضي قد ارتكبها أفراد يعيشون في لندن في وقت اعتقالهم.
لكن الانخراط في الصراع في سورية انتشر أيضاً في بيرمنغهام وأماكن أخرى من التي توجد فيها أعداد كبيرة من السكان المسلمين، بالإضافة إلى بعض الأماكن التي لا بد وأن تكون قد فاجأت جمهوراً عريضاً. وفي شباط (فبراير) من هذا العام، رشح أن عبد الواحد حميد، البالغ من العمر 41 عاماً من كرولي غرب سوسكس، أصبح مفجراً انتحارياً. ويوم 6 شباط (فبراير) نفذ هذا البريطاني الذي لا يتحدث العربية تفجير شاحنة مفخخة في سجن في حلب، سورية.
وفي أيار (مايو)، عرض تقرير إنستاغرام عن رجل بريطاني يعتقد بأنه من لندن جرائم جهادية أخرى من سورية، بما في ذلك قتل سجين يعتقد بأنه من الموالين للرئيس بشار الأسد. وتم تعريف أحد الذين أطلقوا النار على المعتقل لديهم بأنه رجل بريطاني، والذي يوبخ في شريط فيديو آخر المسلمين البريطانيين لعدم تقديمهم دعماً كافياً للجهاد. ويقول:”إنكم تعرفون من تكونون، من العاصمة، من الأراضي الوسطى ومن الشمال وحيثما تكونون … أنه من العار أن يعرف الإخوة أين هن هؤلاء الزوجات وأين هذه العائلات، ومع ذلك تشترون لابن أختكم أو لطفلكم لعبة “بلاي ستيشن4″ أو تأخذونهم إلى مطاعم ناندو”.
وتمضي القائمة. ثمة خلية من الشباب من كارديف. وآخرون من بورتسماوث. وفي وقت سابق هذا الشهر، ظهر عبد الماجد عبد الباري من غرب لندن في صورة بثها لنفسه في شبكة التواصل الاجتماعي، تويتر، ويظهر فيها وهو يحمل رأساً مقطوعة، وأسفل الصورة شرح يجمد الأطراف. وهذا كله جزء من الانعطافة الغريبة التي أصبحت سورية تشكلها بالنسبة للجهاديين البريطانيين – مزيج من إسلاموية الشارع المتطرفة الباردة والعنف المفرط. حتى إن السجل الذي يتواصل هؤلاء الرجال من خلاله على شبكات التواصل الاجتماعي مألوف. وعلى سبيل المثال، أرسل ماضي حسن، 19 عاماً، من بروتسماوث صورة له وهو يحمل علبة من “النوتيلا” حتى يؤكد للقادمين بأنهم لن يفتقروا لكل وسائل الراحة.
من الطبيعي، يزعم جزء من الأطروحة بأننا لو تركنا تلك الأماكن وشأنها، لما كان أي من هذا قد حدث لنا. لكننا تركنا البلقان لشأنها وخلقنا جيلاً من الجهاديين. فم لم نترك أفغانستان والعراق لشأنهما -فخلقنا جيلاً آخر من الجهاديين أيضاً. والآن، تركنا سورية لشأنها إلى حد كبير –وانظروا لتروا أننا قد خلقنا جيلاً جهادياً آخر بنفس المقدار. لقد أصبح الأمر أنك ملعون إذا فعلت، وملعون أيضاً إن لم تفعل. ولعل من الملفت أن القليل من الناس يبدون وأنهم يدركون أن هذا الأمر لا يتعلق بنا نحن حقاً.
بالرغم من ذلك، فإن الخطر يأتي أقرب إلى الوطن من أي وقت مضى. وفي الأسابيع الأخيرة، تم رفع العلم الأسود الذي تستخدمه “داعش” بحرية في لندن -وظهر أنصار داعش في شارع اكسفورد -وغيره. وفي هذا الأسبوع فقط، استقال إمام مسجد في ويلزي بارز بعد أن تم توجيه الدعوة لواعظ مؤيد لداعش ليتحدث في مسجده.
وتستمر هذه المعركة في المنازل والمساجد في طول هذا البلد وعرضه. ونخشى من وصل هذه النقاط. كما أننا نخشى من أن نبدو عدائيين أكثر مما نخشى الازدراء الدولي القادم نحونا.
إن البلد الذي جلب الحرية للكثير من العالم أصبح راهناً يصدر الإرهاب لأجزاء كبيرة منه. تحتاج بريطانيا لأن تنتبه لنفسها وتعالج هذه المشكلة إذا أردنا أن لا يكون هناك المزيد من أشرطة الفيديو مثل الذي شاهدناه الأسبوع الماضي.
الغد الأردنية