في مقالة لآلون بن مائير الخبير في شؤون الشرق الأوسط باللغة الإنجليزية عنوانها “أوباما وجائزة نوبل للسلام”، التي تتلخص في كلمات بسيطة وهي أن الرئيس أوباما إذا كان جديراً بهذه الجائزة عليه أن يترجم ذلك في مبادرة للسلام خلال زيارته كلا من “إسرائيل” وفلسطين، ولا خلاف على ذلك، ولكن يبقى السؤال هل يحمل الرئيس أوباما معه مبادرة أو رؤية شاملة لتحقيق السلام وليس مجرد دفع المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”؟
الهدف ينبغي أن يتجاوز مجرد حدود الزيارات البروتوكولية والرسمية، إلى زيارة للسلام حتى يمكن القول إن أوباما يستحق جائزة نوبل للسلام، فهو منح هذه الجائزة لأنه استهل ولايته الأولى وفي العديد من خطاباته الرسمية التي ألقاها في أنقرة والقاهرة، وهما الدولتان الإسلاميتان من بين دولتين أخريين زارهما، بتأكيد أهمية السلام في المنطقة، وتبنيه حل الدولتين، وتأكيده بذل كل جهده في دفع المفاوضات ومسيرة السلام، وتحقيقاً لهذا الغرض عيّن ميتشل ممثلاً خاصاً له في المنطقة .
كل هذه الوعود فشلت وفشلت معها مهمة ميتشل، وتواصل الاستيطان، وتراجع أي أمل في حل الدولتين، إلى أن ذهب الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة ليحصلوا على أقل الممكن وهو دولة بصفة مراقب، وهذا ما عارضته الولايات المتحدة ومعها “إسرائيل”، وهي بهذه المعارضة تؤكد ازدواجية وتناقض السياسة الأمريكية في التعامل مع الصراع العربي -”الإسرائيلي” . ولعل أبرز ما ميز الفترة الأولى من ولايته ثورات التحول العربي ووصول الإسلاميين إلى الحكم .
أولاً هذه الزيارة وعلى أهميتها، تأتي في ظل تحولات ومعطيات سياسية كبيرة تشهدها المنطقة، أبرزها سقوط أنظمة الحكم السابقة الحليفة والمؤيدة للسياسة الأمريكية، وتولي الإخوان الحكم في دول مهمة مثل مصر التي ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وتأتي في أعقاب حصول الفلسطينيين على “دولة مراقب”، وأيضاً تأتي بعد الانتخابات “الإسرائيلية” وفوز كتلة الليكود – بيتنا، وقيام نتنياهو من جديد بتشكيل حكومة “إسرائيلية” مع الأخذ في الحسبان فوز حزب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد ب19 مقعداً وهو ما قد يكون ورقة مهمة في السياسة الأمريكية، وتأثيرها في مجريات وتركيبة وتوجهات الحكومة “الإسرائيلية” المقبلة .
ثانياً هذه الزيارة تأتي في الولاية الثانية لأوباما، إذ لم يزر “إسرائيل” في ولايته الأولى، وهي سابقة في السياسة الأمريكية، وأيضاً في أعقاب فقدان الثقة بين أوباما ونتنياهو بسبب تأييد الأخير للمرشح الجمهوري رومني، ومع ذلك تبقى العلاقات الأمريكية – “الإسرائيلية” تحكمها ثوابت تتجاوز العلاقات الشخصية . الزيارة لها جانبان الأول يتعلق ب”إسرائيل”، وفي هذا السياق هي بمرتبة تأكيد لعمق العلاقات مع “إسرائيل” وتجديد لثوابت والتزامات السياسة الأمريكية إزاء أمن وبقاء “إسرائيل”، في ظل تحديات وتهديدات حقيقية تواجهها “إسرائيل” بسبب الملف النووي الإيراني الذي سيطغى على هذه الزيارة، وأيضاً بسبب التحولات التي تشهدها المنطقة بتولي الإسلاميين الحكم، والتخوف من عدم استمرار المعاهدات الموقعة مع “إسرائيل” بالنسبة إلى مصر والأردن . وزيارة “إسرائيل” تقف عند حدود تأكيد هذه المبادئ، بل قد تترجم في تطوير العلاقات الأمنية والعسكرية .
ولا شك سيأتي ذلك في سياق دفع الحكومة “الإسرئيلية” إلى التفاوض مع الفلسطينيين، وإبداء قدر من المرونة السياسية من دون الذهاب إلى حد الضغط المباشر على “إسرائيل” .
وقد نضيف إلى ذلك أن الزيارة تم الإعلان عنها قبل أو أثناء تشكيل الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة، وهي محاولة للتأثير في شكل التحالف الحكومي، وسياساتها المستقبلية في ما يتلق بمسار السلام والمفاوضات . هذا بعض من جوانب زيارة “إسرائيل”، أما على الجانب الفلسطيني، وهي أقل بكثير، فهي الزيارة الأولى أيضاً في أعقاب حصول الفلسطينيين على صفة دولة، وهنا قد تختلف المراسيم والتوجهات، وفي هذا قد يكون تصحيحاً للموقف الأمريكي المعارض، وفي هذه الزيارة وهي تأكيد لاستمرارية تقديم الدعم المالي الذي قد يسبق الزيارة، إذ سيتم التشديد على خيار الدولتين، وتأكيد أهمية المفاوضات، والعودة إلى هذا الخيار حتى تتم تسوية المشكلات التي قد تعترض تحول فلسطين إلى دولة كاملة العضوية، وهي بهذا المعنى، أي الزيارة، قد تكون ورقة ضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات، لكن المهم في الزيارة، هل تأتي والفلسطينيون قد حققوا المصالحة وشكّلوا حكومة وحدة وطنية بمشاركة حماس؟ وماذا سيكون الموقف الأمريكي؟ هنا وفي حال القبول بها هل تكون الزيارة رسالة إلى حماس بالاعتراف بدورها في إطار الكل الفلسطيني، وهو ما يفرض على الحركة تقديم المزيد من المرونة السياسية، وتفويض الرئيس عباس بالذهاب إلى خيار التفاوض الذي أعتقد أنه قد يتم في ظل هذه الحكومة الفلسطينية؟
وأخيراً يبقى السؤال الأكثر أهمية، هل يأتي الرئيس أوباما ومعه مبادرة أو خطة عمل حقيقية لدفع عملية السلام من خلال المفاوضات؟ وهل سيعلن عن تعيين ممثل له يوجد في المنطقة للاستفادة من الولاية الثانية والأخيرة لأوباما؟
إنها فرصة تاريخية قد لا تتكرر، فإما أن يتم الدفع باتجاه تسوية للصراع العربي – “الإسرائيلي”، لأن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المحورية، ومفتاح كل القضايا الأخرى، وإما أن يتم إعلان الفشل الكامل .
الخليج الإماراتية