لا يمكن اعتبار جريمة قتل ١٠٠ مدني فلسطيني في مدرسة التابعين، قبل أيام، أثناء صلاة الفجر، جريمة عابرة، إنما هي سلوك متأصل في بنية العقلية اليمينية المتطرفة التي تحكم إسرائيل، والتي هيمنت على جانب كبير من الرأي العام.
لا يمكن التعامل مع ما جرى على أنه خطأ في الحسابات، إنما هو سلوك هدفه القتل المتعمّد مع سبق الإصرار والترصد، فلم يشهد العالم حربًا سقط فيها ما يقرب من ٥٠ ألف إنسان على هذه المساحة من الأرض وبين هذا العدد المحدود من السكان (٢ مليون)، فالدولة العبرية تعتبر القتل هدفًا بغرض الترويع والانتقام من البشر وليس حركة حماس، وهو ليس حدثًا عرضيًّا أو استثنائيًّا في حرب تدور بين مقاتلين كما الحرب الروسية الأوكرانية، التي هدفها ليس قتل المدنيين، إنما السيطرة على الأرض وهزيمة الجيش الآخر.
لقد قام المشروع الاستيطاني الإسرائيلي على مسألة «الإحلال»، منذ نكبة ٤٨ وحتى الآن، أي العمل على تهجير السكان الأصليين من الفلسطينيين وإحلال سكان يهود مكانهم، واستمر هذا المشروع حتى الآن، وأخذ في بعض الفترات شكلًا سلميًّا ودعائيًّا (دينيًّا وثقافيًّا) بسعي إسرائيل إلى أن تصبح «نموذجًا» لكل يهود العالم، وتغري بعضهم للقدوم إليها والعيش فيها، حتى لو كانوا يحملون جنسيات بلدان أخرى، ولم تقبل بأن تعطي هذا الحق للفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات خارج فلسطين، ورفضت في كل مفاوضات السلام أن تعطي «حق العودة» لأي فلسطيني يعيش خارج أرضه التاريخية.
هدف إسرائيل من حرب غزة لم يعد حاليًا هزيمة مقاتلي حماس، إنما تهجير، ولو جانب من المدنيين، وتقسيم غزة إلى ٣ أو ٤ أقسام حتى يمكنها السيطرة الأمنية عليها، ولتحقيق هذا الهدف تحول قتل المدنيين إلى هدف.
الحجة الإسرائيلية لتبرير هذه الجريمة البشعة تقول إن هناك مركز قيادة تابعًا لحركة حماس موجودًا في المدرسة، ورغم أن إسرائيل اعتادت ترويج الأكاذيب لتبرير جرائمها، فإنه لو صح كلامها هذه المرة فإن حماس باتت مطالَبة بإنهاء العمليات القتالية في غزة، ولو من جانب واحد، وسحب وجود أي مقاتلين وسط المدنيين، لأنه لم تعد لديها القدرة مؤخرًا على توجيه أي ضربات تُذكر للجيش الإسرائيلي كما كان في الأشهر الستة الأولى، وأصبح الآن مَن يُقتلون ويدفعون الثمن الباهظ هم المدنيون الفلسطينيون دون أي خسائر تُذكر لدى جيش الاحتلال.
لقد انتهى دور عملية ٧ أكتوبر، وصمدت حماس لأشهر عديدة، وحان الوقت لكي تقوم بواجبها في حماية المدنيين، حتى لو لم تحترمه إسرائيل، ولم يؤدِّ إلى وقف فورى لإطلاق النار، إنما هو بات أمرًا مطلوبًا مادام دور المقاومة المسلحة في غزة قد انتهى تقريبًا، فحان وقت إعلان استراحة محارب، واعتبار حماية المدنيين في اللحظة الحالية هو الهدف.
عن صحيفة الايام